فاز بجائزة المجلس الثقافي البريطاني.. ودعا إلى عـــــدم استعجال الإعلام لخلق هوية وطنية

العتيبة: ضعف الميزانية يعيق صناعة الأفلام

محمد العتيبة: منطقتنا محظوظة إعلامياً لكنها بحاجة إلى الكُتّاب. تصوير: إريك أرازاس

قال رئيس «إيميج نيشن» أبوظبي محمد العتيبة، إن قطاع الإعلام في الدولة يعكس درجة عالية من الطموح والسعي لتحقيق المزيد من الرقي في الأداء باستخدام أفضل الأدوات ووسائل التدريب.

لكنه أكد أن «ضعف الميزانيات يعيق صناعة الأفلام». وعبر عن سعادته وفخره بالفوز في مسابقة جائزة المجلس الثقافي البريطاني الدولية الأولى لرواد الأعمال الشباب المبدعين في مجال الإعلام، التي نظمت حديثاً في الإمارات. مضيفاً «الفوز بمثل هذه الجائزة شرف كبير لي، خصوصاً انها جاءت من جهة ذات توجه معرفي مثل المركز البريطاني».

وأوضح العتيبة في حواره لـ«الإمارات اليوم» أن دخوله المسابقة «جاء عقب الاعلان عن فتح باب الترشح أمام كل من يعمل في قطاع الإعلان، وضمت المنافسة اسماء من أفضل الكوادر الإعلامية في الدولة وهو ما اكسبها قوة في المنافسة».

وحول رؤيته للمشهد الإعلامي العربي، اعتبر محمد العتيبة أن عدم وجود قيود اعلامية على تأسيس مؤسسات اعلامية ونشر اخبار أو محتوى، يعطي الفرصة للمشاهد لأن يختار القناة المفضلة لديه، او محطة الاذاعة او صفحة الانترنت التي يرغب في متابعتها من بين خيارات متعددة بشكل كبير، دون احتكار لثقافة معينة في المنطقة العربية والخليجية التي تتميز بانفتاحها على الثقافات الغربية كافة على تعددها، وايضاً الشرقية كالهندية والاردو وغيرهما، معرباً عن أمله أن يلتزم صناع الإعلام بالمسؤولية في العمل وطرح الموضوعات، والحرص على تضمين ما يقدم من محتوى في الاعلام جانبا معلوماتيا ثقافيا، وهو ما لا يتعارض مع الجانب الترفيهي. مشيراً إلى ان الجودة اصبحت من المقاييس المطلوبة في صناعة الإعلام، وتحظى بأهمية كبيرة في الأسواق الأجنبية، ولذلك يتم رصد ميزانيات ضخمة للبرامج والمواد التي يتم انتاجها هناك.

تحديات إعلامية

«ظل البحر»

قال رئيس «إيميج نيشن» أبوظبي محمد العتيبة إن فيلم «ظل البحر» نجح في اشهار الشركة، حيث وفرت له فريقا قويا لوضع خطة تسويقية، إلى جانب قوة فريق صناعة الفيلم. وأشار العتيبة إلى ان الادارة الجديدة للشركة تتبع حالياً توجهاً يعتمد على الاستفادة من تجربتها العالمية في تطوير قطاع الانتاج داخل الدولة، وجاء «ظل البحر» ليكون اول انتاج محلي 100٪ للشركة، فقد صور في رأس الخيمة، لكاتب ومخرج إماراتيين هما محمد حسن احمد ونواف الجناحي، بينما عكس تعدد جنسيات العاملين خلف الكاميرا ما يتميز به المجتمع من تعدد، وهو من العوامل التي تقوي العمل ولا تضعفه، ونجح الفيلم في ان يستمر في دور العرض لمدة ثلاثة اسابيع وهذا في حد ذاته نجاح عكس تجاوب الجمهور مع هذه المبادرة، ما يجعله بداية ايجابية لتقديم مزيد من الافلام بموضوعات متعددة، وإعطاء فرصة أكبر للكوادر الإماراتية.

«ظل البحر» أول فيلم من انتاج محلي لشركة «إيميج نيشن». أرشيفية

العتيبة أشار أيضاً إلى أن ضعف الميزانيات من اهم التحديات التي تواجه صناعة الافلام والمحتوى الاعلامي في منطقة الشرق الأوسط، نظراً لطبيعة الاوضاع فيها، وصغر السوق فيها مقارنة بالسوق الاعلامية في الغرب، وهو ما ينعكس على عائدات تسويق المواد الاعلامية والدرامية، مستدركاً أنه بشكل عام يشعر بالتفاؤل، لافتاً إلى ان هناك اهتماماً الآن بالجودة في منطقة الخليج ودولة الامارات تحديداً، وهو ما رافقه ارتفاع الوعي لدى العاملين في مجال الاعلام بشكل عام بأهمية الجودة، وأهمية ان يشارك الشباب في انتاج المحتوى بشكل اعلامي، وساعد على ذلك وجود شركات مثل «ايميج نيشن» و«توفور 54»، وكذلك وجود شبكات التواصل الاجتماعي بما تتيحه من فرصة لتبادل الحوار مع المحتوى نفسه.

كذلك دعا رئيس «ايميج نيشن» إلى عدم التعجل في مطالبة وسائل الاعلام وصناع الافلام بخلق هوية وطنية ومحلية لما يقدمونه بالكامل. موضحاً ان الهوية باتت من ابرز التحديات التي تواجه هذا المجال، خصوصاً في ظل الانفتاح الذي تشهده المنطقة وتعدد الخيارات أمام المشاهد الاماراتي والخليجي، ما يزيد من قوة المنافسة، ويفرض على وسائل الاعلام المحلية تقديم محتوى قادر على المنافسة. وأضاف «اذا نظرنا إلى تاريخ الهوية الاجنبية سواء الفرنسية او الإنجليزية، نجد انها اخذت فرصة ومساحة من الوقت حتى تتبلور، مثلاً في فرنسا، وضعوا قيوداً على محطات التلفزيون الحكومية، من بينها ان تخصص نسبة محددة من ارسالها للمحتوى الفرنسي، مع اقامة مؤسسات تمول منتجي افلام السينما والأعمال التلفزيونية بما يحافظ على الهوية واللغة الفرنسية مثل مؤسسة (سي ان سي) التي تصل ميزانيتها إلى 700 مليون يورو، وهو مبلغ مؤثر في تثبيت الثقافة الفرنسية»، مشيراً إلى أننا «في الوطن العربي يمكن ان نتعلم من هذه النماذج لحماية الهوية واللغة، ولكن علينا ايضا اعطاء الفرصة وعدم الاستعجال، فلدينا شباب طموح لأن يقدم افلاماً واعمالاً تلفزيونية وعلى شبكة الانترنت، وجهودهم مشكورة لكنها تحتاج إلى صقل وتطوير خصوصاً في مهارات الكتابة التي يجب ان تكون مبتكرة، وتطرح موضوعات مهمة، وهذا يحتاج إلى وقت».

النص أولاً

محمد العتيبة الذي قدم أيضاً تجارب في مجال صناعة الأفلام، أكد ان الساحة المحلية مازالت في حاجة إلى المزيد من الكتاب، فهناك عدد جيد اثبت قدرته في انتاج وطرح قصة في الأفلام القصيرة، لكنهم يحتاجون إلى تطوير وصقل مهاراتهم، خصوصاً أن النص الجيد هو الاهم في العمل، وهو الذي يوجه الفريق في ما بعد، ويظل استخدام احدث التقنيات مثل احدث الكاميرات أو اجهزة الصوت قد يساعد على تجويد العمل، ولكنه ليس الأساس، مشيراً إلى عدم وجود مؤسسة تطرح برامج مستمرة لورش الكتابة، تسهم في تطوير ثقافة القراءة والكتابة، وكذلك كتابة نص متخصص للشاشة، مع ضرورة ايجاد نظام مستمر يعمل بطريقة واضحة لإنتاج المحتوى الابداعي، والتواصل مع صانعيه. كذلك دعا العتيبة إلى مراعاة التوازن بين التوقعات وبين واقع السوق المحلية، موضحاً أن «سوقنا صغيرة جداً، رغم انها الأكبر من حيث عدد دور السينما، حيث وصلنا إلى ما يقرب 200 شاشة سينما في الإمارات، وهو اكبر من عدد شاشات السينما في مصر التي تعد أكبر سوق لهذه الصناعة في المنطقة نظراً لعدد السكان فيها، وثقافتها الراسخة في انتاج الأفلام والقراءة، فهي دولة مستقرة عبر قرون، إلى جانب ريادتها في اللغة العربية، ما مكنها من القيام بدور مهم للمجتمع العربي، ونحن كدولة ناشئة مازلنا نحتاج إلى مزيد من الوقت وسنصل إلى ان يكون لدينا مهارات لإدارة مشروعات اكبر من انتاج الأفلام القصيرة»، وقال العتيبة «نحن نطمح إلى ان تكون لدينا ضوابط عالمية تضبط قطاع الاعلام الذي اصبح عالمياً وليس محلياً او اقليمياً، كما علينا ان نستفيد من التجارب العالمية، ونثبت هذه الضوابط حتى نصل إلى قطاع مستدام، وقد نجحت (ايميج نيشن) من خلال انتاجها لفيلم (ظل البحر)، ما يمنح الثقة للمؤسسات والافراد لدعم قطاع صناعة الأفلام او الأعمال الدرامية».

صناعة سينما

من ناحية أخرى، اعتبر العتيبة انه ليست هناك قيود او صعوبات أمام انتاج فيلم تجاري إماراتي. وقال «نحن في مرحلة التأسيس لهذه الخطوة، من خلال مؤسسات مثل (توفور 54)، و(ايميج نيشن) ودبي للإعلام، وكذلك مهرجانات السينما مثل ابوظبي ودبي، فهناك توجه للعمل المشترك ووضع خطط تأسيسية وهيكلة شاملة من الألف إلى الياء لصناعة سينما وأفلام محلية، في ظل وجود طاقم تسويق وتوزيع يكمل عملية انتاج الأفلام»، لافتاً إلى أن الشباب الذين لديهم الطموح لتقديم فيلم، يركزون على عملية الانتاج دون خطة ترويجية، رغم ان هذا الأمر يحتاج إلى جهد قد يوازي إنتاج فيلم، حتى يكون هناك عائد ومن دونه لن تكون هناك صناعة سينما.

 

معايير عالمية

عن فيلم «جن» الذي تقوم «ايميج نيشن» بإنتاجه حالياً، ذكر محمد العتيبة ان الفيلم في مرحلة ما بعد الانتاج، وهو فيلم رعب بلمسات محلية وعربية، وتتوافر فيه ضوابط القصة التي تتماشى مع الضوابط العالمية. موضحاً انه عند اختيار فيلم محلي تراعى معايير الجودة والتميز، لكنها تختلف عن تلك التي يجب ان تتوافر في الأفلام العالمية التي تنتجها الشركة، مراعاة للقدرات المحلية الناشئة واتاحة فرصة لها، ومراعاة لطبيعة السوق المحلية، وفي الوقت نفسه تعمل الشركة على تطوير الطرق والاساليب حتى يستطيع المنتج الاماراتي اذا خرج للعالم ان يتنافس وينجح، خصوصاً الناشئ الذي لم يقدم تجربة فيلم طويل، حيث تلجأ الشركة إلى تقليل الميزانية بحيث تكون مغامرة محسوبة. مشيراً إلى انه «خلال الاشهر المقبلة سيعلن عن مشروع او اثنين لأفلام طويلة بميزانية صغيرة».

وعن معايير اختيار الأفلام العالمية، اعتبر رئيس «ايميج نيشن» ان الشركة قد وفقت فيما قدمته من أفلام في تحقيق التوازن بين اختيار قصص لها رسائل وقيم عالمية، وفي الوقت نفسه تنجح تجاريا وتفوز بجوائز مثل فيلم «ذا هلب» الذي رشح لأربع جوائز اوسكار، وحصل على جائزة أفضل ممثلة مساعدة. مؤكداً ان «ايميج نيشن» تمتلك حق التدخل بشكل مباشر في اختيار المضمون والكوادر في الأفلام التي تشارك في انتاجها، «نحن نقرأ السيناريوهات قبل اعطاء الضوء الاخضر، ونعطي آراءنا في اختيار فريق العمل، وشركاؤنا في الخارج مهتمون بالحفاظ على التعاون بيننا، وكثيراً ما يحضرون للإمارات ونعقد لقاءات لهم مع الشباب من صناع الأفلام».

تجربة ثرية

من جهة أخرى، أفاد محمد العتيبة بأن التحاقه بالسلك الدبلوماسي الذي عمل به لمدة 10 سنوات، أفاده كثيراً، رغم انه لم يدرك مدى عمق تأثير هذه التجربة فيه خلال معايشته لها. مضيفاً «عملت اول خمس سنوات لي في نيويورك في بعثة الامارات في الامم المتحدة، وكان وجودي في نيويورك له تأثير كبير في اتجاه صناعة الأفلام، فهي قبلة محبي السينما وصناعة الافلام المستقلة، وثقافتها مختلفة كمجتمع يضم جنسيات وعرقيات متعددة، ووجود الامم المتحدة بها منحها لمسة دولية أكثر من غيرها من المدن الاميركية، وخلال اوقات فراغي هناك التحقت بدورات في انتاج الأفلام، ومنذ البداية احببت الموضوع، خصوصاً أنني منذ صغري كنت احب القصص ومشاهدة الافلام ولدي كاميرا التقط بها الصور، ولدي شغف بتسجيل اللحظات بشكل مرئي، وكان هناك تشجيع من الاسرة والمدرسة، كما أن عملي في الأمم المتحدة التي تضم أكثر من 200 جنسية تحت سقف واحد، وتناقش قضايا العالم كله، كل ذلك فتح عيني واعطاني نظرة عالمية وإدراك ان الفيلم ليس اقليمياً، قد يكون الموضوع محلياً لكن القطاع نفسه عالمي، فلا يوجد حاجز ثقافي او لغوي يمنعنا من ان نشاهد افلام من كوريا واليابان ونستمتع بها، كما ان تجربتي في سفارة الإمارات في الصين، وهي تشرف على دولتي مانغوليا وفيتنام فتحت عيني على ثقافات ولغات مختلفة».

«يوميات أفغانية»

العتيبة أوضح أيضاً أن مشواره مع انتاج وكتابة الأفلام بدأ من خلال فيلم «يوميات أفغانية»، وهو فيلم مدته نصف ساعة ويتناول تأثير الافيون على الحياة في افغانستان، واستغرق تصويره سنة كاملة، سافر فيها إلى أفغانستان وتعرف هناك إلى ضحايا الإدمان، حيث المجتمع والثقافة تختلف على أرض الواقع عن كل ما يكتب، وحاز الفيلم ميدالية برونزية في مهرجان نيويورك السينمائي 2005 ، وفي العام نفسه عُرض في مهرجان «سي» السينمائي في بريغتون. أما التجربة الثانية فجاءت من خلال مسابقة افلام قصيرة اطلقتها لجنة ابوظبي للأفلام عام 2009 بعنوان «افلام قصيرة»، تقدم إليها بنص فيلم «الميتم»، واستطاع ان يكون أحد الفائزين الستة بها، الذين حصل كل منهم على 100 الف درهم لإنتاج فيلمه، بعد ان التحقوا بدورة لمدة ستة أشهر مع لجنة استشارية لتطوير نصوصهم، ثم تم توزيع الفائزين الستة على شركات انتاج في الدولة، حيث عمل العتيبة مع شركة «بوم تون برودكشن»، بينما قامت شركة «بي كي بي» بإعداد موسيقى الفيلم الذي عرض في مهرجان سينمائي في المكسيك في يوليو الماضي، وسيعرض الشهر المقبل في مهرجان ابوظبي السينمائي في اول عرض له داخل الامارات. و«الميتم» فيلم رعب يعتمد على الاثارة السيكولوجية، وتدور احداثه في دار للأيتام يشهد اختفاء بعض الاطفال ويأتي محقق صحفي للتحقيق في هذه الجرائم.

كذلك يعمل العتيبة على التحضير لفيلم قصير عن الحاضر والماضي والجديد والقديم في ابوظبي، وهو فيلم روائي يتناول قصة انسانية من خلال سائق سيارة اجرة قديمة يجد صعوبة في التأقلم مع الجديد، ويبدأ تصويره الأسابيع المقبلة.

تويتر