فنانون رأوا أن الشهرة واسم الفنان من شروط المشتري الصارمة

ثقافة الاقتناء.. اللوحات في ضيافة الـذائقة أم رأس المال

صورة

بدأت ثقافة اقتناء الفنون، من الأعمال التشكيلية والنحتية وحتى الفوتوغرافية، تتبلور وتتصاعد في العالم العربي بشكل عام، ودبي بشكل خاص مع وجود دور عالمية للمزادات تتوجه للمقتنين في المنطقة وخارجها وتطرح أعمالاً من الشرق الأوسط والعالم. لكن الاقتناء في الإمارات لا يعد حديث العهد، إذ توجد أسماء كبيرة من المقتنين الذين يملكون مجموعات فنية مهمة، ومنهم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، وعائلات الغرير والقرقاش، وعبدالغفار الحسين، ومحمد المر والوزير عبدالرحمن العويس. أما اللافت اليوم في ثقافة الاقتناء، هي انها بدأت تنتشر بين الشباب الذين بدأوا يبنون مجموعاتهم الصغيرة بهدف الاستمتاع بالأعمال الفنية أو بهدف الاستثمار.

انفتاح

الفنانة الإماراتية نجاة مكي أكدت أن الانفتاح على الثقافات الأخرى هو الذي عزز ثقافة الاقتناء عند الناس، إذ إن هناك فئة كبيرة من المقتنين في الإمارات كانوا يقتنون الأعمال الفنية منذ فترة طويلة ولم يكن أحد يعرف هذه المجموعات. ولفتت مكي إلى وجود وعي حول أهمية الاقتناء ولهذا تكونت عند البعض مجموعات فريدة، ومنهم محمد المر، والوزير عبدالرحمن العويس، وعبدالغفار الحسين، والعنود الورشو، وكذلك مريم قرقاش، وكذلك على مستوى عائلات الشيوخ هناك مجموعات كبيرة لدى بعض الشيوخ، ومنهم سمو الشيخة جواهر، وسمو الشيخة شمسة بنت حمدان. ونوهت بأن الاقتناء يجب أن يكون حصيلة خلفية ثقافية وعلمية، فالفن إرث ثقافي تتوارثه الأجيال، ويتحول مع الوقت إلى كنز. وشددت مكي على أن هذا الاهتمام بالفنون آخذ بالارتفاع بشدة في الأعوام القليلة السابقة بسبب انتشار كليات الفنون والمعارض وكذلك وجود المتاحف، ومنها «غوغنهايم» و«اللوفر» في أبوظبي، بالإضافة الى متحف الشارقة، الى جانب الفعاليات الضخمة ومنها بينالي الشارقة الذي يعد نقلة نوعية في الحركة التشكيلية. وحول توجهات المقتنين، أوضحت الفنانة الإماراتية أن البعض يتوجه للاستثمار والبعض الآخر للاستمتاع بها كأعمال فنية، نافية وجود تفاوت بين أنواع الفنون المقتناة، معتبرة أن الابداع الفني هو الأساس والفكرة هي التي تجذب وليس نوع العمل، سواء كان لوحة أو منحوتة، لأن الابهار هو نقطة الارتكاز للشراء. وشددت على أن اسم الفنان هو الذي يشجع على الاقتناء، فهناك رواد في العالم العربي وأصحاب مكانة مهمة في الفن التشكيلي، مشددة على ضرورة اقتران الاقتناء بثقافة حول الفن والفنانين، وكذلك مكانة العمل العالمية.

استشارة

مزادات ومتاحف

تقام في الإمارات وفي دبي تحديداً مزادات لدور عالمية وبشكل دوري، ومنها مزاد دار كريستيز التي تقيم دورتين الأولى في ابريل والثانية في اكتوبر. وتقدم كريستيز في مزادها الأعمال الفنية من الشرق الأوسط وتركيا وإيران للرواد والشباب في ليلتين، الأولى تضم الاعمال النادرة التي تتوجه للمقتنين المهمين، بعضهم قد يكون مؤسسات او متاحف، نظراً لارتفاع قيمة الأعمال، بينما تقدم في الليلة الثانية أعمال الرواد والشباب في آن، متوجهة الى شريحة أوسع من المقتنين. كما تنظم بعض صالات العرض في دبي ببعض المزادات ومنها الخيرية، أو حتى بعضها يقوم بعرض الأعمال بأسعار معقولة، ومنها مزاد غاليري أيام للمقتنين الشباب، ومزاد آرا غاليري الخيري الذي يقام دورياً. أما المتاحف فتسهم في رفع ثقافة الفنون ونشر الوعي حولها، ومنها الموجودة أساساً الى جانب الخطوات التي اتخذتها أبوظبي لجلب متاحف عالمية الى العاصمة ومنها متحف اللوفر ومتحف غوغنهايم.

الفنان الإماراتي محمد كاظم، لفت الى وجود طرق متنوعة للاقتناء، إذ إن هناك من يملك الثروة المادية، وليست لديه الذائقة، بينما هناك من يقتني بسبب ذائقة ولكن دون اكتمال معايير الاقتناء حيث تبقى ناقصة، مبيناً ضرورة الاستشارة الفنية قبل الاقتناء، التي تقدم من قبل مجموعة من القيميين على الأعمال الفنية في المتاحف والمؤسسات. واعتبر كاظم أن أبرز معايير الاقتناء يجب أن تنطلق من فكرة العمل، وتجربة الفنان، وخطابه الفني، والمواد المستخدمة، ولكن للأسف هناك كثيرون ممن لا يدركون كل هذه النقاط ولا يعرفون كيفية تقديرها. ولفت الى أنه كفنان يفضل ان تذهب أعماله الضخمة والكبيرة الى مؤسسات فنية أو متاحف، مشيراً الى وجوب وضع خطة من قبل الدولة حول المقتنيات من قبل المؤسسات. واعتبر كاظم أن بعض الدول تعتمد الدقة في اختيار الأعمال الميدانية، بينما هناك في البلدان العربية، لا يتم الأمر بالمعايير نفسها مع الاشارة الى وجود فئة من المختصين في البنوك أو مؤسسات يقدمون الاستشارة قبل الاقتناء. وعمل كاظم منذ بدايته الفنية على الاعمال التجريبية، وحول اقتناء هذه الأعمال قال، «لم تكن الأعمال التجريبية تُقتنى كثيراً في الفترات السابقة، لكن هذا لم يمنعنا من الاستمرار في العمل، فقد عملت ومجموعة من الفنانين في الفن التجريبي، وعملنا في وظائفنا من جهة أخرى، حيث اعتمدنا على رواتبنا كي نستكمل المسيرة الفنية ونعطي أنفسنا حرية الانتاج الفني». ولفت الى ان هذا النمط من الفنون ترسخ اليوم وبدأ يقتنى من قبل الكثيرين. وشدد كاظم على وجود مجموعة جديدة من المقتنين الشباب في الإمارات، حيث بدأ الجيل الجديد يقتني وذلك بفعل دور المتاحف التي تعمل الدولة على تشييدها، مع الاشارة الى وجوب وضع الدولة للخطط المدروسة لاقتناء الاعمال، فالمتاحف وحدها لا تكفي، اذ يجب ان تصاحبها مجموعة من الأنشطة كي تكون مشروعاً متكاملاً.

إرث

الفنان السوري ثائر هلال، أشار الى أن الاقتناء في العالم العربي لم يكن منتشراً لأسباب عدة، ولكن في السنوات الـ‬10 الاخيرة، بات هناك مراكز لنشاطات الفن في الشرق الأوسط، منوهاً بأن هذه النشاطات أسهمت في لفت الأنظار الى الإرث الفني العربي الذي كان أغلبه يذهب الى الخارج. وأوضح أن هذا الأمر في غاية الخطورة على الرغم من القيمة المعنوية التي تمنح للفنان والعمل عندما يقتنى في الخارج، لأنه في الختام هو ارث وطني. وعبر هلال عن واجب الحكومات والمؤسسات الوطنية بالقيام بجمع الأعمال، مشيراً الى أنه في سورية على سبيل المثال هناك كارثة حقيقية في مخازن وزارة الثقافة، حيث إن هناك إرثاً كبيراً لا يعرفون قيمته، متروكاً في المخازن وقد أفسده الدهر، فلا يُحافظ عليه، بينما في المقابل نجد أنه في قرى صغيرة في أوروبا لديها متاحفها، وتحافظ على ثرواتها الوطنية. ونوه بوجود بصيص أمل في مكان ما، إذ إن دبي اليوم تحتل مكانة عالمية، والشارقة كان لديها نشاط مهم، وقد تمكنا من احداث حراك مهم في السوق الفنية، وهذا ايجابي للجيل الجديد. واعتبر هلال ان الدول في العالم العربي لا تقوم بمبادرات مهمة، فنرى بعض الخطوات الخجولة، إذ إنه لا توجد قوانين لدفع العجلة في هذا المجال للأمام، مشيراً الى أن جزءاً كبيراً من المسؤولية يتحملها المسؤولون الذين لا يصدرون قرارات بهذا الشأن، فتبقى بعض المبادرات التي تقوم بها بعض الدول حزبية الاطار، ما أدى الى مزج الثقافة بالسياسة والأمن. أما بيع الأعمال في المزادات، فهي من الأمور التي يحاول هلال الفصل بينها وبين طبيعة انتاجه، مشيراً الى أن التجربة أثبتت له أن العمل الجيد يحتاج الى وقت كي يحصل على قيمته، ولكن أسعار اللوحات التي ترتفع مزادا تلو الآخر تمده بالمعنويات العالية، دون ان يغيب عنا أن المزاد رهان صعب وفيه تحدٍ كبير، وأحيانا يكون الفنان جيداً، ولكن لا أحد يحب أعماله، فالناس تسهم في رفع سعر الفنان أو خفضه. وأشار الى وجود بعض الحيل التي تنسج في المزادات لصناعة النجوم ولكنها تكون كالفقاعة تنتفخ كثيراً ثم تزول بعد فترة. ورأى هلال ان السؤال الحقيقي الذي يطرح هنا، هل هذا الفنان هو فنان حقيقي أم لا؟ لأن المزادات مرحلة مهمة في تاريخ الفنان، فالأخير يطمح الى ان تذهب اعماله للاقتناء بالمتحف أولاً ثم في المؤسسات الثقافية أو في الأماكن العامة.

مغامرة

من جهته، رأى الفنان السوري عمار البيك، أن ثقافة الاقتناء بدأت تقوى في العالم العربي، وهذا أفضل من انحصار ثقافة الشراء في السيارة والبيت، علماً انها ليست حديثة، فهناك دار عريقة للمزادات في بيروت، ولكن الأشياء تكبر باستمرار، والرأسمال يكبر، والانفتاح على العالم يزداد. ورأى البيك أن الاقتناء يتجه للاستثمار أو الاستمتاع، ولكن في الحالتين لا يمكن ان يشتري المقتني أي عمل دون أن تكون هناك بعض الأحاسيس تجاهه، وبالتالي الأمر ليس عبثياً، لأن الاقتناء مغامرة بكل حالاته. واعتبر أن الفنان الذي يمارس الفن كي يعيش من الطبيعي أن تشكل المزادات دفعاً جديداً له، مؤكداً أنه في مغامرته مع المزادات شكل احد أعماله الذي بيع في مزاد بالمغرب، بمبلغ ‬27 الف يورو وهو صورة من ثلاث نسخ، دفعا كبيرا كي يستمر. وشدد على أن التصوير لا يجب ان يعد مغامرة أكثر من اللوحة التشكيلية، مشيراً الى أن كل ما يوضع في مكان مخصص لعرض الفن، هو عمل فني. واعتبر البيك انه من خلال عمله على الكولاج والتصوير أو الفيديو، القصة تبقى واحدة بالنسبة له، مؤكداً أن المعارض المتواصلة تسهم في ترسيخ الفكرة بأن التصوير هو عمل فني لا يقل عن اللوحة. وقد أشار الى أن هناك ثقافة للصورة، فالأخيرة على الرغم من حداثتها الا ان معايير الحكم عليها اليوم قد تغيرت، فالكاميرا موجودة مع كل الناس وباتت وسيلة خطيرة، ولكن عندما تصل صورة الفنان الى كونها صورة استثنائية وتحكي عن حالة، فهنا لابد من التوقف عند العمل وعدم التقليل من شأنه. اما تأثر الفنان بمحيطه، فهو من الطبيعي كما أكد البيك، مشيراً الى وجوب حكم الفنان على نفسه أكثر من خلال الثقافة والسفر والقراءة. ورأى ان الاقتناء، لا سيما من قبل المتاحف يعد مكافأة على جهد طويل بذله الفنان في مرحلة مهمة من حياته، مبيناً أن المتحف يتخطى حدود الوطن، فلا يعود هم الفنان أين المتحف، بل ينظر الى تاريخه، إذ إن اقتناء الأعمال الفنية من قبل متاحف عريقة في العالم الغربي، أهم من اقتنائها من قبل متاحف في بعض دول العالم العربي التي تُسرق وتُنهب، ونوه البيك بتجربة المتحف الاسلامي في الدوحة، الذي عده تجربة عربية مميزة في عرضه تاريخ الفن، وكذلك من كونه مشغولاً وفق الأصول العالمية.

صالات

الفنان اللبناني محمد بدر، قال إن «الفن بات يحتل حيزاً مهماً في الثقافة العربية، والناس بدأت تشتري الفن لأنها تحب ان تقتني عملاً وتجعله جزءاً من حياتها، كما ان البعض يتجه لاستثمار الأعمال». ولفت بدر الى أن الفنان اليوم بات قادراً على العيش من فنه، ففي القدم لم يكن الفنان يستطيع ان يعيش من فنه، حيث لم تكن تتوافر له القنوات التي تمكنه من توصيل أعماله للناس كما اليوم، فالصالات التي تدعم الفنانين الشباب مهمة للبدء في المسيرة الفنية. واعتبر ان التثقيف الفني في العالم العربي يجب أن يبدأ من المدرسة، موضحاً أنه في أوروبا يتم تدريس تاريخ الفن في المدارس، ولكن في العالم العربي يتم الاعتماد على بعض صالات العرض الخاصة التي تقوم بدور كبير من أجل التشجيع على الاقتناء. ولفت الى وجود هجمة من المتاحف العالمية للعالم العربي، وهذا يؤكد أن العالم العربي بات محركاً للعالم، وبالتالي يشجع على بناء المتاحف الخاصة، فقطر بدأت بناء متحفها وكذلك في دبي، قد نكون في البداية ولكن هذا مؤشر إلى النضج الفني. أما وجود اللوحات في المزاد، فأكد بدر أنه يوتر الفنان، الذي يفكر في إمكانية أن يباع العمل أم لا، ولكنه يولد لدى الفنان تحديا ليوجد اسما له في الساحة الفنية. وأشار بدر الى أن الهوية الثابتة هي الأساس للفنان الذي يريد أن يثبت مكانة مهمة له في الفن وإلا سوف يختفي. ونوه بأن الفنان يجب أن يتطور ولكن مع حفاظه على بصمته الخاصة، حيث يمكن أن يعرف الناس أعماله مباشرة، وهذا يعزز فكرة اقتناء الناس لأعماله.

قضية

الفنانة الأردنية نعمت الناصر اعتبرت أن ثقافة الاقتناء مازالت غير منتشرة كما يجب في العالم العربي، لاسيما بين طبقة الأثرياء، موضحة أنها تعتمد وبشكل اساسي على مستواهم الثقافي، فبعضهم من يحاول إبراز نفسه مثقفاً من خلال الاستعراض في الاقتناء، ولكنهم يبرزون فوراً من خلال السؤال الأول الذي يطرحونه وهو، هل هذا الفنان مشهور؟ فحكمهم على العمل ينطلق من الشهرة أو مطابقته لأثاث المنزل، وليس قوة العمل وفكرته. ونوهت بوجود فئة كبيرة من المقتنين الذين يفضلون اقتناء الأعمال التي لا توجد منها نسخ، فهم يريدون العمل المنفرد «فالبعض مثلا يطلب مني لوحات من فن الغرافيك، الذي هو عمل يدوي يعتمد على الحفر والطباعة، عمل من نسخة واحدة، لذا كثيرون قد لا يتوجهون للتصوير بسبب هذا الامر». ولفتت الناصر الى وجود نقلة في مراكز الفن في العالم العربي، إذ ان الحركة الفنية في السوق وفي الاقتناء تتأثر بالظروف المحيطة، مشيرة الى وجود انتقال كبير من فنانين العالم العربي بفعل الاحداث الأخيرة في عواصمهم الى الأردن ودول الخليج، معتبرة أن هذا سيزيد من الاقتناء في هذه الدول، لأن المقتنين سيحولون شراءهم الى أماكن تواجد هذا الفن الذي تحرك من بعض العواصم المهمة في الفن ومنها بيروت وبغداد ودمشق. وشددت على أن الكثير من المقتنين يتعاملون مع شراء العمل الفني على انه قضية وطنية، فالأثرياء الموجودون في الاردن على سبيل المثال يقتنون الأعمال العراقية لفنانين عراقيين مقيمين في الأردن وبأسعار خيالية، لأنهم يعتبرونه تشجيعاً لهم ولأنها تمثل قضية وطنية، مؤكدة أن الأمر سيتكرر مع الفنانين السوريين الذين أثرت الأحداث في بلدانهم على تركهم لوطنهم والعيش في أكثر من دولة.

تويتر