شعراء اعتبروا غياب النقد أبرز أسباب تراجع الكتابة

المشهد العربي.. كثير من الشعراء وقليل من الشعر

صورة

الكثير من الشعراء والقليل من الشعر.. هكذا يمكن وصف الساحة الشعرية العربية في الوقت الحالي، حيث يوجد الكثير من الدخلاء أو الذين يستسهلون منح أنفسهم لقب «شاعر». وتعد مواقع التواصل الاجتماعي التي منحت الناس حرية التعبير في كل المجالات، فكان الشعر والسياسة في طليعتها، أبرز الأسباب التي فاقمت أعداد الشعراء الذين يقدمون أنفسهم عبرها اولاً ولاحقاً من خلال ديوان. واعتبر الشعراء الذين تحدثت اليهم «الإمارات اليوم» أن غياب النقد البناء من أبرز الأسباب التي أدت إلى التراجع الذي يشهده الشعر العربي.

وبدأ الشاعر المغربي ياسين عدنان حديثه عن لقب شاعر، وقال «من الممكن اليوم لأي شخص أن يطلق على نفسه لقب شاعر، لم يعد هناك من ينتظر اللقب من الآخرين، كما أنه من الممكن أن يقدم للناس الشعر يومياً، وغالباً ما يتضمن الأخطاء النحوية أو حتى أحيانا الإملائية».

وأضاف أن «وسائل التواصل الاجتماعي أوجدت للبعض كوناً شعرياً خاصاً، وحالة من الاكتفاء الذاتي، وشخصياً لا يضايقني هذا الوضع، فأنا أفضّل شاباً يجد بهجته في الكتابة مهما كانت جديته على شخص يجدها في طريق ضال». وشدد على أن هذه الحالات مكنت هؤلاء الذين لا يفقهون الشعر جيداً من خلق واستقطاب أناس وجعلهم جمهوراً للشعر، مشيراً إلى ان غياب المؤسسات الثقافية وعدم التفات دور النشر إلى ما يحدث فاقم الوضع.

ونوه عدنان بغلبة نزعة تجارية لدى دور النشر، فهم يتاجرون بلهفة الناس إلى رؤية كتب تحمل أسماءهم على الأغلفة، فالديوان اليوم بات «بطاقة العمل»، ويضعون نسخهم في السيارة ويوزعونها. وأردف أن هذا الاستخفاف في مجال الشعر ليس الا جزءاً من الاستخفاف والابتذال العام في منظومة القيم، فالشعر لن يبقى مقدساً.

ورأى عدنان أنه ليس ممكناً محاربة كل هذه الظواهر الجديدة، ولكن لو أن هناك وجوداً لمؤسسة ثقافية عربية تقوم بدور مميز في المجال الثقافي، وتمنح جوائز شعرية، أو تقوم بطباعة الكتب المميزة، أو تصدر سلسلة شعر عبر السنوات وفي أكثر البلدان لتغير الحال.

واعتبر الشاعر المغربي أن ما يفتقر له الشعر اليوم هو الشاعر الجدي الذي يعمل على نصه ولغته، ثم يعمل على تطوير التجربة من خلال القراءة والسفر والاشتباك مع القلق الوجودي.

ولفت إلى انعدام وجود أي فرق بين الشاعر الجدي أو غير الجدي في هذا العصر، راداً ذلك إلى تخلي المؤسسات الثقافية عن دورها، وكذلك النقد الذي بات يقوم على المجاملات. أما عن الحديث عن الشعر المغربي، فأوضح عدنان أن ما يكتب في المغرب اليوم هو من أهم ما يكتب في الشعر العربي الحالي، ولكن المشكلة الوحيدة هي أن الشعر المغربي ينشر داخل المغرب فقط، ما يحرمه الرواج العربي. وأضاف «الشعر المغربي لديه عمق فلسفي ناتج عن تفاعله القوي مع الشعر المجاور، ولاسيما الفرنسي والاسباني، ما يجعله لا يمر بسلاسة إلى الذوق المشرقي الذي يطلب الشعر السهل». وشدد على أن الشعر المغربي تنصفه الترجمة أكثر مما ينصفه المتلقي المشرقي، وهذا يبين أن الافق الحداثي للشعر المغربي قد يكون أقوى من المشرقي.

في المقابل، رأى الشاعر الجزائري عزالدين ميهوبي، أن الشعر في الجزائر يعاني الظلم الذي مورس جراء بعض الظروف وليس بفعل فاعل، فقد أسهمت الظروف في غياب نسبي للشعر الجزائري عن المشرق العربي. وأكد على ان الصوت الشعري الجزائري اليوم تجريبي، لكن الوضع بخير لأن الجزائريين استطاعوا الحصول على الجوائز الشعرية العربية، والأصوات النسائية لها حضور لافت ومميز. ورأى ميهوبي، أن الرواية استفادت من الصورة اليوم، فقد طغت الاخيرة في عصرنا، وتالياً هذا يصعب الشعر أكثر فهو لا يستفيد من هذا الامتياز، ولهذا نجده يقاوم على أكثر من جبهة، أبرزها فرض الرواية لنفسها كتوجه أدبي، ما أدى بالكثير من الشعراء إلى التوجه نحو الرواية، وأنا منهم. وتحدث ميهوبي عن «شعراء المواقع الالكترونية»، مشيراً إلى وجود من يختبئ خلف المواقع ولا يكشف عن وجه حقيقي في المنابر الحقيقية، فالبعض يلبس رداء الحداثة المزيفة باسم الشعر، وعند النقد يتهمونك بالعجز.

وأشار إلى ان بعضهم يحظى ببريق إعلامي، فشكلوا ما يمكن ان يطلق عليه ميليشيات ثقافية في وسائل التواصل الاجتماعي، وتالياً هذه الميليشيات تسوق للبعض وتدمر البعض الآخر. واعتبر الكثير منهم شعراء افتراضيين وسيذوبون كالملح. وأكد ميهوبي أنه باسم التجديد والحداثة ضرب الشعر في مقتل، كما ان تناقص عدد النقاد زاد الوضع سوءاً، مشيراً إلى أن الشعر الحديث يجب أن يكون محصلة تجربة عميقة في كتابة الشعر من جهة والنثر من جهة أخرى، فلابد من المرور على كل أشكال الكتابة، فالنص الحديث من الممكن أن يصدر عن أسماء معينة لها خبرتها الطويلة كأدونيس وأنسي الحاج ومحمد الماغوط، فهؤلاء بعد 40 أو 50 عاماً من الكتابة لم يعد يعنيهم الايقاع في القصيدة، بل الحكمة التي يمنحونها للقارئ. الموسيقى هي خصوصية القصيدة ذات النمط العربي، لكن ربما هناك الذين تجاوزوا الموسيقى ليقدموا الحكمة وعصارة الفكرة ويتركوا للقارئ مهمة منح النص الموسيقى، ولهذا يجب أن يكون فكرياً عالي السقف كي يصنف شعراً.

من جهته، قال الشاعر الاردني طاهر رياض، ان «وجود الكثير من المحاولات في الشعر ليس بالجديد، لكن ما يحدث في العالم العربي اليوم هو حداثة المنابر التي تتيح النشر، وتالياً هناك استسهال». وأسف رياض على وجود الكثير من الكتب التي يكتب عليها كلمة شعر وكأنهم يفرضون على القارئ الانتباه إلى أنه شعر. ورأى رياض ان قصيدة النثر المنتشرة اليوم كشكل إبداعي جميلة وغير مرفوضة، لكن هناك معايير لابد من الالتزام بها، والقيمة في النقد الشعري الحديث مفقودة، فالنقاد هم محللون ويصلون إلى النتائج التي يرغبون فيها، وهذا أدخل الشعر في فوضى عارمة. أما الحل فاعتبره رياض مبهماً، مشيراً إلى أن الزمن يقوم بغربلة كل ما يقدم، والجيد سيخلد والرديء سينتهي. واعتبر رياض أن الطباعة يجب أن تتم بعد توافر الحد الأدنى من المعايير في المعنى والصورة واللغة عند المتقدم إلى الدار، مشيراً إلى أن الشعر ذائقة، وهذا ما يجعل الحكم فيه مشرع الأبواب. أما رياض في ذائقته فهو يفصل بين الشعر والنثر، ويقول «لا بأس من تسمية قصيدة شعر أو قصيدة نثر، وهذا لا يعني أن القصيدة الشعرية أفضل من النثرية إلا في قيمة النص نفسه، وفي التاريخ العربي لدينا نثر أهم بكثير من الشعر، لكن الكثير من كتاب النثر يغيظهم هذا الكلام فهم يريدون كلمة شاعر كأنها أفضل من ناثر». أما حال الشعر في الاردن فحاله حال الشعر كما في أي بلد عربي آخر، فقد أوضح رياض ان الشعر في تراجع بسبب كثر الهذر في الشعر، فلم يعد الجمهور يفهم ما يسمع، وتالياً الجمهور تراجع. وعزا رياض نزوح الشعراء إلى الرواية إلى كون العصر الذي نعيش فيه هو عصر سردي اكثر من كونه انفعالياً، والقصيدة انفعالية، بينما التعبير في الرواية أوضح، متمنياً ان يملك الإمكانية لكتابة رواية، لأن القصيدة لا تحتمل ما تحتمله الرواية.

ورأى أن التكثيف مهم في القصيدة، لكن ما يحدث اليوم ان الذين يكتبون يتعمدون الإيجاز كي يقدموا للقارئ ما يمكن أن يقرأه بشكل سريع عبر وسائل التواصل، وغالباً ما تكون قائمة على لعبة لغوية تفاجئ في البداية، لكن في النهاية تبدو غاية في البساطة ولا معنى لها.

واستغرب رياض بعض الشعراء الذين يضعون افكاراً غير مكتملة على «فيس بوك» أو عادية، وأحياناً ينشرونها في كتبهم معتمدين على رأي الجمهور «الفيسبوكي».

تويتر