مختصون حذروا من سوء استخدام مواقع التواصـــــــل وغياب الحوار في العائلة.. وأهالي يؤكدون:

الدراما الهابطة تشجـع فتيات على الهروب

تأثير الأعمال الدرامية والإعلام الهابط يروج أفكاراً وقيماً مخالفة لعاداتنا. غيتي

حذر مختصون من أن التفكك الأسري والعنف، وغياب الرقابة، وضعف الوازع الديني، وصديقات السوء، وغياب التواصل والتفاهم بين الوالدين، والتقليد الأعمى للدراما الهابطة، كلها عوامل قد تشجع الفتيات على الهروب من منازل ذويهن، مطالبين بتشديد رقابة الأهالي على أبنائهم من جميع المؤثرات السلبية، والعمل على إشباع حاجاتهم العاطفية والنفسية، والاستماع إلى مشكلاتهم، في المقابل رأت أسر أن الدراما الأجنبية الهابطة تشجع الفتيات على الهروب، بدعوى الأوهام العاطفية، مطالبين بتشديد الرقابة على عرض تلك الدراما التي تبث نماذج شاذة من العلاقات الاجتماعية المخالفة لتقاليد وعادات المجتمع.

ردود الفعل هذه جاءت على خلفية تمكن شرطة الشارقة، أخيراً، من العثور على فتاة عمرها 14 عاماً، بعد تغيبها عن منزل ذويها في يونيو الماضي، حين اعتقد ذووها أنها تعرضت للاختطاف من قبل مجهول، ثم تبين أنها تسكن في غرفة فندقية بإمارة الفجيرة، استأجرتها بواسطة بطاقة هوية تعود لوالدتها.

وتم ضبط الفتاة، بالتعاون مع شرطة الفجيرة، واستعادتها لإدارة شرطة المنطقة الشرقية، وحسب أقوال الفتاة خلال التحقيق معها، أنها غادرت منزل ذويها بمحض إرادتها، وتوجهت الى صالون نسائي، واستكملت زينتها، ثم استقلت سيارة أجرة إلى الفجيرة.

وأوضحت الفتاة أنها قامت بذلك تحدياً لأسرتها، التي رفضت ارتباطها بشاب يبلغ من العمر 18 عاماً، تعرفت إليه عن طريق موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، منذ ثمانية أشهر، واتصل بوالدتها طالباً يدها، إلا أن والدة الفتاة رفضت طلبه.

مشكلات أسرية

علاقات عشوائية

أكد بيان لشرطة الشارقة حول واقعة هروب إحدى الفتيات، أخيراً، ضرورة حرص الاسر على أبنائها وبناتها، ومراقبة اتصالاتهم وعلاقاتهم، والحد من العلاقات العشوائية التي تنشأ مصادفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، مع أشخاص لا تتوافر أي معلومات عنهم أو معرفة مسبقة بهم. ودعا الشباب إلى الامتناع عن السلوكيات والتصرفات التي تعد خروجاً على الأعراف والتقاليد، واستهانة بالقيم والمعتقدات، مشدداً ضرورة الالتزام بقيم المجتمع، واحترام خصوصيات وحرمات الناس من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم استخدام هذه الوسائل في إثارة البلبلة وإطلاق الشائعات من نسج خيالهم، من دون مراعاة لنتائجها الاجتماعية السلبية.

لا توجد إحصائية محددة حول عدد الفتيات الهاربات من منازلهن في الدولة، إلا أن كثيراً من المصادر الرسمية تؤكد أنها لا تشكل ظاهرة مقلقة، وأكدت ورقة عمل حول «دور إدارة مراكز الدعم الاجتماعي في حل المشكلات الاجتماعية» قدمت في مؤتمر عقد أخيراً في أبوظبي أن تغيب الفتيات والشروع في الانتحار يعدان من أهم المشكلات التي تستقبلها مراكز الدعم، وهي تعود إلى نزاعات ومشكلات أسرية، وعدم وجود القدوة، و غياب الأب أو الأم عن الأبناء.

ورأت أسر مواطنة، ومقيمة، أن التأثير السلبي للدراما الأجنبية يلعب دوراً في تشجيع بعض الفتيات على تقليد ما تقدمه من محتوى فني مخالف للقيم والتقاليد، إذ تقول المواطنة (أم سيف) إن الدراما الأجنبية تقدم نماذج شاذة تخالف تقاليد وعادات مجتمعنا، مشيرة إلى أنه «لا يخلو مسلسل يعرض حالياً من علاقة غير شرعية أو حمل سفاح أو تصوير الحب على انه مغامرة سهلة بلا تبعات، أو أن الحبيب دائماً يخاف على حبيبته ويحميها، وهو ما يشجع الفتيات، خصوصاً صغيرات السن، على إقامة علاقات مع شباب عبر مواقع التواصل الاجتماعي والهروب معهم بدعوى هذا الحب»، محذرة من «إهمال الأسر في مراقبة أبنائها».

من جانبه، يشير المواطن (بوحمدان) إلى أن «كثيراً من العوائل تجلس مع أبنائها سوياً لمشاهدة مثل المسلسلات الهدامة من دون اكتراث لتأثيرها السلبي في سلوكياتهم، والبعض يترك أبناءه، ومنهم فتيات صغيرات السن، لمشاهدتها من دون رقابة»، داعيا الأسر إلى «الحذر والانتباه في مراقبة المحتوى الإعلامي الذي يشاهده أبناؤهم، خوفاً من تقليد ما يجلبه من سلوكيات ونماذج تختلف عن قيم وتقاليد المجتمع».

وترى (أم محمد) أن انتشار المسلسلات التركية المدبلجة باللغة العربية التي حظيت بأعلى نسبة مشاهدة خلال السنوات الأخيرة «كان على رأس العوامل التي تسببت في هروب بعض الفتيات من منازلهن للزواج أو إقامة علاقة عاطفية مع شباب»، مشيرة إلى أن تلك المسلسلات «أظهرت العلاقات غير المشروعة بين أبطالها على أنها علاقات سوية، وهو ما دفع البعض إلى تقليدها، إضافة إلى عوامل غياب رقابة الأسر والتفكك وسوء المعاملة والتربية»، مشيرة إلى أهمية «تعزيز تواصل الأسر مع الأبناء وزيادة برامج التوعية الاجتماعية والدينية».

المستشار الأسري عيسى المسكري، قال إن هناك مجموعة من العوامل النفسية والأسرية تدفع الفتاة إلى التفكير في الهروب من منزل ذويها، في مقدمتها حاجاتها إلى الإشباع العاطفي والمعنوي والبحث عن التقدير والحب الذي لا تجده في منزل والدها، إضافة إلى احتكاكها بصديقات ورفيقات السوء اللاتي يمثلن عاملاً خطراً في تشجيعها على الهروب، بدعوى الارتباط بشريك حياتها، إذ يؤدي ما تستمع إليه منهن من قصص وروايات عاطفية غير واقعية ومضللة إلى التفكير في تقليدها من دون وعي.

ورأى أن غياب التربية السليمة والوازع الديني وغياب الأبوين تمثل عوامل رئيسة في خلق بيئة مساعدة تدفع الفتاة إلى الهروب، إضافة إلى تأثير الأعمال الدرامية والإعلام الهابط الذي يروج أفكاراً وقيماً مخالفة لعاداتنا، داعيا الأسر إلى التواصل مع أبنائها، وزيادة مساحة الحوار المتبادل معهم، وتشديد المتابعة والمراقبة لسلوكيات وتصرفات الأبناء، عبر التوجيه والإرشاد وغرس القيم والمبادئ الاجتماعية السليمة في نفوسهم.

غياب التقدير

عزا مركز الدعم الاجتماعي التابع لشرطة أبوظبي، في نشرة أصدرها للتوعية بظاهرة هروب الفتيات، أسباب الظاهرة إلى التفكك الأسري والعنف، وغياب الرقابة، وضعف الوازع الديني، وصديقات السوء، وغياب التواصل والتفاهم بين الوالدين والتقليد الأعمى لوسائل الإعلام الهابطة، وإحساس الفتاة بالدونية والنقص نتيجة إهمال الاسرة، فضلاً عن عوامل أخرى، مثل الطلاق، وسوء التصرف، وغياب التقدير والاحترام، والتدليل الزائد عن الحد.

وبينت النشرة أن هناك نوعين من الهروب، الأول معنوي وهو الأكثر شيوعاً، وذلك لطبيعة المجتمع المحافظ من ناحية والخوف من الأسرة من ناحية أخرى، فتطوي الفتاة همومها بالانعزال النفسي والبقاء في غرفتها مدة طويلة، والسهر في الليل أمام شاشات التلفاز، والنوم أثناء النهاز لتجنب المشاركة في الجلسات العائلية والموائد الجماعية، أما النوع الثاني فيتمثل في الهروب المادي، وهو تغيب الفتاة عن منزل ذويها يوماً أو أكثر، وهذا ما يؤدي في الغالب إلى الانحراف وتورطها في مشكلات أخلاقية، وقد تضطر إلى السرقة أو إدمان المخدرات والقتل أحياناً.

ورأت أن ظاهرة هروب الفتيات تحتاج إلى الدراسة والتدقيق للوصول إلى إجراءات وخطوات، بل إلى سياسة تعالجها وتحد من تأثيراتها السلبية في المجتمع والفتيات بصورة خاصة، مشيرة إلى أن تغيب فتاة عن منزل ذويها أكثر من يوم يمثل كارثة تهدد سمعة الأسرة ومستقبلها الاجتماعي في مجتمع تحكمه العادات والتقاليد، ويحدث مثل هذا السلوك غالباً من فتيات في سن المراهقة، لا يدركن أبعاد هذه المغامرة المسيئة، وما يترتب عليها من نتائج وعواقب وخيمة.

وحذرت النشرة من انقطاع التواصل والتفاهم بين الوالدين، وكثرة الجدال، وإصدار الأوامر من الوالد من دون نقاش، وإجبار الفتاة على التنفيذ، وكثرة الرفض لمتطلباتها، ما يؤدي إلى الإحساس بعدم إشباع حاجتها النفسية من الحب والتقدير والاعتراف بكيانها فرداً في الأسرة، وتزداد فجوة عدم التواصل بينهم، فتغرق في عالم خاص لتبحث عن الحل، فتصاب باللامبالاة والاكتئاب، وتصل في نهاية المطاف إلى فكرة الهروب، حيث تتلقاها تلك الأيدي غير النظيفة، وتدفعها حتماً إلى الانحراف.

تويتر