" باشا بوش".."فتيات كابول السريات"

يعتبر تشبه النساء بالرجال والعكس في كل المجتمعات أمراً مكروها ومنبوذاً، لكن في المجتمع الأفغاني الذي لا زالت الكثير من العادات و التقاليد تسيطر عليه أمراً طبيعياً، فكثيرا ماتلمح في شوارع المدن والقرى العديد من الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 5-15 عاماً يرتدين لباس الذكور ويتصرفن مثلهم.

ويطلق على هذه الظاهرة إسم Bacha Posh وتعنى باللغة الدرية الأفغانية "اللبس كولد ".

وتلجأ لها غالبا الأسر التى لايوجد لها أولاد ذكور فتختار إحدى بناتها لتكون" باشا بوش" لتتخلص من نظرة المجتمع القاسية للبنات، وكذلك لتخفف من أعباءها المادية، حيث يمكن للبنت في هيئة ولد من الخروج للعمل ومساعدة العائلة في جلب قوتها اليومي.

لكن هذا التغيير في حياة الفتيات لا يستمر إلى الأبد فعندما تصل الفتاة لعمر 17 أو 18 تعود لطبيعتها الأنثوية فتلزم البقاء في البيت وترتدي البرقع وتستعد للزواج.هذا الرجوع لا يكون سهلا تقول بعض الفتيات التي عاشت طفولتها كولد أنها كانت تشعر بالحرية بالخروج واللعب في أي وقت و الذهاب الى المدرسة والعمل وكل الأمور المحرمة على بنات جنسها لكن بعد أن رجعت لطبيعتها الأنثوية فإنها واجهت صعوبة في مواصلة هذا الأمر وفي ممارسة مهام البيت اليومية كالطبخ والغسيل وتربية الاطفال.

تقليد ضارب في القدم

يرجع هذا التقليد حسب بعض المراجع التاريخية الى القرن الثامن عشر حيث كانت تتخفي النساء بزي الرجال في الحروب والمعارك للقتال أو تقديم المساعدة للمحاربين كالتمريض والطبخ، فيما تؤكد المؤرخة نانسي دوبري عن وجود صور يعود تاريخها إلى 1900 ترجع الى عهد الملك الأفغاني حبيب الله خان حيث كانت حارسات "حريم الملك" يرتدين الزي الرجالي، فرسميا كان يمنع على حريم الملك رؤية الرجال الغرباء فوجد هذا التقليد لحل مشكلة الحماية والحراسة لاهل وحريم الملك حبيب الله .ومع مرور السنين تم توارث هذا التقليد وتحول إلى عادات راسخة في المجمع الافغاني.
حتى أن الطبقة المثقفة فيه لم تتعافى بعد من سطوة هذه العادات، فالعضوة السابقة في البرلمان الأفغاني ،أزيتا رفهات، لديها ثلاث بنات و عندما بلغن سن المدرسة ألبست واحدة فيهن لباس الأولاد لأن نظرة المجتمع لعائلة لا أولاد ذكور فيها ما زالت نظرة رفض و عدم قبول مما يضطر تلك العائلات الى اتخاذ واحدة من البنات و تحويلها الى ذكر "خارجيا" فقط من خلال قصة الشعر و اللباس الذكوري كما يقومون ايضا بتغيير الاسم الى أحد الاسماء الذكورية.

الطريف بالأمر أن رئيسة إتحاد المرأة في احدى المحافظات عاشت طفولتها كولد فهي البنت الثالثة في العائلة و قد قررا و الدها أن يحولها لولد لتساعده في دكانه و هي تقول أن هذه التجربة ساعدت على صقل شخصيتها للوصول الى هذا المنصب.

طرحت هذه المسالة ونوقشت في الإعلام والسينما العالمية وانتج عنها عام 2003 فيلم بعنوان " أسامة" من تأليف واخراج صديق بارماك، ويحكي الفيلم قصة فتاة شابة في أفغانستان تحت حكم طالبان اضطرت أن تكون " باشا بوش" فتحولت إلى صبي إسمه أسامة ، لتساعد أسرتها، بعد مقتل والدها وعمها خلال الحرب السوفياتية في أفغانستان.

"فتيات كابول السريات"..

و عندما زارت الصحفية السويدية جيني نوردبيرغ صديقتها أزيتا، وهي نائبة في البرلمان الأفغاني، في بيتها قبل بضعة أعوام، لم تكن تستطيع تصديق عينيها. حيث قدَّمت أزيتا واحدةً من بناتها الأربع لهذه الصحفية كمولود ذكر - كما لو أنَّ ذلك أمرًا طبيعيًا.

وهذه الفتاة كانت ترتدي ملابس صبيان وتتصرف على العكس من شقيقاتها الثلاث كذكر تمامًا وبكل ثقة بالنفس. وكانت هذه الفتاة "باشا بوش" ، مثلما اكتشفت ذلك الصحفية جيني نوردبيرغ في وقت لاحق.

ولم تتمكن الصحفية نوردبيرغ من إيجاد أيّة كتب أو مقالات حول "الباشا بوش" فقد قررت أن تدرس هذه الظاهرة بنفسها. وقد أدَّت أبحاثها في الفترة بين عامي 2010 و2012 إلى إعدادها كتاب The Underground Girls of Kabul فتيات كابول تحت الأرض، صدرت ترجمته باللغة الألمانية تحت عنوان ""فتيات كابول السريات".

وقامت نوردبيرغ بزيارة عائلات أفغانية في جميع أنحاء البلاد، وأجرت مقابلات مع ربّات بيوت وكذلك مع طبيبات وسياسيات. واكتشفت أن "الباشا بوش" موجودات في جميع أنحاء أفغانستان وأن كل أفغاني يعرف فعليًا حالة من مثل هذه الحالات سواء ضمن نطاق الأسرة أو الأصدقاء.

"باشا بوش.. فأل حسن

يعتقد المجتمع الأفغاني أن تقليد " باشا بوش" بالإضافة إلى أنه تقليد إجتماعي يمسح العار عن العائلات التى ليس لها ذكور تحمل إسمها وترث أموالها وتاريخيها فإنه يجلب الحظ للعائلة وممكن ان ترزق بصبي حقيقي.
لكن علماء النفس يرون أن خوض الفتيات لمثل هذه التجربة من تبديل الهوية له أثر تدميري على شخصية الفتيات فهن لا يملكن أي ذكريات طفوليه لكونهن بنات إضافة إلى عدم اتزان في سلوكياتهم الممزوجة بالتطبع الذكوري خلال المراهقة والطبع الأنثوي عند النضوج والزواج .

كما أن " باشا بوش" لا تعكس الهوية الحقيقة للطفلة وإنما تعكس اَمال ورغبات الاَباء الذين يقدمون إمتيازات لايمكن للفتيات الحصول عليها أبدا بهويتهم الحقيقة كممارسة كرة القدم و الكريكيت والذهاب إلى المدرسة .

وتفصيلاً تقول " اليها" التى عاشت عشرين عاما كـ "باشا بوش" لكنها تحولت إلى فتاة عند دخول الجامعة لهيئة الاذاعة البريطانية " بي بي سي" أنها تجد صعوبة بالغة في الإختلاط مع الفتيات مرة أخرى لأنها تعودت على التنشئة الإجتماعية مع الأولاد، وتضيف قائلة "يستخدم الرجال كلمات بذيئة للفتيات ويصرخون عليهم في الشوارع. عندما أرى ذلك، أكره أن أكون أنثى وأرغب البقاء كولد، فهم يحترمونني ولا يكلمونني بإزدراء".وتوضخ إليها " عندما أرجع الى جسدي الحقيقي كأنثي وتنتهي تقمصي لدور " باشا بوش" يجب علي أن أتعلم كل شئ من البداية، كيفية الجلوس مع النساء، وكيفية التحدث، وكيفية التصرف. كأني ولدت من جديد".

ويبقى " الباشا بوش" تقليد إجتماعي يتحول إلى صراع نفسي وجسدي تعيشه الفتاة الأفغانية بإسم العادات والتقاليد قد يمنحها القليل من الحرية المشروطة في مجتمع محافظ، لكن يسلبها أنوثتها و يفقدها هويتها .

تويتر