رغم انتشارها مازالت تعاني السلبيات

الدراما المحلية في مفـترق طرق

الدراما الإماراتية تعيش تحديات عدة. الإمارات اليوم

هل باتت الدراما المحلية تقف عند مفترق طرق؟ يبدو ان الانتشار الذي استطاعت ان تحققه الدراما الخليجية في الفترة الاخيرة وضع الدراما المحلية بين خيارين، الاول ان تمنح المزيد من التركيز والاهتمام للقضايا المحلية في المجتمع الإماراتي، وتعمل على ابراز الهوية واللهجة المحلية، لتخلق لنفسها لونها الخاص، لتكتسب نجاحها من ارتباطها بواقعها ومدى قدرتها على التعبير عنه. أما الخيار الآخر فهو ان تهرب من الانغماس في المحلية، وتميل إلى الطابع الخليجي العام في ما تتناوله من قضايا وموضوعات، حتى تستطيع ان تسوّق نفسها لدى القنوات الفضائية الخليجية او العربية، خصوصاً بعد ان صارت كثير من القنوات الفضائية تتعامل مع الاعمال الدرامية من منطلق تجاري بحت، وتضع معايير لما تشتريه وتعرضه من أعمال، دون ان تهتم بما يتعلق بالحفاظ على الهوية أو تسويق المنتج المحلي والخليجي، في الوقت الذي افتقدت الساحة وجود قنوات حكومية تتبنى انتاج وعرض الاعمال الدرامية ودعم صناعة الدراما المحلية.

من جانب آخر؛ من الصعب ان يتعامل صناع الدراما الخليجية مع الجدل الدائر حول الاعمال الخليجية حالياً، باعتباره «هوجة» ستنتهي او «اتهامات مغرضة لا تستند إلى اساس»، رغم قسوة هذا الهجوم واتجاهه إلى التعميم الذي يقلل من موضوعيته في كثير من الاحيان، فالمتابع للدراما الخليجية لا يستطيع ان يغفل ما حققته من حضور على الساحة، وانتشار عبر القنوات الخليجية المختلفة، بل تجاوزتها إلى الفضائيات العربية. وفي ما يتعلق بالمضمون؛ باتت الاعمال الخليجية أكثر جرأة وقدرة على طرح قضايا وموضوعات تندرج تحت ما يعرف بـ«المسكوت عنه في المجتمع»، والالتفات إلى قضايا بعض الفئات في المجتمع، مثل المرأة وذوي الاعاقة. لكن في المقابل، مازالت الدراما الخليجية تعاني سلبيات لا يمكن تجاهلها، فرغم ما شهدته من تطور في النواحي الفنية كالإخراج والاداء والصوت والاضاءة، إلا ان هذا التطور مازال غير كافٍ، ومازال يتضمن الكثير من الاخطاء والسقطات التي تحتاج إلى المزيد من المهنية والخبرة، وهو ما ينصب أيضا على الاداء التمثيلي للفنانين الشباب الذي راوح بين المبالغة الواضحة والانفعال الزائد من جهة، والبرود والخلو من المشاعر والاحاسيس الصادقة التي تنبع من التفاعل والتوحد مع النص من جهة اخرى.

أيضاً مازال الديكور من عوامل الضعف البارزة في الدراما الخليجية، فهو غالبا منسلخ تماماً عن مضمون العمل، ولا يعبر إلا عن ولع صناع المسلسل بمظاهر الترف وحياة القصور بصرف النظر عن مضمون العمل، وعن الحالة الاقتصادية والاجتماعية لأبطال العمل، فقد تكون الاسرة غارقة في الديون، او ذات مستوى متوسط، وتتناول الاحداث معاناتها الاقتصادية، ورغم ذلك نجدها تعيش في منزل فخم بديكورات مرفهة من الممكن ان ينهي معاناة الاسرة مع الديون اذا ما باعت هذا المنزل والانتقال إلى منزل اصغر يتناسب مع حالة الاسرة الاقتصادية، وبالتالي يتحول الديكور من عنصر مساعد في العمل إلى نقطة ضعف تقلل من صدقيته، بل ومادة للتندر بين المشاهدين الذين اصبحوا اكثر قدرة على نقد ما يقدم لهم من أعمال.

ورغم اتجاه الدراما الخليجية في السنوات الاخيرة لمناقشة قضايا اجتماعية جريئة، إلا ان التناول جاء في بعض الاحيان غير متوازن، فركزت الاحداث على النماذج السلبية في المجتمع، دون ان تعرض نماذج ايجابية، ما يعطي انطباعاً لدى الكثيرين بالتعميم، مع الاسهاب في استخدام العبارات الجريئة والمشاهد التي تستفز شريحة كبيرة من المشاهدين الخليجيين، لما تمثله من خروج عن عادات وتقاليد المجتمع المحافظ بطبعه، مثل مشاهد الرقص التي صارت تتكرر في كثير من المسلسلات بصورة مقحمة ومستفزة، ما اعطى لهذه الاعمال طابعاً تجارياً يقلل من قيمة ما تطرحه من قضايا. بينما واصلت اعمال اخرى ابتعادها عن الواقع واختارت التركيز على المآسي والصراخ والعويل وقصص الخيانة والحب الضائع التي مل منها المشاهد، ولم تعد تقنعه او تمس مشاعره، لما فيها من مبالغات وانفصام عن الواقع اليومي في مجتمعها، إلى جانب ما تقدمه للمشاهد من صورة غير واقعية عن المجتمع الخليجي، وتؤثر سلبياً في تفكير وتصرفات الاجيال الجديدة من الاطفال والمراهقين، وهو ما حذر منه استاذ علم النفس الكويتي د. مروان المطوع، موضحاً أن المسلسلات التلفزيونية الخليجية تصنع عند الطفل حالة من الصراع النفسي لما تتضمنه من جرعة ليست قليلة من القيم السلبية، منها العدوان اللفظي، وتجاهلها تقديم الصفات الإيجابية للمشاهد، إلى جانب طرحها المشكلات دون ايجاد حلول لها، فيجد المشاهد نفسه أمام سلسلة متتالية من مشاهد الضرب والخيانة والصراخ والغنى الفاحش، وكل هذه أمور ذات تأثير سلبي في الطفل، ولا تعرض له النواحي الايجابية في مجتمعه.

وشدد المطوع على أن أخطر المراحل التي يمر بها الأطفال من سن 7 إلى 11 سنة، وهذه المرحلة بالنسبة للأطفال هي مرحلة رؤية الواقع وتقليد الكبار في ما يفعلون، ومشاهدته الأعمال الدرامية تعطيه دافعاً للتقليد، سواء كانت أعمالاً ايجابية او سلبية، حيث أثبتت الدراسات أن مشاهدة الطفل الأعمال الدرامية والخليجية تسبب له الخمول في التفكير والإبداع، بحسب ما أشار في ندوة شارك بها. لافتاً إلى ان أغلب الأعمال تقدم فقط للكسب التجاري من دون مراعاة تأثيرها السلبي أو الايجابي، موصياً بأن تعرض الأعمال على لجنة نقدية نفسية متخصصة، حتى تتأكد من جودتها والسماح بعرضها من عدمه، حلاً لمعالجة سلبية الأعمال الدرامية.

تويتر