Emarat Alyoum

«القياضـة».. دراما تراثية تستلهم ستــينات دبا الفجيرة

التاريخ:: 01 أبريل 2013
المصدر: محمد عبدالمقصود - الفجيرة
«القياضـة».. دراما تراثية تستلهم ستــينات دبا الفجيرة

لم يفسر مدير الديوان الأميري في إمارة الفجيرة، الشاعر محمد سعيد الضنحاني، ظاهرة حنينه لصياغة أعمال درامية تراثية، تستلهم مرحلة ما قبل ظهور النفط في المنطقة، في ثالث تجربة له في هذا الإطار، مؤكداً أنه ليس لديه مشروع درامي واضح في هذا الاتجاه، بقدر ما إن القصص والأشعار تنسج بتلقائية شديدة مع مكان وزمان، أولهما ثابت، وثانيهما بمثابة واقع معاصر لا ينفصل عنه بالضرورة.

«الإمارات اليوم» عايشت تجربة تصوير مشاهد أحدث نتاجات الضنحاني في هذا الإطار وهو مسلسل «القياضة»، الذي بدأ تصويره في منطقة البدية التراثية بمنطقة دبا الفجيرة، من أجل اللحاق بالموسم الرمضاني المقبل، حيث كشف الضنحاني أن المحتوى الدرامي للعمل، متكئ على حقيقة ثابتة، وهي أن هذه المنطقة التي تتمتع بطقس جيد بسبب إطلالتها المتميزة على مياه الخليج العربي، وكذلك طبيعة المنطقة الجبلية، كانت بمثابة ملاذ حقيقي للقبائل القادمة من مختلف إمارات الدولة اثناء فترة الارتفاع الشديد لدرجة الحرارة بسبب قوة أشعة الشمس نهاراً، وهو ما استوحى مسمى «القياضة» للعمل. ويحيل المسمى ذاته إلى واحدة من أشهر الأعمال الدرامية للضنحاني وهو مسلسل «الغافة»، التي تؤشر لذات معنى الاحتواء والحماية، وهي الشجرة الأكثر شهرة في المنطقة، والتي تتسع ظلالها وتمتد لتظلل كل من يلوذ بها، ما يعكس جانباً من رؤيته للمكان الأشمل، وفرادة موقعه البحري، وهو إمارة الفجيرة.

وكما لجأ الضنحاني إلى رؤية مخرج أردني في مسلسل «الغافة»، رغم أنه يغوص في خصوصية التراث الإماراتي المحلي، اعتمد الضنحاني أيضاً على رؤية إخراجية غير إماراتية، جاءت سورية هذه المرة في «القياضة»، عبر الفنان سلوم حداد، وهو ما يعكس قناعات الضنحاني بالفصل بين الثيمات التراثية كحقائق اجتماعية يعرفها سكان المنطقة، وتم تسجيل جانب منها بشكل تاريخي يمكن اللجوء إليه، وبين التجربة الفنيـة التي تعتمد على حرفية، سواء من جهة التمثيل أو الإخراج، أو الكادر الفني عموماً.

صراحة مقدّرة

لم يكن متوقعاً أن يجيب الفنان السوري سلوم حداد، عن سؤال تقليدي هو: «ما أبرز المعوقات التي صادفتك في هذا العمل، لاسيما أنه يمثل التجربة الأولى له في الدراما الإماراتية؟»، بغير الإجابة التقليدية التي تؤكد دائماً أن «كل الأمور على ما يرام».

لكنه وبصراحة تحسب له، في ظل وجود نحو ‬20 ممثلاً إماراتياً على مرأى ومسمع منه، عبّر سلوم عن انزعاجه مما اعتبره تقليدأً سلبياً لدى الممثل الإماراتي يجعله أقل التزاماً في اشتراطات ومواعيد التصوير بسبب ارتباطه بأعمال أخرى يجري تصويرها في التوقيت نفسه ، من دون مراعاة أدنى تنسيق بينها.

الممثلون الذين اعتبروا تجربتهم مع سلوم إضافة أقروا بالانتقاد السلبي، بتفهم، بل إن جميعهم اختزل مداخلته في أنه هنا «يكتسب مزيداً من الخبرة في التعامل مع مخرج بخلفية فنية مختلفة».

وقال الفنان الكويتي الشاب ميثم بدر: «عندما يكون لدى سلوم حداد ملاحظات جذرية على طريقة تمثيل مشهد ما، يقوم هو بتمثيله، لكنه يطلب منا رغم ذلك إتيانه بطريقة تشبه ذواتنا وتمثل بصمتنا الخاصة، وعدم التقيد حرفياً بأسلوبه التمثيلي».

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/04/2153251253251.jpg

استعانة بمسرحيين

المسلسل الجديد الذي قام بتأليفه وكتابة السيناريو والحوار الخاص به فيصل جواد، يأتي ليقطع احتمالية غياب الفنانة هيفاء حسين عن شاشة رمضان لأول مرة كما توقعت في تصريح سابق لها لـ«الإمارات اليوم»، حيث تؤدي هيفاء دوراً رئيساً في العمل، في إطار علاقة عاطفية تجمع الشخصية التي تؤديها ، مع شخصية أخرى يؤديها الفنان الشاب شهاب جوهر، إلى جانب كل من فاطمة الحوسني، ورزيقة طارش، وسيف الغانم، الذي تتكرر مشاركاته في جميع الأعمال التي تنتجها شركة «أرى الإمارات» المنتجة للعمل، إضافة إلى كل من بدرية أحمد، وأسمهان توفيق، وآلاء شاكر، وميثم بدر، وأمل محمد، وشوق الفهد، وفي الغزاوي، وصوغة.

ومن ضمن الطاقم التمثيلي للعمل يبرز الاستعانة بعدد كبير من الممثلين الإماراتيين الذين برزوا بشكل أكبر على خشبة المسرح، مثل جمعة علي، الذي لايزال أحد أبرز الوجوه الإماراتية التي لم تستثمر إمكاناتها في الدراما التلفزيونية، رغم تالقه مسرحياً، والفنان الشاب حميد فارس الذي تكرر حصوله أيضاً على جائزة أفضل ممثل خليجياً ومحلياً، دون أن يوازي ذلك حضوراً ملحوظاً على الشاشة الصغيرة.

ومن القادمين من خشبة المسرح أيضاً جمال السميطي، وعبدالله مسعود، وسعيد بتيجا، وخالد البناي، وخليفة التخلوفة، وعبدالله راشد، وعلي الشالوبي، ومنصور الغساني، ما يعني أن المسلسل من الناحية الإنتاجية يجسر الهوة التي يعاني الممثلون الإماراتيون من كونها تعزلهم عن التواجد بشكل فعال في الدراما الإماراتية، بحجة أن المسرحيين لا يجيدون الوقوف أمام الكاميرات التلفزيونية لأسباب فنية.

مفردات البيئة

مخرج العمل الفنان السوري سلوم حداد أكد أنه لا يحمل أي رؤية فنية مسبقة للعمل، مضيفاً «العمل داخل المسلسل يتم بشكل جزئي، ودقة الارتباط بين المشاهد هي ما تصوغ بشكل تلقائي الرؤية المحورية له».

وفيما إذا كان اشتغاله على مسلسل تراثي يمثل معوقاً لمخرج لا ينتمي لذات البيئة، أشار سلوم إلى أنه هنا يتعامل مع نص، ومفردات بيئـة بأعين من تعايشوا معها، اما التفاصيل الإخراجية، فهي عبر أدوات فنية لا تختلف باختلاف البيئة الدرامية للعمل.

الفنانة فاطمة الحوسني التي تلعب دور (أم سلمان) توقعت من جانبها أن تكون إطلالتها في هذا العمل مختلفة عن الكثير من أدوارها السابقة، مضيفة: «ليس المحتوى المكتوب فقط هو ما يحدد ملامح (أم سلمان) في (القياضة)، بل مفردات المكان وطبيعة المرحلة التاريخية، وكذلك الطريقـة التي يتعاطى بها المخرج والممثلون مع اكسسواراتهم، لأن أي شخصية تتحدد كامل أبعادها، بمحيط العلاقات الإنسانية وخصائص المكان والزمان اللذين تدور فيهما».

وداخل قرية تراثية شاطئية متكاملة يدور تصوير مشاهد العمل في ظل اهتمام شديد بالتفاصيل، حسب الضنحاني، الذي أضاف: «أخذتنا التفاصيل إلى الاهتمام حتى بكل ما هو موجود في الأفق البعيد للكاميرا التي ربما لا يصل إليها مدى الرؤية، لأن المراد ان ينتقل المشاهد معنا إلى خصوصية هذا المكان بكامل عبقه وحقيقته، واستفدنا كثيراً من التجارب الإخراجية السابقة في هذه التجربة خصوصاً».

وتابع: «عبر هندسة الديكور تم بناء بيوت العريش، والبيوت الطينيـة التقليديـة، وزراعة أشجار النخيل، ومعالجة كل مظاهر الحداثة التي طالت المكان عبر نحو نصف قرن، أما بقايا تلك البيوت القديمـة فتم ترميمها على نحو دقيق، ما يرشح موقـع التصوير، لأنه يبقى قائمأً لخدمة مختلف الأعمال الدرامية ذات البعد التراثي، التي تدور زمنياً في فلك هذه المرحلة التاريخية».

وحول الخط الرومانسي في العمل أشار الضنحاني «في رواية المسلسل عشاق اتخذوا العفة والطهر والبراءة عنواناً لبكر المشاعر، فكانت قصص حب عذرية تحكي حكايات النقاء والصفاء والتحليق الاجمل في دنيا المشاعر، عبر قصة طرفاها سليمان وعليا اللذان يؤدي دوريهما الفنانان شهاب جوهر وهيفاء حسين، وهي العلاقة التي وسعت فضاءات القلوب والذاكرة ومنحت أصحابها القوة التي استطاعت أن تجابه كل نوايا الشر والعناد لتنتصر في النهاية كقيمة».

رغم ذلك تبقى القصة الرومانسية ذات ملامح تراثية غالبة عليها، مستلهمة من «رحم هذه الأرض الطهور ومن جغرافيا البحر والرمل والشمس، لتوقد حمى العشق الكبير لاثنين لم يختلفا عن سواهما من عشاق الأرض والذين حملت الروايات العالمية اسماءهم عناوين لتلك الروايات»، لكن الضنحاني رغم ذلك يؤكد أهمية تجاوز المدلول المباشر للمشهد الرومانسي العام لمحتوى العمل، والتأمل أكثر في مغزاه غير المباشر، معتبراً أن «القياضة»، «دعوة لانتصار الحب ونبذ الحقد».