إدارة المهرجان: فيلم الافتتاح محكوم بأسس احترافية

جمال سالم: «حب ملكي» لم يــحظَ بدعم «الخليج السينمائي»

جمال سالم: دعم الحراك السينمائي غير موجود فعلاً على أرض الواقع. تصوير: باتريك كاستيلو

«في الوقت الذي تبدو فيه الإمارات حاضنة لحراك سينمائي خليجي، فإن هذا الاحتضان، لا يستوعب بالدفء ذاته، الإنتاج المحلي»، حسب الكاتب جمال سالم، الذي يشارك مخرجاً هذه المرة، بالفيلم الإماراتي الوحيد الذي تم قبوله في المسابقة الرسمية للأفلام الطويلة في مهرجان الخليج السينمائي، وهو ما دفع الفنان محمد جابر (العيدروس)، إلى التساؤل عن جدوى البدء بفيلم «وجدة» السعودي الذي سبق عرضه مرتين في الإمارات، رغم أن هناك فيلماً إماراتياً روائياً جديداً لم يسبق عرضه؟

ورغم أن العادة في المهرجانات العربية عموماً جرت بأن يدافع المكرمون، خصوصاً، عن سياسات المهرجانات التي تتذكرهم، إلا ان العيدروس رغم صداقاته الشخصية مع ادارة المهرجان، أكد اختلافه الشديد مع الانحياز الذي وصفه بـ«المغالى فيه» لـ«وجدة»، مضيفاً «من يتحمل مشهد خروج مشاهدين أثناء عرضه، بسبب معرفتهم المسبقة لتفاصيله، بكل ما يحمله ذلك من إشارات سلبية تضر بالحدث الافتتاحي، وهو انحياز قد يغدو مقبولاً لو كان الأمر يتعلق بفيلم إماراتي يقدم المهرجان دفعة معنوية لصُنّاعه، ويقدمون عبره بعض ملامح المشهد السينمائي المحلي».

واشار العيدروس إلى ان وجود ‬13 فيلماً روائياً ينفي مقولة الاضطرار إلى «وجدة»، لاسيما ان دورة العام الماضي كانت تقتصر على اربعة أفلام روائية فقط، وكان الافتتاح بفيلم كويتي أيضاً سبق عرضه، وليس فيلماً إماراتياً.

في المقابل، دافع رئيس المهرجان، عبدالحميد جمعة، عن اختيار «وجدة»، مضيفاً «الهدف من اختيار (وجدة) هو ابرازه كأنموذج جيد للفيلم الخليجي، وهو بغض النظر عن قيام المهرجان بدعمه منذ كتابة السيناريو، عمل حظي باشادات نقدية واسعة، لدرجة أنه عُرض في أكثر من منصة دولية لعرض الأفلام، في ظاهرة تمثل رسالة إيجابية للفيلم الخليجي».

جمال سالم محبط

عقدة المنصة

أبدى الكاتب جمال سالم، الذي يقدم تجربته الإخراجية الأولى لفيلم روائي، هو الوحيد الذي يمثل الإمارات في مسابقة الأفلام الطويلة، استغرابه انشغال مخرجين وممثلين وكتاب بقرارات اربعة أشخاص فقط غالباً يمثلون قوام لجنة تحكيم، ويتغاضون عن ارضاء جمهور يتجدد يومياً، وقد يصل بمشاهدات العمل الناجح لأن يحصى بالملايين، مضيفاً «عقدة المنصة التي تشغل الكثيرين، لا تعنيني».

واضاف سالم «ما دمنا في حضرة السينما، فإن الحكم على جودة أو رداءة العمل يبقى معياراً جماهيرياً في المقام الأول، ولا يمكن قبول أفكار يتم تصنيعها سينمائياً لإرضاء لجنة من أجل الحصول على جائزة، وغض الطرف عن إرضاء الجمهور بعمل يرونه يستحق المشاهدة».

سالم الذي جاء من خلفية تلفزيونية بحتة، ربما هي ما تدفعه لأن يكون معيار الجمهور مقدماً لديه، طالب بمزيد من الدعم للسينما المحلية، مضيفاً «العمل الجيد في مجال السينما الإماراتية في هذه المرحلة هو بمثابة استثمار وطني، لأنه سيحفز آخرين قبل طاقمه لمزيد من تجويد الإبداع، لنصل بعد مرحلة ما إلى وجود إنتاج سينمائي إماراتي متنوع».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/04/03235621452.jpg

جمال سالم الذي كان يتوقع أن تتم معاملة «حب ملكي» على الأقل بمعايير متساوية مع سائر الأفلام الخليجية والعالمية التي يدعمها المهرجان، لم يُخفِ إحباطه، مضيفاً لـ«الإمارات اليوم»: «لم يحظَ (حب ملكي)، على خلاف معظم الأفلام الروائية المشاركة، بدعم المهرجان، رغم أنه الفيلم الوحيد المشارك في المسابقة، بل إنه يشكل مع فيلم آخر، لم يتم قبوله ضمن المسابقة الرسمية، وهو (بني آدم)، العملين الروائيين الإماراتيين من مجمل الـ‬169 فيلماً، لكن الفارق ان منتج (بني آدم) لم يعش معاناتي الإنتاجية، لأنه بالأساس رجل أعمال مهتم بمجال السينما».

واضاف سالم «يقوم المهرجان بدعم أفلام صينية، وأخرى حتى من اوروبا الشرقية او أميركا الجنوبية، ومنطقة الخليج، وهذا إيجابي، لكن الحقيقة هي أن خروج السينما المحلية من دائرة الدعم يبقي المعادلة مختلة، ويبقي أيضاً على حالة ضعف المردود من مختلف التظاهرات السينمائية المحلية».

وأكد سالم أنه اثار قضية دعم «حب ملكي» مع مدير مهرجان الخليج، مسعود امرالله، قبل أن يؤكد له الأخير أن الأمر منوط بأسس احترافية، تحكمها أمور فنية بعيدة تماماً عن الأهواء أو المزاج الشخصي.

إمكانات شحيحة

المعوق الإنتاجي أثر تأثيراً شديداً في العمل وفق أكثر من وجهة، حيث اضطر سالم إلى الوقوف عند سقف الإمكانات الذاتية عندما وصلت الكلفة الإنتاجية إلى ‬500 ألف درهم، مضيفاً «ملأني المشروع الإنتاجي تفاؤلاً، وقمت بمخاطبة العديد من المؤسسات التي يبدو وفق استراتيجيتها المعلنة، انها مهتمة بدعم السينما المحلية، قبل أن أفاجأ بأن حصاد المكاتبات الروتينية في الأخير اعتذارات وإرجاءات، رغم ان المشاركة ولو الجزئية في الإنتاج، كانت ستعني الكثير لـ(حب ملكي)». واعترف سالم بأن شح الإمكانات دفعه إلى حصر نطاق ترشيحاته للممثلين الذين عرض عليهم أدوارهم في الفيلم، فضلاً عن اختزال فترة تصويره، لتقتصر على اسبوعين فقط، تجنباً للخروج عن حدود الميزانية الموجودة.

رغم ذلك أكد سالم أن الجهد المبذول في «حب ملكي» تحدى إلى حد كبير شح الإمكانات، مضيفاً «الممثلون، خصوصاً، سعوا لمضاعفة طاقاتهم، وكذلك الطاقم الفني للعمل، وهو الأمر الذي انعكس على ردة الفعل الإيجابية للعرض الأول، لاسيما أن ردة الفعل الأولى كانت من قبل فنانين حرصوا على حضوره، في مشهد تلاحم فيه الجمهور معهم في المقاعد ذاتها، لتشهد قاعة السينما في صورة نادرة عرضاً إماراتياً كامل العدد».

وحول اختلاط أدوات المخرج التي سبق ان خاضها مرة واحدة فقط عبر فيلم قصير هو «موت بطيء»، بتجربة المؤلف والكاتب التي تمرس فيها عبر عشرات الأعمال التلفزيونية، خصوصاً، قبل أن يأتي اول أعماله الروائية «زواج ملكي» من تأليفه وإخراجه، قال: «كنت شديد القسوة مخرجاً، مع جمال سالم المؤلف، فانا أعي تماماً أن اصعب الأمور على صاحب النص هي أن يستخدم المخرج صلاحياته في الحذف على نحو مبالغ فيه، وهذا تماماً ما صنعته في (حب ملكي)، لدرجة أن الفيلم الرومانسي ذا المسحة الكوميدية بدا في الأخير شديد الحبكة، ويصعب على المتابع أن يستغني عن بعض سياقاته دون أن يقع في فخاخ البتر المخل».

الإخلاص للنص

سالم دافع في المقابل عن فكرة أن يكون الكاتب مخرجاً لعمله، مضيفاً «السينما الغربية مملوءة بنماذج مشابهة، مثل فيلم (تايتانك)، لكنه يبقى أكثر صعوبة، في حين أن المخرج هنا يبقى أكثر إخلاصاً لفكرة النص الأصلية، وما يرتبط بها من مشاعر، ما يعني أننا هنا نبقى مع نتاج يحمل سمات تختلف عن التقليدية، وتشهد انسجاماً أكبر في عناصرها». وبعيداً عن المخرج والكاتب كان سالم، منتجاً في وجهة اخرى من علاقاته بالممثلين، مضيفاً «لم استطع كمنتج أن ألبّي كامل طلبات المخرج، لكنني سعيت لصياغة عمل يخلص لجماليات السينما، التي يدخل في مقومات بنيتها الأساسية وجود قاعة لاستيعاب الحضور، ما يعني أن الجمهور هو الطرف الآخر الذي تتواصل معه شاشة العرض، وليس أي طرف افتراضي آخر، حتى لو كان هذا الطرف هو لجنة تحكيم مهرجان ما».

تويتر