موهبة تسطع وتختفي بسبب ظروف الحيـاة وعـدم القـدرة على التفرغ

سعيد الهرش: المســـرح لا يُطعم خبزاً

مسرحية «السموم» شـــاركت فـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــي مهرجان المسرحيات القصيرة. تصوير: تشاندرا بالان

رغم انطلاقته المبكرة في عالم الفن وتحديداً التمثيل المسرحي، فإن الإماراتي سعيد الهرش في حالة متذبذبة دائماً ما بين صعود وهبوط تارة، وبروز واختفاء تارة أخرى، إذ عزا الهرش أسباب تلك الحالة غير المستقرة له في الفن إلى طبيعة عمله في إحدى المؤسسات الحكومية، الأمر الذي حال دون تفرغه للمسرح.

وكنتيجة طبيعية فإن الغياب وعدم انتظام التواجد على خشبة المسرح، خصوصاً في المهرجانات المسرحية المهمة سواء في الشارقة أو دبي أو حتى المنطقة الشرقية، أثرا سلباً في نجومية الهرش، التي ما إن تبدأ بالظهور في أي عمل يقدمه حتى تخمد نتيجة الانقطاع والابتعاد عن المسرح.

إلا أن ما يميز الهرش ذلك الحضور الآسر على خشبة المسرح والقدرات الفنية الجيدة التي يستطيع من خلالها، ولو من مشهد واحد، أن يعيد ثقته بنفسه بل ويكسب احترام وإعجاب الجماهير المتفرجة، وظهر ذلك جلياً في مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، إذ شارك الهرش بعملين أحدهما مسرحية «السموم»، وهي من اخراجه وتمثيله، ومسرحية «الغولة» التي ترشح فيها الهرش لجائزة أفضل ممثل عن تجسيده دور الغولة.

وقال الهرش لـ«الإمارات اليوم» إن «المسرح لا يطعم خبزاً، لذلك من البديهي أن أركز في وظيفتي وتأدية واجبي ومسؤولياتي المهنية، لاسيما أن لدي عائلة، فإذا اعتمدت على المسرح فلن أوفر لهم شيئاً، غير اني من خلال أوقات فراغي أحاول اقتناص الفرصة للعودة من جديد إلى المسرح، خصوصاً أن أي ممثل جيد يستطيع وبسهولة ان يعود إلى ما يطلق عليه (الفورما) في العمل، لاسيما أنني من الاشخاص الذين يتفانون في العمل والاشتغال على النص والشخصية».

تجربة أولى

عروض قوية

أكد المسرحي سعيد الهرش، أنه تلقى عروضاً جادة بمجرد انتهائه من مهرجان الشارقة للمسرحيات القصيرة، منها عروض تلفزيونية، خصوصاً عملين دراميين يفترض أن يعرضا في شهر رمضان المقبل، إلا أنه لم يوافق على المشاركة في الأعمال وذلك لطبيعة عمله التي توجب عليه التفرغ الكامل.

وتابع الهرش أن «المهرجان وسيلة جيدة لإشراك الشباب الموهوبين في مجال التمثيل والاخراج، الأمر الذي يسهم في خدمة الحراك المسرحي الإماراتي وتطعيمه بالكوادر الفنية الجيدة».

يعتبر الهرش الذي كان أحد الممثلين المميزين في مهرجان المسرحيات القصيرة الذي أقيم أخيراً في مدينة كلباء، أن مشاركته في المهرجان كانت تجربة يمكن وصفها بالتجربة الرائعة، والتي من خلالها أظهر قدراته ليس فقط في مجال التمثيل فحسب إنما في الإخراج أيضاً، كونها تجربته الأولى التي رُشح بها في جائزة أفضل إخراج، وقال «عدم الانتظام والتواجد في المسرح حال دون نجوميتي التي أعمل على تحقيقها منذ ،1999 أي منذ انتسابي لمسرح الفجيرة القومي، كما يؤسفني أن أذكر أنني سأنقطع مجدداً عن المسرح لأكثر من ستة شهور، لأسباب مهنية بحتة»

وحول تجربته في مسرحية «الغولة»، أكد الهرش عشقه لمسرح الطفل الذي عمل فيه بأكثر من مسرحية وشارك في مهرجانات مسرح الطفل، الامر الذي ساعده على تكوين الشخصية وتجسيد الغولة التي هو نفسه يكرها، بصورة جيدة وطريقة يتقبلها الطفل نفسه، ما أسهم في حصول الهرش على الجائزة اليومية كأفضل ممثل وترشحه كذلك لجائزة المهرجان.

وتميزت مسرحية «الغولة» رغم بساطة الفكرة، بأن الرسالة الانسانية كانت واضحة ورؤية المخرجة دقيقة، لاسيما أن العناصر الفنية كانت متكاملة في العمل الذي لاقى استحسان المشاركين في الندوة التطبيقية، إذ أشادوا بالملابس والديكور وأداء الممثلين وتحديداً الهرش، الذي رفع من مستوى العمل والمنافسة في المهرجان من خلال تقمصه الدور وتمكنه من إبراز شخصية الغولة الشريرة بصورة غير مخيفة.

وتدور حكاية «لعبة الغولة»، حول ثورين أبيض وأسود، أدى دورهما الممثل خليل شامبيه وإبراهيم الزعابي، هما دائماً متلاصقان لا يفترقان كونهما صديقين، فيذهبان للمرعى معاً ويعودان في المساء معاً، حتى جاء اليوم الذي ادعى فيه الثعلب المكار الممثل إبراهيم العضب أنه صديق لهما، فصار يسايرهما ويجالسهما وفي نيته التغلب عليهما وافتراسهما، غير أن الثعلب لا يستطيع بمفرده التغلب على ثورين بهذه الضخامة، فقرر الاستعانة بالغولة الشريرة التي أدى دورها الفنان سعيد الهرش.

ظلم العمل

اعترف الهرش بشجاعته التي تميز بها وعفويته المطلقة بأنه من ظلم مسرحية «السموم» التي شارك بها مهرجان المسرحيات القصيرة، وذلك جراء حالة الشتات التي حصلت نتيجة مشاركته في التمثيل والاخراج في الوقت نفسه، إلا أن الهرش أكد أنه ليس مقرراً أن يمثل في المسرحية، وأن يكتفي بالاخراج، إلا أن الممثل الرئيس اعتذر في آخر لحظة، ولم يكن أمامه سوى الصعود على خشبة المسرح.

وقال الهرش إن «(السموم) تعد أولى تجاربي في الاخراج والتي أعتبرها جيدة على جميع الصعد، إذ تعبت كثيراً في الاشتغال على النص المعقد وهو نص للروائي والمسرحي السويدي أوغست سترينبيرج، إذ أمضيت فترة طويلة للعمل على اعداده بما يتناسب مع روح المهرجان، بعدها اشتغلت على إدارة الممثلين والمسرح، ولأني أمتلك خبرة جيدة في مجال السينوغرافيا والإضاءة فقد تمكنت من تحقيق رؤيتي الاخراجية».

وحول المشكلات التي واجهته حالة الشتات وعدم التوفيق بين التمثيل والاخراج، لاسيما أنه اشتغل على المشهد الأول كمخرج وأظهره بالصورة الجيدة من ناحية دخول الممثلين والاضاءة والمؤثرات الصوتية، إلا انه لم يتمكن من مواصلة الابداع كمخرج فور اعتلائه خشبة المسرح، كما انه لم يتمكن من التركيز على اخطائه وتحسين أداه كممثل كونه مخرج العمل.

حس فني

رغم أن الإضاءة كانت حاضرة بقوة في عمل السموم بل تكاد تكون إحدى مميزات العمل، إلا ان الهرش يعترف بأنه اشتغل على الإضاءة قبل العرض بيوم وحد، إلا ان التصور كان مرسوماً في ذهنه، ولم يعجز عن تنفيذه ما إن سمحت له الفرصة.

ولاقى عمل الهرش استحسان وقبول كثيرين لاسيما في الدخول والخروج الرائعين اللذين كشفا عن إمكانات هذا الشاب وحسه الفني العالي، كما كانت الإضاءة قمة في الجمال لاسيما أسلوب التلاعب الذي اتبعه المخرج في تلك الإضاءة، ومنها الحوار الذي كان جيمارد الفرنسي يؤديه ويوجهه إلى بقع الضوء المتنقلة من مكان إلى آخر، إضافة إلى السينوغرافيا الجميلة الخالية من التكلف والتعقيد.

واعتمد الهرش في رؤيته على ايجاد حوار فاعل بين الثقافات الذي هو سبيلنا نحو عالم أكثر أمناً وسلماً وجمالاً، إلا ان المشاركين في الندوة أكدوا أن تلك الرؤية لم تصل إلى المسرح، إذ كان من الواجب تقديم وتقريب النص إلى ذهن المتلقي العام، والذي نقلته المسرحية إلى المعتقلات الفرنسية في الجزائر، والممارسات التي كانت تمارس في حق الشعب من تعذيب وقمع.

تويتر