«الشارقة للشعر العربي» اختتم بمسرحة الأداء

الشعراء يختلفون.. «فيس بوك» ضرورة أم ترف

مهرجان الشارقة حفل بمدارس شعرية متعددة. تصوير: أشوك فيرما

وصلت مواقع التواصل الاجتماعي، مثل «فيس بوك» و«تويتر»، إلى كثير من الشعراء العرب، إلا ان معظمهم اعتبر أنها وسيلة للتواصل مع الاصدقاء والنخبة من الشعراء لا أكثر، متجنبين بذلك نشر نصوصهم وقصائدهم كاملة، خشية السرقات الإلكترونية التي أسهم في انتشارها فقدان الخصوصية وغياب الملكية الفكرية للشاعر، لاسيما أن في نشرها على تلك المواقع تقليل من شأن النص في حد ذاته.

ورأى آخرون أن لا حرج في نشر نص كامل طالما ان الشاعر قد وثق نصه من خلال نشره ورقياً في ديوانه الشعري، الذي يضم تلك النصوص، أو من خلال نشر النص في وسائل الاعلام، سواء الجرائد أو المجلات الشعرية، أو حتى توثيقه على هيئة أمسيات شعرية مصورة، وفق الشاعر العراقي الشاب عمر عناز الذي أكد لـ«الإمارات اليوم»، ضرورة أن «يتفاعل الشاعر مع وسائل الاتصال الحديثة، لاسيما موقعي «فيس بوك» و«تويتر»، إذ إن تلك المواقع تسهم في انتشار الشاعر خارج الحدود الجغرافية، وقد يصل إلى فئات مجتمعية أوسع، خصوصاً النخبة من الشعراء الذين يمكن الوصول إليهم بسهولة عبر تلك المواقع ومتابعة اعمالهم واطلاعهم على تجاربنا، وبالتالي يصبح هناك تبادل للخبرات».

لافتاً إلى أن «مسألة نشر قصيدة كاملة يعتمد على صدور الديوان وتوثيق النصوص نفسها، ولكنني مع نشر مقتطفات من تلك النصوص أي ما يحقق المعنى من الأبيات ليس لشيء سلبي، إنما لأن المتلقي على تلك الوسائل لم يعد لديه الكثير من الوقت لقراءة قصيدة كاملة، اما مسألة التواصل مع ملاحظات أو تعليقات النقاد والمتابعين قد يسبب للشاعر حرجاً اجتماعياً إذا غفل عنها، لذلك اكتفي بوضع علامة اعجاب على تلك التعليقات».

«معروف» للشاعر

«الشاعر الساحر»

بأسلوب وأداء تمثيلي مسرحي قدم الشاعر التونسي جمال الصليعي قصيدة عند مدين من ديوان ثلاثية الطور، وتفاعل الحضور مع القصيدة واستوقفهم الأسلوب الشعري المتبع من الشاعر، حين طالبوه باعادة أبيات صفق لها الحضور أكثر من مرة.

وتعالت أصوات الحضور الذين تذوقوا شعر الصليعي معتبرين دون انتقاص من أهمية الآخرين ان ختام المهرجان كان مسكاً مع الشاعر الذي وصف أسلوبه بـ «الساحر»، ومع انتهاء القصيدة طلب الشاعر قليلاً من الماء ليتمكن من متابعة القراءة وسط طلبات الحضور بإعادة القصيدة من جديد.

وتقول القصيدة:

ومرّ من ليله الحاني أوائله.. ومال منتصفا أو بعد منتصف

وألبست صحوات الطين غفوتها.. وأشعلت طلعة النجوى حشا كلف

وأسلمت جيدها أنثى لشاعرها.. ومسّحت كفّ خزّاف على خزف

وأرسل الفجر قبل الفجر نسمته.. تحنو على كبد مدّت على شغف

وضمّ كلّ حبيب ضلع كاتمه.. وطاب للصّمت أن يصغي لمعترف

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2013/01/03258147.jpg

فيما اعتبر الشاعر العماني سعيد المكتومي أن تداول القصائد على صفحات «فيس بوك»، معروف يقدم للشاعر إذا ما ذكر اسمه على النص لضمان حقوق كاتب القصيدة، وهذا جزء من ايجابيات وسائل التواصل الاجتماعي، كما ان تلك الوسائل تسهم في الوصول إلى متذوقي الشعر من الجيل الجديد الذي بات لا يمتلك الوقت لقراءة ديوان او حضور أمسية، وبالتالي البحث عن قصائد لشاعر واعادة نشرها من جديد يتماشى مع الحياة العصرية والنشر الالكتروني.

وتابع أنه لا يمتلك أي موقع تواصل على «فيس بوك» و«تويتر»، لأنه لا يمتلك الوقت الكافي لذلك، خصوصاً أنه يعمل في جامعة السلطان قابوس، ولديه الكثير من المشاركات والملتقيات والندوات التي تسهم في تحقيق جزء من ذلك التواصل.

أما الشاعرة السودانية منى حسن، فهي من مؤيدي تلك المواقع، بل تجدها ايجابية تضاف للشاعر من خلال كسرها حواجز العالم، فيمكن الوصول إلى اي شاعر في أي مكان في العالم، وبالتالي تستقبل اضافات لشعراء يمكن من خلالها تبادل المعلومات، ويمكن نشر النصوص التي قد وثقت «فمن يسرق منك لا يستطيع الكتابة مثلك».

وتؤكد الشاعرة مسألة مهمة هي الاستخدامات الخاطئة والتعامل غير الجاد مع تلك الوسائل، الأمر الذي أسهم في انتقال ما أسمته بـ«أمراض وعقد نفسية» من الوسط الواقعي إلى المواقع الالكترونية، مشيرة إلى أنها تتواصل مع متابعيها على «فيس بوك» و«تويتر»، بل وترد على ملاحظاتهم وتعليقاتهم وتتناقش معهم في إطار الايجابية والنقد البناء الراقي.

سرقة إلكترونية

الشاعر الإماراتي الدكتور طلال الجنيبي اتصل به صديق واخبره، الأسبوع الماضي، أن احدى القصائد التي ألقاها عندما كان يشارك في ملتقى بفرنسا نشرت على «فيس بوك» دون أن تنسب إليه، رغم ذلك فالجنيبي مع وجود الشاعر على «فيس بوك» و«تويتر»، لاسيما أنهما، كما يرى، «باب من ابواب الانتشار لدى شرائح مختلفة، بينهم الشباب المتذوق للشعر».

وقال الجنيبي لـ«الإمارات اليوم»، إن «نشر الأبيات كاملة لا ضير فيه، المشكلة في حفظ حقوق الشاعر الذي يعتبر تحدياً كبيرا في غياب الرقابة الفكرية، ليس فقط على تلك المواقع إنما استخدام القصائد والابيات في الاقتباسات دون الاشارة إلى كاتبها، فعلى سبيل المثال سمعت قصيدة لي تذاع كاملة من إحدى الاذاعات وطوال خمس دقائق من إلقاء المذيعة لم تشر إلى كاتب القصيدة إلا بعد انتهائها من القراءة».

من جانبها، أكدت الشاعرة والاعلامية الفلسطينية لينا أبوبكر أن «فيس بوك يعد بحد ذاته قاعدة جماهيرية جيدة، بات الجيل الحالي يستخدمها بكثرة، وانتشار القصيدة في تلك المواقع يمكن اعتباره اعترافاً شعبياً بالشعر الذي بات يصل إلى هموم الناس وينزل عن برجه النخبوي إلى الشارع العادي».

وتابعت ان «السرقة موجودة، سواء إلكترونياً او حتى ورقياً، في ظل غياب حفظ الحقوق، فلم لا يكون هناك (فيس بوك) و(تويتر) في حياة الشاعر للتواصل مع الناس، أما عن نفسي فاحتراماً للكتاب والديوان لا يجب نشر القصيدة كاملة».

ترف وتسطيح

الشاعر اليمني الشاب عبدالعزيز الزراعي أيد الرأي القائل بعدم النشر، معتبراً ذلك نوعاً من الترف الذي لم يعتد عليه، خصوصاً أنه لا يمتلك الكثير من الوقت للتردد على تلك المواقع.

رغم ذلك أكد الزراعي أهمية أن يكون للشاعر صفحة على «فيس بوك» للتواصل مع الشعراء، ويكوّن علاقات اجتماعية جيدة مع الموجودين في الموقع، دون نشر للقصائد أو النصوص، لأن في ذلك تسطيحاً للأعمال، خصوصاً بوجود من يقدم انتقادات سريعة وغير بناءة.

ختام وتكريم

إلى ذلك، اختتمت أول من أمس، فعاليات مهرجان الشارقة للشعر العربي في دورته الحادية عشرة، في قصر الثقافة، بأمسية أخيرة أحياها أربعة شعراء من الإمارات الدكتور طلال الجنيبي، والكويت ابراهيم الخالدي، والسودان منى حسن، ومن تونس جمال الصليعي. وكرم رئيس دائرة الثقافة والإعلام في الشارقة ومدير بيت الشعر، الشاعر محمد البريكي، المشاركين في المهرجان.

وبدأت الأمسية التي أخذت الطابع الانشادي والأداء التمثيلي المسرحي، بقصيدة الجنيبي «ابتسامة طفل» تلتها قصيدة «شوق الشوق»، وانفرد الجنيبي بتقديمه أسلوباً وجده كثيرون غريباً عن الاداء الشعري المعتاد، وهو أسلوب التوقيع الصوتي في قصيدة «أحدث عنك»، وهو نوع شبيه بالانشاد او الغناء، يعد علامة او توقيعاً للشاعر نفسه، وقال الجنيبي إن «التوقيع الصوتي جديد في الأداة، وقد أجريت عليه دراسات نقدية كثيرة، والمميز ان الاحاسيس تظهر في القصيدة، لأن كاتبها هو نفسه من يؤدي التوقيع الصوتي».

وتفاعل الحضور في اليوم الختامي مع قصائد «توقيعات قصيرة» للشاعر الكويتي ابراهيم الخالدي، الذي قدم عدداً من القصائد، منها قصيدة «الفتى الهاشمي» و«موظف البنك»، اما توقيـعات فكانت ممـيزة كونــها قصائـد قصيرة ذات مغزى إنساني عميــق منــها:

يقول دوماً: سأعيش حتى الثمانين

فإن سقطت في حفرة مغطاة بالقش في منتصف الطريق

فلا ذنب لي إن (عارضتني المقادر)

وبتحية ووقفة جميلة من الشاعرة السودانية منى حسن، لشارقة الابداع، بدأت الأخيرة قراءاتها بتحية وبرهافة واضحة قائلة:

ها جئت أرضكمو والشوق يهتف بي.. رفقاً بقلبك قد أدوى به الشغف

ها جئت من عزة السمراء طينتها.. لكن معدنها صافٍ ومختلف

سوداننا الحر لا تثنيه عاصفة.. بل يعقد العزم أن يبقى، وينصرفوا

ها جئت والنيل في قلبي يسيل سنا.. على السطور ويدعوني فأغترف

تويتر