المخرجة البرازيلية الكورية أنجزت فيلماً عن حياتهم شمال باكستان

إيارا لي: ثقافة الكالاش مهددة بالانــدثار

صورة

أنجزت المخرجة البرازيلية من أصل كوري فيلماً جديداً بعنوان «الكالاش والهلال»، بعد فيلم «ثقافات المقاومة»، الذي تناولت فيه أشكال المقاومة المتعددة، وفيلم «الأعشاب المتألمة»، الذي صورته على الحدود بين سورية وتركيا، وتتناول فيه الثورة السورية. وقالت المخرجة التي تطوف العالم بحثاً عن قصص الظلم وقضايا الإنسان، إن فيلمها القصير الجديد يتناول ثقافة قبيلة الكالاش المهددة بالاندثار، مشيرة إلى أهمية المحافظة على ثقافة وتقاليد تعود إلى 3000 عام.

امرأة من الكالاش
http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/08/5560.jpg
سايد غول، امرأة من الكالاش تقوم بمهام كبيرة تتمثل في الحفاظ على ثقافة مجتمعها التي تعود إلى 3000 عام، وتعد من الثقافات الفريدة في العالم التي لاتزال تواصل الحياة. وتعمل غول التي اختارتها إدارة «ناشيونال جيوغرافيك» للحصول على درجة الماجستير في علم الآثار، دعماً لجهودها في المحافظة على تقاليد الكالاش المهددة بالاندثار.

غول عضو في مجتمع السكان الأصليين، تواصل عملها الدؤوب للحفاظ على المعتقدات التقليدية، واللغة، واللباس، والدين، وأشكال الفن، وغيرها من عناصر تراث الكالاش.

وقالت غول انها تركز جهودها ليس فقط على الحفاظ على الماضي، ولكن أيضاً على تحسين الحاضر وضمان المستقبل. وأضافت «أريد إحياء الشعور بالاعتزاز والفخر في مجتمعي، لاسيما بين الشباب»، مؤكدة أن قبيلة كالاش تعاني التهميش والفقر، كونها أقلية غير معترف بها رسمياً.

وتهتم عالمة الآثار غول بتسليط الضوء على أصول الثقافة والفنون القديمة، آملة افتتاح متحف الثقافات في وقت قريب.

وقالت إن «لغتنا تنتمي إلى فرع قديم من اللغات الهندوأوروبية، وهي ذات أهمية كبيرة»، مشيرة إلى أن القصص الشعبية وأغاني الحب والحكايات الملحمية تعكس مستوى عاليا من الحكمة الأصلية والتبصر في التجربة الإنسانية، لكنها بقيت ضمن التقليد الشفاهي، لذلك تعمل غول على الحفاظ على لغة الكالاش من خلال توثيق الأساطير المحلية عبر التدوين.

وأضافت إيارا لي لـ«الإمارات اليوم»، إن «الثقافة  الكالاشية مهددة بالاندثار، وتواجه مخاطر متعددة، إذ إن عدد قبيلة الكالاش في تراجع مستمر». وأشارت إلى أن الضغوط التي مورست على الكالاش لتغيير معتقداتهم، خفت حالياً، قياسا بما كان عليه الوضع قبل قرون عدة، حين انتحر عدد من الأهالي، لانهم لا يريدون التخلي قسرياً عن ثقافتهم الأصلية ومعتقداتهم.

لكنها أوضحت أن تحديات جديدة ظهرت وتتمثل في التحديث والتطور والعولمة، إذ يسعى الجيل الجديد الى اتباع الحياة العصرية، والبحث عن وظائف من أجل التخلص من الشعور بالنقص الذي يطاردهم، مؤكدة «أن الشباب يشعرون بأنهم منبوذون، في حين عليهم أن يشعروا بالفخر والاعتزاز بثقافتهم المتفردة في العالم».

وقالت إن «الفقر يعد أحد التحديات في مجتمع الكالاش، لذلك من الواجب دعمهم مادياً ومعنوياً وتعزيز شعور الفخر بتقاليدهم العريقة. واعتقد أن البداية تكون في نظام تعليمي يعزز الثقافة الكالاشية بين صفوف الاجيال الجديدة، ما يسهم في حمايتها من الاندثار».

خجولون

المخرجة التي تصف نفسها بأنها «برازيلية كورية بقلب فلسطيني»، وشاركت في اسطول الحرية لفك الحصار عن غزة، قالت «تأثرت كثيراً بصمود أفراد قبيلة الكالاش ومحافظتهم على ثقافتهم، إذ إنهم يختلفون عن الأغلبية المسلمة في باكستان، فهم يواصلون حياتهم وتقاليدهم المختلفة التي تعود إلى الوثنية»، موضحة انهم خجلون ولديهم افكارهم الخاصة، ما جعلها تحتاج الى مزيد من الوقت للتعرف اليهم عن قرب والسماح لها بدخول بيوتهم.

لكنها أكدت أنها كانت محظوظة، وبصفتها عضواً في المجلس الاستشاري في «ناشيونال جيوغرافيك»، حضرت اجتماعاً للإدارة في واشنطن، وعلمت انه تم اختيار عالمة الآثار، سايد غول، لتحصل على درجة الماجستير في الآثار، إذ انها امرأة من قبيلة الكالاش تبذل جهودا مضنية للحفاظ على ثقافة مجتمعها المهددة بالاندثار، وتسعى إلى تعزيز وجود ثقافة الكالاش ولغتهم وتقاليدهم في منطقة نائية من باكستان، لزيادة الوعي بواحدة من أقدم الثقافات التي لاتزال على قيد الحياة، إذ تعود الى نحو 3000 عام.

كما اكتشفت إيارا لي ان المصور الباكستاني الذي اختارته لتصوير مهرجان الكالاش، زار وادي الكالاش مرات عدة، وأن غول مثل أخته، لذلك اصبح تصوير الفيلم مثل شأن عائلي.

وعندما وصلت مع طاقم التصوير الى الحدود الشمالية لباكستان في وادي بامبورات، استقبلتها غول وعائلتها بالأحضان. وكانت تعد لطاقم الفيلم طعاماً تقليدياً، وسمحت لهم التصوير في اي مكان يريدونه، وتصوير شقيقاتها اللواتي يعملن في الخياطة والتطريز داخل البيت.

تجربة خاصة


إيارا لي، التي تهتم في أفلامها بقصص الناس البسطاء، قالت «اطلعنا على جزء خاص من مهرجان الكالاش، الذي لم يكن متاحا للزوار الاطلاع عليه، لذلك كانت تجربة متميزة وخاصة بالنسبة لي، لأكون فردا في العائلة، وليس مخرجة فيلم تحصل على قصتها وتصور ثم تمضي. لقد اصبحت مثل أخت لسايد غول، كما أمضينا أوقاتا ممتعة حين زارت واشنطن خلال محاضرات لها عن ثقافة الكالاش المعرضة للاندثار، نتيجة الفقر والعولمة والضغوط المتعددة لتغيير تقاليد القبيلة ومعتقداتها»، مؤكدة أن فيلمها «الكالاش والهلال»، الذي صورته شمال باكستان، «أصبح صوت تلك الثقافة النادرة، من أجل تعزيز عوامل البقاء لها، ودعم مشروع سايد غول لتحصل على درجة الدكتوراه، ما يعزز جهودها في حماية ثقافة الكالاش».

وحول مشروعات للـ«يونيسكو» في تلك المنطقة، أوضحت أن هناك خطة لإدراج الثقافة الكالاشية في قائمة التراث الإنساني في منظمة الـ«يونيسكو».

لكن الأمر لايزال على العتبة الأولى، خصوصا أن الحكومة الباكستانية لاتزال غير معترفة رسمياً بثقافة الكالاش ومعتقداتهم. وكذلك لا تتضمن استمارة الترشيح ثقافة الكالاش أو معتقداتهم، كما لم يتم الاعتراف رسميا بأن الكالاش يمثلون اقلية، والـ«يونيسكو» تتعامل في هذا الشأن مع ملفات الترشيح الحكومية، وليس عن طريق جماعات مستقلة.

وعن وضع المرأة، أكدت أن «المرأة الكالاشية مستقلة ولديها كثير من الحقوق، إذ انها قلب المجتمع ومركزه، ولديها الحرية الكاملة في الزواج والطلاق. وهي تعمل في الحقول، لكنها مؤثرة في العائلة والمجتمع، مع أنها لاتزال تتبع بعض التقاليد الشعائرية، مثل العزل في أوقات العادة الشهرية وأثناء الولادة». وأشارت إيارا لي إلى أن الكالاش يحتفلون بفصول السنة، ففي الربيع لديهم مهرجان يحتفلون بقدوم هذا الفصل في منتصف شهر مايو.

كما يقيمون مهرجان الصيف في شهر أغسطس، وكذلك يحتفلون في موسم العنب في شهر سبتمبر في وادي بيرير. وفي منتصف ديسمبر يحتفلون بمهرجان الشتاء الذي يستقبلون فيه العام الجديد.

ويضم مجتمع الكالاش الآن 4000 فرد، يعيشون في ثلاثة أودية في شمال باكستان، بعدما كانوا ينتشرون في وديان عديدة قبل سنوات، لكن الآن اقتصر وجودهم في وديان ثلاثة هي بامبورات ورامبور وبيرير.

وقالت المخرجة إن «افراد الكالاش يحافظون على ارتداء ملابسهم التقليدية طوال العام، وهو أمر غير مقتصر على المهرجانات مثل كثير من الشعوب. وتتميز ملابسهم بالالوان، وعلى الرغم من ثقلها نتيجة التطريز والحلي والخرز، إلا أن النساء الكالاشيات تحديداً لا يتخلين عن هذا اللباس التقليدي»، مشيرة إلى أن مجتمع الكالاش يحب المرح والرقص والغناء، وهو حر وغير متزمت، ومعروف بأنه مجتمع شفاهي، لكن أخيرا دخلوا مرحلة التدوين بلغتهم.

إيارا لي التي افتتح فيلمها «ثقافات المقاومة» مهرجان رام الله السينمائي، كما عرض في دبي، أقامت عند الكالاش في شمال باكستان شهراً واحداً، لكنها قضت وقتاً طويلاً في البحث قبل ان تأتي إلى منطقتهم، وعمل معها طاقم باكستاني، فهي أينما كانت، تحب العمل مع السكان المحليين، ففي فيلمها «الأعشاب المتألمة»، الذي تناول الثورة السورية، وصورته على الحدود السورية التركية، عمل معها طاقم عربي من سورية، ومن مصر محرر من القاهرة. وقالت «اشعر بأنني ساعدت مواهب محلية في المناطق التي اشتغلت فيها افلامي، كما أن من المهم أن يعبر الأهالي عن أنفسهم بلغاتهم الأم».

تويتر