«أبوظبي للسياحة والثقافة» دشنت الطبعة الثــالثة من كتاب عبدالله عبدالرحمن

«فنجان قهوة».. حكــايا نادرة من تاريخ الإمارات

عبدالله عبدالرحمن (يسار) وجمعة القبيسي وبروين حبيب خلال حفل إطلاق طبعة جـــديدة من الكتاب. من المصدر

قال الكاتب والباحث الإماراتي عبدالله عبدالرحمن إن الحاجة إلى الكتابات والتدوينات التي تغوص في تراث الإمارات باتت ملحة وضرورية أكثر من قبل، في إطار الجهود التي تبذلها الدولة لتعزيز الهوية الوطنية، وفي ظل انشغال الكثيرين بالأمور العصرية والمعلوماتية عبر الوسائط المتعددة والشبكات الاجتماعية، لافتاً إلى انه على الرغم من ذلك هناك الكثير من الجهود الفردية والتطوعية في مجال جمع وتوثيق التراث، إلى جانب الجهود المؤسساتية. معتبراً ان الجهود الفردية تتفوق على عمل المؤسسات في هذا المجال، هو ما يدل على عشق حقيقي لدى الأفراد للوطن وتاريخه وتراثه، ووعي عميق بأهمية هذا التراث.

وكانت هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة قد دشنت صباح أمس، الطبعة الجديدة من كتاب «فنجان قهوة: الإمارات في ذاكرة أبنائها»، للباحث الإماراتي عبدالله عبدالرحمن، في احتفالية كبيرة بمنارة السعديات في العاصمة الإماراتية، بحضور جمع غفير من الصحافة والثقافة في دولة الإمارات.

ويُعدّ الكتاب مرجعاً مهماً بأجزائه الثلاثة، حيث يرصد فيه الكاتب تفاصيل الحياة في الإمارات في فترة مبكرة من عمر الدولة، ويستدعي فيه شكل الحياة قبل نحو ‬100 عام من اكتشاف النفط، عبر حوارات معمّقة مع رجال ونساء كبار في السن عاشوا في مختلف نواحي البلاد. ولأول مرة تترافق الطبعة الجديدة لمجموعة من المختارات النموذجية من التسجيلات الصوتية لنخبة من التسجيلات الصوتية مع الرواة الذين قابلهم المؤلف لجمع مادة الكتاب، منشورة تحت السلسلة المعروفة بـ«الكتاب المسموع»، وهي لقاءات ممنتجة وفق أحدث التقنيات الفنية والإخراجية مع مؤثرات صوتية طبيعية ومن الفنون الشعبية والأغاني والنهمات التراثية. وتتوافر التسجيلات الصوتية على أقراص مدمجة، وتحتوي على ‬26 ساعة صوتية لـ‬18 راوياً تمّ تسجيلها في مطلع الثمانينات من القرن الماضي، وقد توفي أغلب هؤلاء الرواة.

مبادرة

«مبادرة»

خلال اللقاء تحدث ابن الكاتب عبدالله عبدالرحمن عن اطلاق مبادرة باسم والده لجمع وتوثيق التراث بطرق عصرية وسهلة، تقوم على أن يتولى المشارك في المبادرة تسجيل شهادات كبار السن في المكان الذي يقيم فيه باستخدام الهواتف الذكية، ونشر هذه اللقاءات على موقع إلكتروني سيتم تدشينه يحمل اسم «مبادرة عبدالله عبدالرحمن» يكون بمثابة أداة لتجميع هذه الجهود ومصدراً للباحثين والمهتمين للوصول لهذه المواد الخام والاستفادة منها.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/06/02-222233212.jpg

عبر عبدالرحمن عن شكره لدار الكتب الوطنية وهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة على مبادرتها النوعية بإعادة طبع سلسلة كتب «فنجان قهوة»، التي تتكون من ثلاثة أجزاء، بعد أن نفذت الطبعات السابقة من الأسواق، بما يتيح الفرصة للباحثين والمهتمين للاطلاع عليها والاستفادة بما فيها من معلومات وشهادات موثقة، بطريقة سهلة بعد ان كانت اجزاء السلسلة موزعة، حيث صدر كل منها عن جهة مختلفة في طبعته الأولى، وما يقدم ايضا للأجيال الجديدة مادة تجمع بين الغنى والسلاسة عن تراثهم وتاريخهم. موضحا خلال الجلسة الحوارية التي جمعته والمدير التنفيذي لقطاع المكتبة الوطنية في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، جمعة القبيسي، وأدارتها الإعلامية بروين حبيب، ان السلسلة تمثل تجربة مهمة تحمل القارئ إلى فترات سابقة من التاريخ الإماراتي، لذا تحتاج إلى قراءة شمولية تجمع فيها الأجزاء كلها معاً.

مشروع العمر

قال الكاتب الإماراتي إن «فنجان قهوة» بات بمثابة مشروع عمر بالنسبة إليه، في حين يعبر العنوان كرم الضيافة التي اشتهر بها العرب، والتي طالما ارتبطت بالقهوة. لافتاً إلى ان ما يميز الكتاب انه يبرز شخصية الوطن والمكان والانسان من خلال الغوص في التراث بمختلف جوانبه الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وغيرها، ويركز على صفات انسان الإمارات ممثلاً في الآباء والأجداد، وفي مقدمتها الارتباط بالدين واليقين بالله وتوكله عليه في كل أموره، وهو ما ساعد اهل الإمارات على تحمل شظف العيش في السنوات السابقة لاكتشاف النفط، إلى جانب تميز الانسان الإماراتي منذ القدم بالعديد من الصفات الحضارية مثل الكرم والتكافل الاجتماعي والترابط والالتزام بالمسؤولية المجتمعية تجاه الوطن وأهله، والاهتمام بالعمل الخيري والاجتماعي ورعاية الفقراء.

وأفاد عبدالرحمن بأن اتجاهه لجمع زاويته الاسبوعية «فنجان قهوة»، التي كان ينشرها في جريدة الاتحاد منذ عام ‬1975، واصدارها في كتاب، جاء بعد مرور خمس سنوات، حيث تكونت لديه مادة وفيرة، حيث صدر الجزء الأول من الكتاب عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وجمع فيه المواد التي تميل إلى الثقافة والتعليم، ونفذ الكتاب بعد صدوره بشهرين، حيث بيعت كل نسخه البالغ عددها ‬2000 نسخة. «وهو ما يدل على ان الكتاب كان بمثابة قطعة من الذات الإماراتية، وتعطش المواطن الإماراتي لمثل هذه الكتابات التي تعرف ابنائه بتراثهم ومجتمعهم في فترات سابقة».

«موسوعة وطن»

وأوضح انه لم يكتفِ بالكتابة عن تراث الإمارات من خلال مقابلات مكتوبة مع كبار السن والشخصيات التي عاصرت مراحل مختلفة من التاريخ، لكنه قدم هذه الشخصيات في لقاءات تلفزيونية كانت تذاع على قناة أبوظبي في برنامج اسبوعي مدته ساعة، إلى جانب توثيق هذه الشهادات اذاعياً، كما سجل للتلفزيون سلسلة تتضمن توثيق المواقع الأثرية في كل انحاء الإمارات، والاكتشافات المرتبطة بها حتى تاريخ تسجيل الحلقات. معرباً عن امله في ان يحصل على تسجيلات للشهادات والمقابلات التي اجراها من تلفزيون أبوظبي، وألا تكون قد تعرضت للتلف. كما ذكر انه قام بتسجيل «موسوعة الوطن» وهي حلقات تلفزيونية معنية بالمكان، وتتضمن لوحات متكاملة عن الاماكن والمهن التي ارتبطت بها مثل مهنة الغوص التي ارتبطت بعدد من الجزر التابعة للمنطقة الغربية، حيث قضى أياماً هناك لتوثيق كل ما يتعلق بالمهنة من تفاصيل بالتعاون مع رئيس جمعية الإمارات للغوص. لافتاً إلى انه سيعاد نشر هذه الموسوعة. وقال عبدالله عبدالرحمن ان كتاباته هي مساهمات تكمل أخرى غيرها يقوم بها العديد من الباحثين وعشاق التراث والمهتمين به بجهود فردية، في حين بدأت المؤسسات تتخذ مبادرات وخطوات مهمة في هذا الاتجاه. وأوضح ان «فنجان قهوة» لم يعتمد فقط على اللقاءات والمقابلات، ولكنه كان يتضمن أيضا تحقيقات صحافية وأبحاثاً عن موضوعات معينة مثل غزو الجراد، أو علاقة الانسان بالنجوم والقمر، والأمطار وغيرها من الموضوعات التي تكشف جوانب مهمة من تاريخ الدولة. لافتاً إلى أن اختيار الشخصيات التي يجري معها مقابلاته كان امراً شاقاً، وكان يحتاج أن يتواصل مع اشخاص وجهات عدة حتى يصل إلى الشخصيات التي تمتلك المعلومات والذاكرة القوية التي تمكنها من سرد الوقائع له، كما كان يركز على الاشخاص الكبار سناً في المنطقة. أما توثيق المعلومات التي يحصل عليها فكان يتم من خلال مقابلة اشخاص عدة وسؤالهم عن الموضوع نفسه، حتى يلم بجوانبه كافة، إلى جانب الرجوع إلى بعض الشخصيات التي كانت بمثابة مراجع له لغزارة معلوماتها وقوة ذاكرتها واطلاعها على الأمور، في حين واجهته صعوبات مختلفة من بينها صعوبة الحصول على المعلومات دفعة واحدة، وأحياناً صعوبة مقابلة الشخصيات التي يرغب في اجراء المقابلة معها، وغير ذلك.

كتاب مرجعي

اعتبر المدير التنفيذي لقطاع المكتبة الوطنية بهيئة أبوظبي للسياحة والثقافة جمعة القبيسي، ان إعادة إتاحة هذا الكتاب المهم للقراء مرة أخرى بعد نفاد طبعاته السابقة، ومع طرح نسخة مسموعة منه يُعدُّ خطوةً نوعيةً باتجاهِ تحقيق المسؤولية الوطنية التي تتحملها دار الكتب الوطنية تجاه المجتمع، فالعمل على حفظ ذاكرة المكان ونقلها إلى الأجيال الجديدة، والبحث فيها، يعد من أولى أولويات الدار، أثناء عملها على أسس جديدة للعمل في عالم صناعة الكتاب وتشكيل الوعي المعرفي.

وقال: «لا يخفى على أحدٍ أن كتاب مثل «فنجان قهوة: الإمارات في ذاكرة أبنائها» يُعتبر كتاباً مرجعياً، ليس فقط لأنه يقدم صورة شاملة ودقيقة عن حياة إنسان الإمارات في فترة لا تتوافر عنها أدبيات كافية، بل أيضاً لأنّه يتعمّق في التفاصيلِ اليوميةِ للإنسان العادي، ويوصّف لتاريخنا الحديث قبل أن تندثر ذاكرة الأجداد، وهو مجهود عظيم قامَ به الباحث عبدالله عبدالرحمن وحده شغفاً منه بهذا التاريخ». معتبراً الكتاب يعد «دليلاً آخر على ثراءِ التراث الثقافي في الإمارات، حتى في الأزمنة التي تعاظم فيها الفقر والمرض والاستعمار، حيث انطلق الجيل المؤسس للبلاد من فهم عميق للحياة، وتمكَّنوا من بناءِ دولة الاتحاد على أسس من الرقي والحداثة، فلا يُمكن القبول بأنّ ما نحن فيه اليوم آت من فراغ أو فقط فورة وانتهت. لقد عايش آباؤنا وأجدادنا واقعاً صعباً، لكنّهم تمكّنوا من خلق واقع جديد لنا بما تيسر لهم من خبرة واسعة جاءت من مُعاركة للحياة، ومهمتنا اليوم أن نسجل كل هذه الوقائع والحقائق والمعايشات، والحروب الصغيرة من أجل البقاء وننقلها إلى الأجيال القادمة التي لم تعرف عن شظف العيش شيئا».

وأكد القبيسي في كلمته «التزام هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة تجاه الكاتب والمؤلف والباحث الإماراتي، ضمن خطة عمل ممنهجة ومدروسة، نقدم من خلالها الدعم والتشجيع والتوجيه للمبدع الإماراتي قبل غيره، لنمضي معاً في رصد تراثنا الشفاهي وتسجيله وحفظه والبحث فيه، فلا يمكنا تحقيق منجزاً ثقافياً حقيقياً بمعزل عن مبدعينا الأقدر على تتبع التغيُّرات التي تحدث حولنا، وهي قراءة تفضي إلى المستقبل حتماً».

يذكر ان كتاب «فنجان قهوة: الإمارات في ذاكرة أبنائها» بدأ كسلسلة مقالات صحافية ميدانية نشرها الكاتب في جريدة الاتحاد في منتصف ثمانينات القرن الماضي تحت عنوان «فنجان قهوة»، ثم طبعت المقالات مجتمعة في كتاب تحت الاسم نفسه عام ‬1989 عن اتحاد كتاب وأدباء الإمارات، وطبعت الطبعة الثانية ندوة الثقافة والعلوم في دبي عام ‬1995، بينما تتولى هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة إصدار الطبعة الثالثة المحدثة مع التسجيلات الصوتية وفق اتفاقية وقعت مع الكاتب عام 2009.

تويتر