«محبوب العرب» غادر «غزة» حالماً.. ويعود إليها فناناً وسفيراً

محمد عساف.. أعاد فلسطين لنشــــرات الأخبار

صورة

غادر الفتى الفلسطيني الأسمر قطاع غزة الى مصر للاشتراك في مسابقة للغناء، لم يكن يحلم كثيراً، لكنه كان يحمل صوتاً عبقرياً وإرادة فتى ولد في أوج الانتفاضة الفلسطينية. وصل إلى المسابقة متأخراً بعد ان قضى يومين على بوابة الحدود الفسطينية المصرية (معبر رفح). لم يتح له أخذ بطاقة الاشتراك بسبب تأخيره ونفاد البطاقات، فتطوع فتى فلسطيني آخر ومنحه بطاقته لإيمانه بأن صوته يستحق.

شارك محمد عساف في المقابلات الأولى وحاز إعجاب لجنة التحكيم يوماً بعد آخر، وفي كل سهرة غنائية لبرنامج المسابقات «آراب آيدول» الذي يبث من بيروت، كان يدهش أعضاء لجنة التحكيم (راغب علامة، نانسي عجرم، أحلام، حسن الشافعي)، والجمهور الكبير الذي شدتّ انتباهه الموهبة اللافتة.

كان يغني أصعب الأغنيات، لشتى المدارس الفنية الكلاسيكية والحديثة، ويطوعّ الألحان لتتفق مع صوته، فغنى لمحمد عبده وعبدالحليم حافظ وراغب علامة الذي لشدة إعجابه بالاغنية خاطبه فور انتهائه من أدائها: «صارت لك.. سأوقع لك تنازلاً عنها».

أما على الصعيد الوطني، فقد استطاع اللاجئ ابن مخيم خان يونس الفقير، أن يوحد الفلسطينيين جميعاً، في ظاهرة نادرة الحدوث، فهو الشعب المعروف بكثرة «اجتهاداته» السياسية والوطنية، خصوصاً في ظل الانقسام الحادث منذ سبع سنوات بين حكومتي رام الله وغزة، لكن الفتى الذي يملك حضوراً ساحراً وابتسامة طاغية جمع محبة وحماسة الفلسطينيين في الضفة وغزة وفلسطين التاريخية داخل الخط الأخضر، وأكثر من فلسطين في الشتات في المخيمات والمنافي، من مخيمات لبنان والاردن، إلى المغتربين في دول الخليج وأوروبا والأميركتين، الى مخيمات سورية التي هتفت له وهي تحت القصف اليومي واحتمالات الموت كل يوم.

وببلاغة حضوره، وسحر صوته، وصل إلى قلوب العرب جميعاً، وأعاد فلسطين لنشرات الأخبار، من باب الإنجاز الحضاري وصناعة الفنون، حتى إن المطربة المصرية شيرين عبدالوهاب خاطبته خلال إحيائها سهرة البرنامج بأنه صوت لا يتكرر كل ‬50 سنة!

وهو الأمر الذي عاد الملحن المصري وعضو لجنة التحكيم حسن الشافعي ليقوله في الحلقة قبل الأخيرة للبرنامج مع فارق أنه صوت «لن يتكرر كل ‬500 سنة»!

وها هو الفتى العشريني، خريج كلية الإعلام، الذي كان حتى قبل شهور قليلة يحلم بأي فرصة عمل بسيطة، يفوز بجائزة مالية ضخمة، ويوقع حتى قبل فوزه باللقب عقوداً عدة مع شركات الإنتاج الفني، ويعود للقطاع بجواز سفر دبلوماسي منحه إياه الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي عينه سفيراً للنوايا الحسنة بمرسوم رئاسي أصدره فور فوزه باللقب مع رسالة تهنئة لشعبه، الأمر ذاته الذي فعلته الأمم المتحدة التي عينته سفيراً لها أيضاً في الساعة ذاتها.

ساعة الفوز

ما إن أعلن تتويج الشاب الفلسطيني محمد عساف بلقب برنامج هواة الغناء على شاشة إم بي سي «آراب آيدول» حتى انطلقت هتافات في معظم أرجاء الأراضي الفلسطينية وسط إطلاق المفرقعات والألعاب النارية في الهواء.

فور الإعلان الذي تابعه عشرات آلاف الفلسطينيين عبر شاشات كبيرة في الساحات العامة في الضفة الغربية، وشاشات مماثلة في فنادق ومطاعم قطاع غزة، انطلق الآلاف الى الشوارع الرئيسة في القطاع على وقع أصوات ابواق مئات السيارات.

وفي ما يشبه تظاهرة كبرى تجمع الآلاف في ساحة الجندي المجهول قبالة مقر المجلس التشريعي في غرب مدينة غزة، وهم يرفعون صور «محبوب العرب».

وهتف المحتفلون باسمه وبعضهم رقص على أنغام أغنية «علي الكوفية علي ولولح فيها» التي اشتهر بها عساف قبل مشاركته في برنامج «آراب آيدول».

وقالت شيماء التي كانت مع أسرتها تتابع عساف عبر شاشة كبيرة في مطعم على شاطئ بحر غزة «حبست أنفاسي مثل ألوف الناس وأنا اشاهد اللحظات الاخيرة، أنا فخورة بمعشوق العرب ابن غزة عساف».

أما ديانا شمس ذات الـ‬14 ربيعاً فراحت تلوح لعساف وهي تقف أمام شاشة العرض التلفزيوني الكبيرة وهي تقول «مبروك يا عساف، رفعت رأس غزة وفلسطين».

وقالت الفتاة وهي تتناول كوباً من عصير الليمون «أجمل لحظات حياتنا الآن صوتنا بقوة لعساف، والآن نجني ثمرة تعبنا، عساف يستحق لقب فنان عالمي».

وتفاعل المحتفلون مع شقيقتها الطفلة ديلا التي رقصت فوق الطاولة.

بدوره، أعرب عماد السويركي الذي اصطحب أسرته الى فندق على شاطئ البحر عن فخره بمواطنه، وقال «على العالم ان يعرف أننا دعاة سلام ونحب الحياة مثل كل الناس ولسنا دعاة حرب وقتل».

وقاطعته زوجته أماني وهي تنظر الى عساف وهو لايزال يغني بعد إعلان فوزه، وقالت وهي تشير اليه «انظر، هذا العساف الحر اليوم يقول لكل الدنيا نحن نعشق الفن والغناء، نحن شعب نفرح مثلما نحزن، شكراً لعساف الذي وحد شعبنا خلفه».

وأكد مدير الفندق سمير سكيك، أن «عدد الحضور اليوم هو أكثر من ‬850 شخصاً، اي ضعف طاقتنا الاستيعابية، بالنسبة إلينا هذا غير مسبوق».

وأضاف «انها فعلاً أجواء احتفالية لا مثيل لها، أشكر عساف معشوق الجماهير العربية الذي وحد كل الشعب وفصائله».

بدوره، أكد رئيس هيئة المطاعم والفنادق الفلسطينية في قطاع غزة صلاح أبوحصيرة، ان «كل المطاعم والفنادق والمقاهي في القطاع والضفة امتلأت عن بكرة أبيها لمشاهدة معشوق العرب ابن فلسطين عساف».

وأضاف ان «عشرات الآلاف تقاطروا على المقاهي المنتشرة على شاطئ غزة وفي ساحات رام الله ونابلس وجنين والخليل والناصرة وكل مدن ومخيمات فلسطين، هذا الحدث العظيم بدافع وطني وبدافع ان عساف فنان بمعنى الكلمة والناس هنا يحبون الحياة والترفيه».

واشار ابوحصيرة الى ان هذا الاندفاع لمشاهدة عساف والتصويت له «يؤكد انتماء أبناء شعبنا الى الثقافة والفن والانتماء لحضارة عريقة»، مبيناً ان مشاركة عساف في برنامج «آراب آيدول» أسهمت في تنشيط الحركة السياحية في غزة كما في الضفة رغم أننا في فترة الامتحانات النهائية لطلبة الثانوية العامة.

«علي الكوفية»

في قطاع غزة كلما اقتربت من حي «الحاووز» في مخيم خان يونس للاجئين، حيث يقطن عساف، زادت الفرحة وبدا التأثر اكبر.

وفي هذا الحي قال عدنان بربخ، (‬45 عاما)، وهو جار لعائلة عساف، انه لم يستطع أن يتمالك نفسه عندما أعلنت النتيجة النهائية فبكى فرحاً.

وأضاف انه أعد شاشة كبيرة في زقاق منزله حيث شاهد مع أبنائه الـ‬10 وعشرات من اقاربه وجيرانه عساف يغني، موضحاً ان «الجمهور» كان يستمع لأغنية «علي الكوفية علي» في أوقات الاستراحات المتكررة.

وفي حي تل الهوى جنوب غرب غزة أطلقت ابتسام أبوسيف الزغاريد فرحاً بفوز عساف. وقالت «اضطررت أنا وزوجي وأولادي لمشاهدة عساف في المنزل، لم نتمكن من الذهاب لأي فندق أو مطعم لأن جميعها محجوزة».

ورفعت صور ضخمة لعساف على جدران مبان مرتفعة في مدن الضفة الغربية وغزة مع دعوات للتصويت له.

وكما الفرحة كانت عارمة في غزة كذلك كانت في رام الله، ففي ساحة الأمم في وسط المدينة تجمع آلاف المواطنين للاحتفال بفوز عساف.

وقالت نعمة إبراهيم التي اصطحبت أبناءها الأربعة الى الساحة «أنا أقيم مع زوجي وأبنائي في أميركا وجئت لزيارة عائلتي في رام الله قبل أيام عدة. هذه المرة الاولى التي أشعر فيها بالفرحة».

وأضافت «كنت في السابق لا أرى إلا التظاهرات والاعتداءات الإسرائيلية، أما اليوم فأشعر بأنني مرتاحة وسعيدة».

أما إبراهيم المدني فقال «معظم الشوارع كانت أشبه بمنع التجوال أثناء بث البرنامج، وفجأة تحولت الى ما يشبه تظاهرة عفوية في كل أرجاء الوطن، انها لوحة الوحدة يرسمها الفنان محمد عساف».

وحتى ساعات الفجر الأولى كانت الشوارع الرئيسة في غزة لاتزال مزدحمة بالسيارات في حين راح عناصر من شرطة «حماس» ينظمون حركة السير وقد بدا الفرح على وجوه الكثيرين منهم.

وقال شرطي من هؤلاء العناصر، طالباً عدم ذكر اسمه «أنا مبسوط جداً لفوز عساف، وأشارك كل الناس الفرح، كلنا أبناء بلد واحد»، مؤكداً أن «التصويت لعساف كان تحدياً كبيراً يشبه معركة انتصر فيها شعبنا، المقاومة لها أشكال عدة».

وتنافس عساف في الحلقة النهائية مع المصري أحمد جمال والسورية فرح يوسف.

واجتذب عساف البالغ من العمر ‬22 عاماً والمنحدر من اصول متواضعة من مخيم للاجئين، ملايين من مشاهدي التلفزيون بأناشيده الوطنية وأغانيه الشعبية الفلسطينية.

وبعد مشاهدة فوز عساف من خلال شاشات عملاقة في قطاع غزة والضفة الغربية المحتلة أطلق عشرات الآلاف من الفلسطينيين الالعاب النارية ورقصوا في الشوارع، وانطلقت أصوات اغانيه من سيارات توقفت بسبب ازدحام حركة المرور بشكل كبير.

صناع فن عظيم

وقال موظف حكومي اسمه عوض نجيب، بعد مشاهدة جماعية خارج قصر الرئاسة في رام الله بالضفة الغربية، إن هذا يثبت ان الفلسطينيين لا يقاتلون ويناضلون فقط وإنما يمرحون ويصنعون فنا عظيما.

ونبذ بعض رجال الدين المسلمين في خطب يوم الجمعة المسابقة، وقالوا إن اسم المسابقة يشجع على الوثنية، وأنه سيكون من الأفضل توجيه طاقات الناس نحو مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.

كما قال نشطاء فلسطينيون ان المشاهدة الجذابة لا علاقة لها بالمحنة الفلسطينية، لكن معظم الفلسطينيين لا يتبنون أياً من الفكرتين وكانت الاحتفالات، أمس، أشبه بنهاية شهر رمضان ممزوجاً بنهائي كأس العالم.

وفاق نطاق الاحتفالات معظم المسيرات السياسية او الاحتجاجية في السنوات الاخيرة، وتجاوزت تلك المسيرات التي أقيمت بعد حصول الفلسطينيين على وضع دولة غير عضو في تصويت اللجنة العامة للامم المتحدة في نوفمبر الماضي.

وقال الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بيان له فور فوز عساف «إن هذا الفوز مفخرة وانتصار لشعبنا على طريق تحقيق حلمه بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف». كما عينه بمرسوم رئاسي رسمي سفيراً للنوايا الحسنة «بكامل المزايا الدبلوماسية».

وقال عماد احمد، وهو مدرس من غزة شاهد البرنامج مع أسرته في مطعم على شاطئ البحر «في خضم الفشل السياسي استطاع عساف تحقيق شيء ما جعل الفلسطينيين في كل مكان يشعرون بأن الامل مازال ممكناً».

واختارت الأمم المتحدة عساف بعد فوزه كأول سفير للشباب للاجئين الفلسطينيين في الاراضي والدول المجاورة. ومن المتوقع ان يقيم حفلاً في الضفة الغربية قريباً.

تويتر