السعي وراء الربح صنع معايير جديدة للفن

فنانون: كثرة «الفضائيات» تقف أمام تطوّر الدراما

كثرة المحطات الفضائية والأعمال الدرامية تحير المشاهد العربي. الإمارات اليوم

المنافسة الحامية بين الأعمال الدرامية التي تشهدها الفضائيات العربية منذ انطلاق شهر رمضان، وضعت المشاهد في حيرة شديدة، وبات من الصعب عليه أن يحدد بين كل هذا الكم المعروض من المسلسلات ما الذي يرغب في مشاهدته، وعلى أي قناة وفي أي توقيت، خصوصاً في ظل ازدياد عدد القنوات الفضائية، واتجاه بعض المحطات إلى افتتاح قنوات جديدة خاصة بالدراما أو المسلسلات، او قناة إضافية تعيد عرض الأعمال نفسها التي تعرضها القناة الرئيسة في توقيت لاحق. ولكن وسط هذا الزخم الدرامي و«الفضائي» يبرز تساؤل: هل أسهمت الزيادة الكبيرة والمطردة في عدد الفضائيات العربية في الارتفاع بمستوى الانتاج العربي من الدراما، ام أنه جاء بنتائج عكسية في هذا المجال؟ فقد أصبحت القنوات تقبل بكل ما يعرض عليها من أعمال، وغابت الانتقائية في ما تختاره من أجل ان تملأ ساعات الإرسال الطويلة، وان تحصل على نصيب من كعكة الإعلانات.

تزايد مستمر

ارتفع عدد القنوات التلفزيونية الفضائية المجانية في العالم العربي، بنسبة 19.3٪ خلال عام ليصل إلى 642 قناة فضائية بنهاية الربع الأول من العام الجاري، مقابل 538 قناة خلال الفترة المقابلة من العام الماضي، وفقاً للتقرير السنوي لمجموعة «أراب أدفايزور» للأبحاث والدراسات المتخصصة في قطاع الاتصالات والإعلام.

وذكر التقرير أن عدد القنوات التلفزيونية المجانية الفضائية، التي تستهدف المنطقة العربية مستمر في النمو، فقد ازداد عدد القنوات التلفزيونية الفضائية المجانية بنسبة 542٪، خلال الفترة من يناير 2004 إلى مارس .2012 وكشف التقرير أن القنوات الفضائية الخاصة شكلت نحو 75٪ من مجموع القنوات الفضائية، نتيجة تأثير تحرير القطاعات السمعية والبصرية في المنطقة.

الفنان نور الشريف الذي يعد ضيفاً دائماً في الدراما الرمضانية ويشارك في موسم هذا العام بمسلسل «عرفة البحر»، يرى ان تعدد القنوات الفضائية لم يسهم في تطوير الفن والدراما، بل على العكس كان من ضمن أسباب عدم تطور الدراما بسبب إقبال الفضائيات على عرض العمال بصرف النظر عن مستواها الفني أو ما تعرضه من قضايا وأفكار، معبراً عن حزنه للمستوى الضعيف الذي وصلت إليه بعض الأعمال في السنوات الأخيرة، وما باتت تحمله من مشاهد قاسية وألفاظ جارحة بحجة نقل الواقع كما هو، ومناقشة قضايا الفقراء والعشوائيات. في الوقت نفسه اعتبر الشريف ان من إيجابيات تعدد الفضائيات العربية إتاحتها الفرصة لعرض كل أنواع الدراما مثل السورية والخليجية والمغاربية وحتى التركية، وهو ما أسهم في نشر اللهجات العربية المختلفة وتقريبها من الناس، وفي الوقت نفسه خلق حالة من المنافسة الفنية. كما رفض تزاحم الأعمال الدرامية على العرض في شهر رمضان فقط، وهو ما يحوله إلى «مذبحة لهذه المسلسلات وللمشاركين فيها».

في حين اعتبر الفنان الكويتي عبدالعزيز المسلم إيجابيات تعدد القنوات الفضائية أكثر من سلبياتها، خصوصاً بالنسبة للدراما الخليجية، فقد أسهمت هذه الفضائيات في دفع صناعة الدراما وتشجيعها، من خلال تشجيع المئات من الفنانين والفنيين على العمل في هذا المجال، وكذلك جذب رؤوس الاموال للمشاركة في الانتاج الدرامي، ما حقق رواجا دراميا مفيدا، مشيراً إلى ان زيادة الانتاج الدرامي لم يكن في البداية مرتبطا بالجودة، ولكن مع الوقت بدأت القنوات الخليجية في الانتباه إلى اهمية انتقاء الاعمال التي تقدمها للمشاهد حتى تتمكن من المنافسة والنجاح، وهو ما انعكس على المعروض، حيث تراجعت الاعمال ذات السمة التجارية، وباتت هناك أعمال جيدة تناقش قضايا مهمة بأسلوب فني متميز.

بينما أشارت الفنانة دلال عبدالعزيز التي تشارك في شهر رمضان الجاري بثلاثة أعمال من ابرزها مسلسل «الهروب» الذي يعرض على قناة أبوظبي، إلى ان كثرة القنوات الفضائية وغياب التنسيق بينها، وتسابق المنتجين لتسويق المسلسلات لأكبر عدد من القنوات، قد يساعد على تحقيق الانتشار للعمل وللفنان، ولكنه في أحيان أخرى قد «يحرق» الفنان إذا لم يخطط لظهوره جيداً، ويدقق في اختيار الشخصيات التي يقدمها حتى لا يكرر نفسه ويمل منه المشاهد، معتبرة ان عرض الأعمال الدرامية على أكثر من فضائية في مصلحة الممثل والعمل في الوقت نفسه، لأن الأعمال التي تعرض في رمضان تحظى بنسبة مشاهدة عالية، ولكن في الوقت نفسه غالباً ما تكون متابعة المشاهد لهذه الاعمال متقطعة ومشوشة، وقد تقتصر على مشاهد خاطفة من هنا وهناك، نتيجة كثرة المعروض، وهناك أعمال كثيرة عرضت في رمضان ولم يشاهد منها إلا حلقات قليلة، وبالتالي من الأفضل إعادة عرضها بعد رمضان.

من جانبها، تجد الفنانة الكويتية باسمة حمادة أن انتشار الفضائيات وتعددها كان له تأثير إيجابي على الفنانين، إذ أسهم في انتشارهم وتعريف الجمهور بهم على مستوى جغرافي اكثر اتساعاً، كما خلق حالة من النشاط الانتاجي، لكنه في المقابل أدى إلى ضياع المسلسلات والأعمال في الزحام، بحيث لا تجد الانتشار الذي يتناسب مع جودتها، معتبرة ان السنوات التي سبقت ظهور القنوات الفضائية كانت أفضل للأعمال الدرامية التي كانت قليلة، ولكنها كانت تحظى باهتمام كبير ومتابعة جادة من المشاهد.

في حين اعتبر المخرج محمد فاضل ان كثرة الفضائيات أدت إلى تعامل بعض صناع الدراما معها باعتبارها تجارة، واتجه بعضهم إلى التركيز على الربح المادي على حساب الجودة والفن الراقي، وهؤلاء هم السبب الرئيس في ضعف مستوى الدراما في السنوات الماضية. بينما يرى الكاتب يسري الجندي ان كثرة الفضائيات وأسلوبها في التعامل مع الدراما باعتبارها تجارة أدى إلى خلق معايير مختلفة لتقييم الاعمال الفنية لا تعتمد على جودة العمل بقدر ما تعتمد على تقديم خلطة ضعيفة ومتدنية ترضي سوق الاعلانات، وتحقق اكبر ربح مادي ممكن، بصرف النظر عما يمكن ان تسببه من تراجع مستوى صناعة الفن في الوطن العربي كله.

تويتر