معرض استعادي يجسد تجربتها خلال «خمسة عـــقود» في «أيام غاليري» بدبي

سامية حلبـي.. فلسفة لونية تجرّد العالم من ماديته

صورة

«خمسة عقود من الرسم والإبداع».. تحت هذا العنوان قدمت الفنانة الفلسطينية سامية حلبي تجربتها ومراحل تبدلها في معرض افتتح أخيراً، في «أيام غاليري» في دبي. تبين الأعمال المعروضة التي تنتمي إلى مراحل متباينة من مسيرتها الفنية، منذ كانت طالبة في الجامعة حتى اليوم، أي منذ الستينات حتى 2013، انتقال الفنانة من مرحلة التصوير إلى التجريد بشكل تدريجي، مروراً بالأشكال الهندسية التي تتقاطع في اللوحات. تطرح حلبي رؤية بصرية تجريدية تقوم على فلسفة تجرد العالم من جميع الأشكال المادية.

ولدت الفنانة سامية حلبي في فلسطين عام 1936، وتعد من روّاد الحركة التجريدية المعاصرة. انتقلت للعيش في أميركا عام 1951. قدمت أعمالها في كثير من دول العالم، وقد اقتُنيت لوحاتها من قبل مجموعة من المتاحف، منها جوجنهايم (نيويورك وأبوظبي)، والمتحف الوطني للفنون في واشنطن، ومعهد الفن في شيكاغو، والمتحف البريطاني، والمتحف العربي للفن الحديث.

تشكل مرحلة الستينات في أعمال حلبي البدايات التي حملت أبعاد البناء الهندسي، فكانت تميل إلى تضمين أعمالها المربعات والدوائر وتبني اللوحة بتقاطعات شكلية موحدة أو متداخلة. تبدو المرحلة الأولى عند حلبي مرحلة التأسيس والاكتشاف، إذ قدمت بعدها الفنانة الفلسطينية مجموعة من اللوحات التي تحمل الانحناءات والخطوط المثنية، فبدت أقرب إلى عملية تصويرٍ قائمة على التكرار في الشكل والبنية. وتبرز هذه الأعمال التي تعود للسبعينات شغف الفنانة بالأشكال والألوان، إذ تتعمد في كل عمل ان تخاطب المتلقي بلغة خاصة. بعد هذه المرحلة أتت اللوحات التي تحمل الخطوط المعقدة أكثر، فكانت مليئة بالانحناءات أو الانثناء الذي يجعلها تبدو متداخلة، ثم بدأت الخطوط تأخذ أشكالاً طولية أكثر لتكوّن من خلال الألوان فضاء لونياً تتمازج فيه الألوان الداكنة والفاتحة.

شكلت مرحلة الثمانينات نقطة تحول في المفاهيم التي تطرحها حلبي لجهة اللون والشكل والبنية في اللوحة، تأثرت بالأشكال التي تأخذها قطع الرخام والأراضي، وأتت لوحاتها شديدة الشبه بهذه القطع، فيما كانت تتقاطع في اللوحة على أشكال مثلثات. هذا التجريد تطوّر في مرحلة لاحقة ليطال الطبيعة، فقد بدأت حلبي تصور أوراق الخريف، فتقطع أوراق الأشجار والأغصان، وتدخل عمق تكوينها عبر ايقاع لوني يجمع بين الأصفر والزيتي وكذلك الزهري الفاتح. تدفعنا هذه الأعمال الى رؤية ما هو غير موجود في الطبيعة، فهي تأخذنا في جولة تصويرية ثم لا تلبث أن تصبح اللوحة تجريدة في مرحلة مقبلة، فبعد ان كانت أوراق الاشجار بارزة، تصبح أجزاء الخريف شبيهة بتأثير الارض في الحركة والشكل. ومما لا شك فيه ان هذه اللوحات جعلت الطبيعة الملهم الأساسي لأعمال حلبي، فالأشجار والصخور تبرز نمو الأجيال، فتحملها حلبي أبعاداً فلسفية ووجودية من خلال طرح فكرة الاستمرار. أما في آخر التسعينات فباتت الطبيعة تظهر في اللوحة بكميات من الأشكال، فحضرت تجريدياً دون ان تأخذ أي مشهد عام، نجد الألوان تبدو كأنها شلالاً يتساقط من الكانفاس في سياق معقد ومبهم، فهي لغة لونية تقوم على الحدود الحرة في اللوحة، ولا تجعل العمل مقيداً. أما في بداية الألفين فبدأت أعمال حلبي تتحرر من الأبعاد الثنائية، وتأخذ أبعاداً ثلاثية وتخرج عن نطاق جاذبية الأرض، فنجدها تخرج حرة وقادرة على أن تسير في اتجاهات مختلفة، إذ تجمع الكانفاس الملون على طريقة الكولاج لتنتج منه عملاً تكوينياً من الألوان في سياق متداخل، فهي أشكال معلقة وتتدلى من سقف المعرض لكنها للوهلة الأولى تبدو اقرب الى كائنات أو نباتات بحرية.

هذه الطبيعة التي شغلت أعمال حلبي أخذت منحى سياسياً في لوحاتها التي رسمت فيها الزيتون الذي يشكل رمزاً فلسطينياً. وتعتبر هذه اللوحات جزءاً من اللوحات التي كانت قد رسمتها حلبي عن كفر قاسم، حيث اعتمدت الأسلوب التوثيقي لتاريخ فلسطين في هذه الأعمال. هذا التوثيق ـ كما تؤكد حلبي ـ تعتبره المجال الذي يجب ان تتحدث عنه، لكن كتوثيق وليس في اللوحة التشكيلية والخط الذي تنتهجه، فالرسم بالنسبة لها بحث عن لغة التشكيل، والتجريد أهم لغة في العالم. وأضافت حلبي لـ«الإمارات اليوم»: «تاريخ الرسم هو أكثر ما أثر في فني، وكذلك تاريخ التشكيل العربي، لكن في الوقت الحاضر نعيش في عالم مفتوح، وبإمكاني أن أذهب الى اليابان وأتصادق معهم وأتأثر بما يقدمون، ولكن في الفن عندما أدخل الى مكان وأرى العمارة والتراث العربي أشعر بشيء مختلف، وحب داخلي لا يمكن تفسيره». ولفتت الى أن التجريد، وهو البحث المستمر واللغة اللونية التي تفضلها كونها تختصر الأنماط الفنية، ليس حديثاً في الفن العربي، فهناك تجريد قديم يعود الى القرن الـ15، وربما هناك أعمال تعود الى ما قبل ذلك، ولا نعلم عنها شيئاً.


مناقشة وكتاب

 قدمت سامية حلبي يوم افتتاح معرضها الذي يستمر حتى نهاية أبريل المقبل، محاضرة حول مراحل أعمالها، شرحت فيها التأثيرات التي شكلت محطات في لوحات متباينة، وكيفية عملها على اللون والشكل، والرموز والدلالات. وإلى جانب المحاضرة وقعت الكتاب الذي يحمل نفس عنوان المعرض، والذي يجمع بين الصور والشروحات للوحات حلبي منذ بداياتها حتى اليوم.

 

 

 

تويتر