افتتح «منتدى الاتصال الحكومي» بحضور أردوغان وعمرو موسى وعنان

سلطان القاسمي: الهويـة الثقافيـة آخــر حصن يحمي الإنسان

سلطان القاسمي وأردوغان خلال افتتاح المنتدى. تصوير: أشوك فيرما

لم يعد الحكم للحكومات فقط، ولم يعد الإعلام حكراً على وسائله، بل بات المواطن والشعب جزءاً من تلك المنظومة في تكوين القرارات وتحديد السياسات، لاسيما تلك التي تحدد مصيره في دولته، ولن يتحقق ذلك إلا في وجود اتصال حكومي متين قائم على احترام الساسة لشعوبها، واعتماد الشفافية في إيصال المعلومة.

من هذا المنطلق، افتتح صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، أمس، فعاليات منتدى الاتصال الحكومي في دورته الثانية، التي تختتم اليوم، بمشاركة عدد من السياسيين والإعلاميين وصناع القرار، وفي كلمة لحاكم الشارقة حول المنتدى، قال «أبعث لمثقفي العالم العربي زملائي في المهمة الذين يتساءلون وهم في حيرة من أمرهم، عندما يشعر شخص بأنه مهدد فهو يميل إلى اللجوء إلى منطقة يتعذر على الغازي الوصول إليها».

وتابع أن «الثقافة هي أحسن ملجأ ممكن للجوء، لأنها العنصر الأكثر خصوصية، والأكثر التحاماً بالإنسان، إذ إن الهوية الثقافية هي آخر حصن يحمي الإنسان من فوضى جامحة ليس لها حدود، والخصوصيات الثقافية لا يمكن أن تضمحل إلى الأبد، فهي تلجأ إلى العيش في سبات شتوي كالنبات في أعماق اللاوعي، وتنتظر أن يسمح لها المحيط بالانبعاث من جديد، فلا يمكن دفن قيمة ثقافية إلى ما لا نهاية».

أردوغان: لن نقف صامتين

وصف رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، الرئيس السوري بشار الأسد بأنه «دكتاتور الظلم السوري»، في كلمة ألقاها في افتتاح منتدى الاتصال الحكومي في الشارقة، وقال «إننا يجب ألا نقف صامتين أمام مشاهد الأطفال والنساء الذين يقتلون يومياً في سورية، كما أننا يجب ألا نصمت أمام من يرتكبون جرائم ضد شعوبهم، ويجب ألا نسكت أمام دكتاتور الظلم السوري وما يفعله بحق شعبه، وتحديداً الأطفال والنساء، كما أننا لم نقف أمام ما يحصل من مجاعة في الصومال وأفغانستان، وكذلك أمام النفاق السياسي الحاصل في العراق»، لافتاً إلى أن «سر نجاح حكومتنا يعود للتركيز على الحوار الصادر من القلب والتقارب مع الشعب، واستخدام لغة القلب الصادقة والإفصاح عن الحق، لا يكفي القول فقط، إنما يجب التركيز على القول الصادق الحقيقي ورفع صوت الحق ضد الظلم، رفع أصواتنا أمام المشكلات العالمية، وقد ينزعج البعض بقولنا للحق».

وتابع أن «كل اتصال حكومي يظل منقوصاً إذا لم يتعلق بالقلب، على اعتبار أن الاتصال لا يمكن أن ينتقل من الأذن إلى الأذن، إنما يجب أن يكون من القلب إلى القلب، حتى تترجم الافعال وتصل إلى الشعوب صادقة جراء تأثرها بالقلب، إذ لا تكفي وسائل الاتصال وحدها لتحقيق التكامل، إنما يجب أن يرتبط هذا الاتصال بالصدق في التعامل، فالعين واللسان اللذان يشهدان القتل والتنكيل ضد الشعبين الفلسطيني والسوري، هما لسان أخرس وعين عمياء طالما يقفان دون حراك أو فعل حقيقي»، لافتاً إلى أن «كل اتصال يعتمد على التفريق بين اللغات والدين وقائم على الطائفية يعد تواصلاً ناقصاً، إذ لا يمكن بناء مستقبل قائم على الكذب طالما لم يكن هناك صدق في التواصل أصلاً، فإذا كنا نرى آلام الأطفال ودماء النساء تستباح وتسفك في سورية ولا نشعر بالألم والظلم الواقع عليهم، فذلك يعني أننا لا نرى شيئاً من هذا الظلم، فإذا كانوا لا يعكسون المحبة والآلام المشتركة فقد بات هذا التواصل هدراً للوقت لا أكثر».

وشدد أردوغان على أهمية تحرير الناس من عبودية وسائل الاتصال، لاسيما ان التواصل والاتصال وسيلة للتقريب بين الحكومات والشعوب والناس، إلا أن هناك ابتعاداً في الأديان والمذاهب والاعراف، الأمر الذي لا يعد تطوراً ايجابياً، وعلينا تغيير هذا الواقع، إذ نحن مجبرون على أن تكون العدالة والقيم الانسانية أساس القيم الكونية، ويجب ألا نقف متفرجين أمام هذا التباعد».

وأوضح أنه «ينبغي الوقوف في مواجهة هذا الزحف الفوضوي الذي إذا انتصر ستكون آثاره الهدامة أخطر وأدهى من آثار الموجة الاستعمارية في الماضي، فالهوية الثقافية هي الدرع الواقي والحصن المنيع وضمان البقاء الوحيد، وقد عملت الشارقة على التواصل الثقافي منذ أمد بعيد، فكان أول لقاء في نهاية ‬1976 عندما عقدت الندوة الإفريقية العربية، وقد اتخذت تلك الندوة قرارات، منها التواصل الثقافي بين الدول الإفريقية والدول العربية».

وقال «أصبحنا نحن في العالم العربي ننظر إلى مواقع مثل مصر وتونس وليبيا واليمن وسورية، ونحن نشاهد حلبات (الديكة) وهي تتصارع، والآخرون يتفرجون حول كل حلبة من تلك الحلبات، لولا لطف الله بنا لكانت تلك الحلبات - أي حلبات صراع الديكة - موجودة في كل حارة وفي كل بيت»، لافتاً إلى أنه «تقرر إنشاء مركز ثقافي للتواصل وتشرفت بأن أكون أنا الرئيس الفخري لذلك المركز، وخلال سنتين من البحث والتواصل مع المؤسسات الإفريقية في كل البلدان الإفريقية لإيجاد وسيلة للتواصل الثقافي، خرجت بنتيجة أن الدول الإفريقية تعتمد في ثقافتها على قواعد السلوك الذي يميز المجموعات من غيرها في تلك الاتصالات والمعاهدات، وذلك ما يسمى عند العلماء الانثوجرافي، فلما تعمقت في تلك الاتصالات وجدت التأثير كبيراً من الدول الغربية أكثر منها على تلك الدول الإفريقية، حيث كان الاستعمار الغربي قد ضرب أذنابه في تلك البلدان، فكان علي أن أبحث التواصل مع الغرب بما يساعدني على التواصل مع الدول الإفريقية».

كوفي عنان

من جانبه، قال الأمين العام السابق للأمم المتحدة كوفي عنان، إن «مستويات الثقة بين الحكومات والمواطنين متدنية، والرغبة في الحصول على المعلومة مسألة حاسمة، لاسيما أن العالم يمر بمرحلة تغيير جذري وعلينا مواجهة التحديات، خصوصاً أن الأنظمة السياسية لا يمكن مساءلتها، لذلك كان لابد من المطالبة عبر حركات التغيير بفرض التواصل الفعال على اعتبار أنه شرط أساسي لاستعادة الثقة التي انعدمت بين المواطنين والسياسيين، وإشراك المواطنين في النقاش من أجل الموضوعات التي تؤثر في بلدهم».

وتابع ان «هذا التفاعل ضروري من أجل اتخاذ قرارات لها أهميتها وقوتها، لأن الاتصال بين الافراد والحكومات يعزز القرارات ويسوي النزاع السلمي، لاسيما أن هذا التغيير حاصل وعلينا أن نتحلى بالشجاعة وفهم بعضنا بعضاً، وإشراك بعضنا في اتخاذ القرارات».

وأوضح عنان أن «القادة السياسيين لم يفلحوا في فهم تحرك الشعوب وتبنوا وجهات نظر قصيرة المدى، ما أدى إلى استفحال المشكلات وشعور المواطنين بأنهم مغيبون عن اتخاذ القرار في السنوات الأخيرة، ما أدى إلى الرغبة في تغيير جذري وحركات شعبية أثيرت حول العالم للمجيء بحكومات أكثر فاعلية»، لافتاً إلى أن «ما يحدث في العالم هو مؤشر إلى أهمية التواصل الفعال والحصول على ثقة المواطنين، خصوصاً أن المواطنين الذين يؤمنون بأن الذين يمثلونهم يحملون الرؤية نفسها بشأن المستقبل، سيكون هناك بينهم نوع من الثقة العميقة لإيمانهم بأن قادتهم يلتزمون ببناء مجتمع صحي يرتكز على ثلاث ركائز أساسية، هي السلم والاستقرار والتنمية، وسيادة القانون، واحترام حقوق الإنسان».

وحول دور الاتصال الفعال في إزالة الحواجز ووضع حلول جذرية للعديد من المشكلات والمعضلات التي تواجه المنطقة والعالم اليوم، أوضح عنان أن «التفاعل ضروري من أجل توفير المعلومات لاتخاذ قرارات لها قوتها، وهي سمة من سمات الديمقراطية، فالاتصال بين الأفراد وبعضهم وبينهم وبين الحكومات يعجل بتسوية النزاعات والمشكلات، ويسمح بوجود عالم أقل تعقيداً وأكثر تعدداً، وذلك في إطار إشراك الجميع وحماية مصالح الأقليات».

ممارسة الاتصال

إلى ذلك، قال الشيخ سلطان بن أحمد القاسمي، رئيس مركز الشارقة الإعلامي، في كلمته الترحيبية «لقد أخذت الشارقة على عاتقها مهمة تشكيل منصة حقيقية لتعزيز الحوار بين الحكومات والشعوب من خلال هذا المنتدى، وذلك لمشاركة أفضل الممارسات في الاتصال الحكومي وتعميم الفائدة، والاستفادة من تجارب العالم أجمع في مجال الاتصال، حتى يكون التواصل بين إداراتها أكثر فاعلية، فيكون خطابها أكثر تناغماً».

وتابع «نحن نجتمع اليوم من مختلف الجنسيات والثقافات واللغات والأديان، جئنا لنتشارك الرؤى ونتخذ خطوات جدية نحو العمل والتغيير، ولنتعلم من أفضل الممارسات في مجال الاتصال الحكومي من حول العالم، فلنتحاور ونتشارك ونتواصل ونتعلم ونتعاون، فالعالم اليوم بحاجة إلى الانفتاح والنقاش والتواصل، والأهم من ذلك إلى التفاؤل، فعملية الوصول إلى رضا الجمهور ليست مهمة سهلة يمكن تحقيقها بين ليلة وضحاها، ونحن لا نملك عصا سحرية تستطيع تليين الصلب وتغيير المفاهيم المرتبطة بأساليب الحوار والتواصل، بل نملك عزيمة قوية لتعميم أفضل الممارسات في قطاع الاتصال الحكومي التي باتت ضرورة نرى أهميتها في ظل التغيير الحاصل في أرجاء العالم».

وأوضح «لقد وضعنا مهمة الارتقاء بمعايير الاتصال الحكومي في إمارة الشارقة على محك التنفيذ، نقودها برؤية واضحة أثمرت حتى اليوم عن بناء وحدة اتصال ستسهم في رفع مستوى التواصل بين الدوائر الحكومية وجمهورها من مختلف أقطابه، وإلى تدريب الكوادر البشرية في إدارات الاتصال الحكومي في إمارة الشارقة لتعزيز أدائها، وتطويره بأسلوب يواكب التغيرات الحاصلة في العالم، وفي الاستثمار في الطاقات البشرية الشابة، وتشجيعها على الانخراط في مجال الاتصال الحكومي، فخيارنا هو توفير منصة لتطوير أساليب وقنوات التواصل مع الشعب، ولا خيار أمامنا إلا العمل والتسابق مع الزمن لتحقيق المرجو».

تويتر