تنقلات ورحلات تتجاوز تأشيرات المرور وتتجاهل حجوزات «الطـيران»

«القرية العالمية».. العـالم كما لم تعرفوه من قبل

صورة

أنت هنا داخل موسوعة أسفار، تستطيع أن تتنقل بين صفحاتها بمجرد حسم رغبتك في ذلك، فالوقت المستغرق بين صفحة وأخرى يكاد يتحدى تلك التي يحتاجها طرف عين يأبى أن يرتد إلى موضعه، كما أنك لست بحاجة إلى حجوزات سفر متعددة كي تطوي ذلك العالم، فأنت حامل لجواز سفر دبلوماسي، يتيح لك التنقل كيفما شئت، ما دمت قد وصلت إلى هذا الموقع الساحر، فهنا العالم مطوي في ‬17مليون قدم مربعة.

العالم هنا في «القرية العالمية»، عند أطراف أصابعك، كي تتمكن من أن تتناول فطورك في أم الدنيا شمال القارة السمراء، بينما غداؤك يعد في بلاد التنين

الآسيوي، ولتطَّلع بينهما إن شئت على ملامح ثقافات وفلكلور شعوباً آسيوية وأميركية وأوروبية بلا «شنغن» أو غيرها من تأشيرات السفر، التي تفتح أمامك حدود البلدان بكل ترحيب.

الانتباه الوحيد الذي عليك أن تتحسب له هو أن فترة هذا العرض محدودة، لكنها على نحو يتيح لك متسعاً من الحرية لاستثماره حسب خططك، إنها ‬161 يوماً لكل منها نكهات وتفاصيل مختلفة، فالقرية العالمية في دبي لاند، عالم يتجدد كل يوم، وتتلون فعالياته وفق استراتيجية تهدف إلى تلبية توقعات أصحاب الاهتمامات المختفة، والشرائح العمرية المتباينة.

لماذا تأخذ مسمى القرية العالمية، وهل هي مكان أثري قديم، لذلك تحول إلى مزار بارز على أجندة معظم الشركات التي تنظم رحلات سياحية إلى دبي، وإذا

كان الأمر كذلك، فما علاقتها بالتسوّق، ولماذا نشاهد دعايات لحديقة حيوانات وألعاب؟ وكيف وصلت إليها مياه الخليج العربي، وهي في أطراف مدينة دبي؟ هي مجرد بعض الأسئلة التي تواترت على لسان صديقي الذي يزور دبـي لأول مرة، لاسيما أن كثيراً من المقيمين يفضلون أن تكون زيارات ذويهم وأصدقائهم أثناء الفترة التي تفتح فيها القرية العالمية أبوابها لاستقبال ضيوفها. لم يتلق صديقي الزائر إجابة واحدة، وظل مشغولاً بالاسترسال في مزيد من الأسئلة، قبل أن أبادره بسؤال وحيد يتعلق بتحديد وجهتنا الأولى، مشفوعاً بشرط وحيد أيضاً وهو أن يكون القرار بناء على تصويت عائلته الصغيرة التي تضم إلى جانبه وزوجته ثلاثة أبناء في أعمار مختلفة.

استكشاف وإلهام

«العالم» هنا

تنوع ملامح الأشخاص تبعاً لتعدد جنسياتهم، جعل الصديق الزائر الذي لم تفارقه علامات الدهشـة: «كنت أعتقد أنني خبير في التعرف إلى أصول الشخص من ملامحه، لكن استيعاب القرية لجنسيات شتى جعل الاعتماد على تلك المهارة غير مجدٍ في كل الأحوال، وأصبحت عناوين بعض الأجنحة دليلاً للتعرف إلى ثقافات ونتاجات بلدان لم يسبق لي التعرف حتى إلى أحد مواطنيها عن قرب».

«السباحة في فضاءات فلكلور وثقافات شعوب من مختلف قارات العالم وحدها لن تكفي، وعلينا الشروع في اقتناص فرص التسوّق التي نسارع بتفويتها تحت وطأة الرغبة في مزيد من استثمار الوقت»، خطاب آخر هامس بين الابنة الكبرى ووالدتها، اللتين بدأتا في الإعداد لقائمة من الهدايا التذكارية، وأخرى مستثمرين ميزة توافر منتجات قدمت خصيصاً للمنافسة على ثقة رواد يتجاوزون حدود أسواق الدول سيراً على الأقدام بسهولة ويسر. تذكرة وحيدة وجدتني مدفوعاً لتكرارها بحسم هذه المرة، بعدما أشَّرت الساعة إلى موعد إغلاق «القرية» بعد ساعات من معايشة ملامح تلك النزهة في أجواء وتفاصيل حضارات مختلفة، تعيش هنا حالة انسجام ، في ربيع يدوم بامتداد المساحة الزمنية لاستقبالها روادها، وهي أن المكان الذي يفتح أبوابه لأكثر من خمسة ملايين زائر سنوياً، وكأنهم سكان مدينة لا تنام، ويعم في كنفه ‬10 آلاف شخص، لا يكفيه حتماً زيارة واحدة، ليقرر الجميع بأن زيارة الغد أيضاً ستكون عنوانها «القرية العالمية».

على الرغم من أن الديمقراطية غالباً لا تقود إلى إجماع، إلا أن المدهش هو أن عملية التصويت التي لم تخل من تشويق الاقتراع السري جاءت لصالح «القرية العالمية» عبر خمسة أصوات صحيحة، وهو ما جعلني أصبو لاستكشاف جديد في عوالم «القرية العالمية» التي تبدو متجددة على نحو مذهل، حتى لمن يجيد استثمار أيامها التي وصلت هذه الدورة إلى ‬161 يوماً، لتبقى على بعد ‬22 يوماً فقط من سقف نصف العام.

وما بين دور المستكشف ومهام المرشد رأيت التنويه من البداية على حقيقة أن «زيارة واحدة لا تكفي للقرية العالمية، ليس فقط بسبب مساحتها المترامية التي تصل إلى ‬17 مليون قدم مربعة، بل لأن تفاصيل المكان هنا تستوعب ثقافات العالم بقاراته الست»، مضيفاً لصديقي وعائلته «على خبرتك بخصائص اللهجات واللكنات في كثير من اللغات فإنه بمجرد التنزه في أجنحة القرية المختلفة، يعني أنك في دائرة واسعة يستوعب محيطها العالم بأسره، لكن عليك ألا تكون مشغولاً بآلية التواصل، لأنك بالفعل في بلد تواصل الحضارات مهما اختلفت اللغات واللهجات».

وبلهفة من عثر على إجابة لسؤال كان يشغله «عرفت الآن مغزى الشريان المائي الذي طالعته في دعايات القرية، فهو بمثابة شريان حيوي يصل بين «عوالمها»، تماماً كما تصل الأنهار والخلجان بين دول العالم المختلفة»، لكن الابنة الصغرى اعترضت على تفسير والدها، ورأت أن القرية أشبه بتلك المراكب التي تأخذ زوارها في نزهـة مائية عبر هذا الشريان الذي يبدو وكأنه عالم بأسره.

لغات العالم

الدعوة إلى استثمار وقت الأسرة الزائرة جاءت من الابنة الكبرى التي سعت لإنجاز مشروعها الخاص، من أجل أن تحتفظ باسمها بكل لغات العالم، مبتدئة بالقرية الصينية لتجد أن أحد الخطاطين الصينيين متطوع بالفعل لأن يقدم للزوار هذه الخدمة الجليلة، وهو ما جعلها أكثر تحمساً لإسراع الخطى نحو قرى للغات لم يتسن لها من قبل التعرف إلى أي من الناطقين بها، خصوصاً الكورية واللاتينية، والإسبانية والأوردية والفلبينية، والروسية وحتى السواحلية الإفريقية وغيرها.

جامع الشعوب

في مقابل تعدد الخطوط واللغات الذي بات يشغل الابنة الوسطى، اقترح الأب الصديق بأن نستثمر جزءاً من اليوم في التعرف إلى بعض من أطباق الشعوب المختلفة، ثم نكمل الرحلة، دون أن يدري بأنه هنا يقفز من دائرة خيارات واسعة، إلى دائرة أخرى لا تقيه من التردد، ليقف حائراً بين تجارب نكهات تطل بالرائحة الشهية لكل منها، والأزياء والديكور الذي يهيمن على ‬30 مطعماً خُصص كل منها لدولة بعينها، فضلاً عن نحو ‬160 كشكاً الكثير من أصحابها تخصصوا في بيـع أشهر المأكولات في بلدانهم، بل إن عبارات ترحيب القائمين عليها أيضاً جاءت لتؤكد أن هنا مساحـة رحبـة تتسع لجميع الثقافات.

«الفلكلور هو جامع الشعوب، وإذا أردت أن تتعرف إلى ثقافة قوم فعليك بفنونهم وتراثهم الشعبي».. عبارة قالتها زوجة صديقي التي يجذبها دائماً ألق الفنون الأدائية، وقبل أن تكاد تكملها صادفت على اعتاب القرية المصرية عروضاً لفرقة شعبية تؤدي رقصة «أبوالغيط» الصوفية الشهيرة، قبل أن تتوالى فقراتها ناقلة المزيد من الفلكلور المصري، لتنقلها خطوات أخرى إلى «الدبكة» اللبنانية، ونظيرتها الفلسطينية، ثم «العيالة» الإماراتية، فيدخل الجميع في دهشـة المشاهدة التي تقطف من بساتين فلكلور الشعوب زهرات متنوعة.

أخبار سارة

ما بين «العيالة»، و«الرزفة»، و«اليولة»، وعروض الفرق الحربية الإماراتية، وقرى مجاورة الكثير من عوالم ثقافات الشعوب الأخرى، لتختزل لك الأمتار مئات الآلاف مـن الكيلومترات التـي قد تحيلك إلى قارة سمـراء، لكنها هنا تخلصت من كل أعبائها وظروفها القاسية، عبر عروض تدخلك مباشرة إلى أدغال إفريقيا، قبل أن تمنحك بلا حاجة إلى مراجعة أي جهة رسمية تأشيرة لا تحتاج إلى تواقيع الجهات المختصة، فتجد نفسك في قلب القارة العجوز، أوروبا، التي تبدو هنا في القرية العالمية، في غاية الشباب.

«عالم القرية العالمية يعيش في سلام دائم، أتمنى أن يسود خارجها، والثقافات تتجاور متحاورة ومتناغمة، مُخطئة مقولات حتمية صراعها»، قالها صديقي الزائر، قبل أن يواصل: «وحتى البلدان التي تحول فيها الاستقرار عُملة نادرة، تعيش هنا تفاصيل مختلفة، بل إن الأجواء الكرنفالية التي تبهر الزوار تجعلك تتوقع أن أي نشرة أخبار إذا أُذيعت في ذلك الوقت لن يجد قارئها سوى عناوين الدهشة والفرح لقراءة تفاصيلها».

ثقافات الشعوب

ليست عين الضيف فقط هي من تلتقط المثير والملفت، بل أذنه أيضاً التي انجذبت لها جماهير غفيرة بالقرب من الأجنحة المتنوعة، في الوقت الذي بدا مثيراً له أيضاً وجود مقر بعنوان «قلعة الميدان»، يتم فيه أسبوعياً عرض منافسات بطولة سموّ الشيخ حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم، ولي عهد دبي رئيس المجلس التنفيذي، في واحدة من أهم الفنون الشعبية التي تجتذب لمتابعتها جمهوراً متحمساً.

الاهتمام بالعروض العالمية جعلني اقترح على الجميع زيارة «مسرح ثقافات الشعوب»، الذي أكد لهم أن لا مجال رغم ذلك للمصادفـة، في القرية العالمية، فهذا اللقاء اليومي للحضارات المختلفة، ووصالها الذي يتم بشكل تلقائي يبقى ملامح لأسلوب يظلل كل شيء هنا، وعلى خشبة واحدة يبقى الجميع مدعواً للتواصل مع مفاجآت مساحة إبداع تتسع لاستضافة نخبة متجددة لفرق ومطربين وعروض بكل لغات العالم، لكنها تبقى مفهومة للجميع، لأنها لغة الإبداع التي لا تخطئها العين والأذن والمخيلة.

متوالية الفرح

سرعة إيقاع مرور الوقت هنا، جعلني بحاجة إلى أن أنبه صديقي بضرورة الحرص على استثماره بشكل أكبر، عبر نصيحة مخلصة: «من الممكن أن يذهب كل شخص من أفراد العائلة إلى وجهته المفضلة، فالمكان هنا آمن للغاية، وتكاد لا تخلو منطقة من خدمات الاستعلامات، فضلاً عن اللافتات الواضحة المنتشرة، كما أن الألعاب المخصصة للأطفال تراعي أدق معايير السلامة، لكنك في كل الأحوال لن تندم في حال قررتم أن تقوموا بجولاتكم مجتمعين غير فـرادى، فالقريـة وجهة عائلية من الطراز الأول، وكل ما عليك أن تتحسب له هو عامل الوقت، لأن ابواب القرية قد تغلق دون أن تكون قد تمكنت من تلبية رغبات الجميع، بسبب الاتساع الاستثنائي لهامش الاختيارات».

نصيحة مخلصة لم أتلق ثمة تعليق عليها، وكأن الكل يغني بالفعل على ليلاه بسبب تنوع خيارات الترفيه والاستمتاع والتسوّق، مجيباً «تريد زوجتي استثمار ساعات الزيارة في التسوّق، وتتطلع للملمة انطباعات عن ثقافات الشعوب وفلكلورهم، لكنني عازم على استقراء تجارب فنية ممتعة اضطررت إلى أن يكون مروري عليها عابراً كي لا أبطئ مسيرتكم، في حين يتوجب عليّ التجاوب أكثر مع رغبة صغيرتي في المرح الذي يتوافر في كل ركن من أركان القرية تقريباً، فالعروض الممتعة هي بمثابة متوالية لا تعرف التوقف هنا».

عاودت نصيحة صديقي مخلصاً أنه لن يتمكن من التخلص تماماً من حيرته، لأن الخيارات هنا شديدة التنوع والاتساع، والحل الأمثل هو تعدد الزيارات، هامساً له: «حتى لو كانت برفقتك مسنون أو ذوو إعاقات خاصة، أو أطفال، فالكل هنا يلمس حقيقة أن المكان قد صُمم خصيصاً ليراعيه شخصياً، لدرجة أنك لو لم تكن بصحبتك عربة طفلك، فبمقدورك استئجار واحدة بأسعار زهيدة، كما أن هناك عربات خاصة صديقة للبيئة بانتظار إشارة لينطلق قائدها مرحباً بكبار السن وغيرهم ممن يرغبون في استخدامها، فضلاً عن ملاءمة المكان لعربات ذوي الإعاقات الخاصة».

تويتر