من لا يحب «فاطمة»

مسلسل «فاطمة» من بطولة النجمة بران سات يتناول قصة اغتصاب في المجتمع التركي. أرشيفية

على الرغم من كل الجدل الذي يثيره قراء أو متابعو فضائيات، لا يستطيع أحد أن ينكر ما استطاع المسلسل التركي «فاطمة» أن يحققه من نجاح كبير، وجماهيرية واسعة ربما فاقت تلك التي حققها مسلسل «نور» وما تلاه من أعمال تركية غزت الشاشات العربية في الأعوام الأخيرة. كما لا يمكن نكران حب المشاهدين العرب للمسلسل، ولعل متابعة نسب المشاهدة العالية لحلقات المسلسل على موقع «يوتيوب»، والتي تجاوزت المليون مشاهدة لإحدى الحلقات، دليل واضح على تعلق المشاهدين به.

ولم يتوقف الأمر على المتابعة فقط، ففي احدى حصص التعبير طلبت المعلمة من طالباتها كتابة موضوع عن عمل فني (أغنية او فيلم أو مسلسل) أثر فيهن، فاختارت احدى الطالبات مسلسل «فاطمة» للكتابة عنه، مشيرة إلى أن العمل يقدم نموذجاً للإصرار من خلال بطلته التي لم تستسلم للظلم الذي تعرضت له، ولضغوط المجتمع حولها، وأصرت على الحصول على حقها من مغتصبيها، إلى جانب اصرارها على اكمال دراستها ونجاحها في ذلك بتفوق.

في مسلسل «فاطمة» تبرز الدراما التركية وجهاً آخر غير الذي اعتاده المشاهد العربي، والذي يعتمد على قصص الحب والرومانسية الزائدة حينا، أو على العنف وإسرار عالم العصابات في حين آخر، فالمسلسل المقتبس من رواية «ما ذنب فاطمة غول» التي تروي واقعة الاغتصاب التي تعرضت لها فتاة تركية في عام ،1975 ويعد اول مسلسل يثير نقاشاً في البرلمان التركي، اذ يطرح قضية اجتماعية تعد من القضايا المسكوت عنها في المجتمعين التركي والعربي أيضاً، عبر تطرقه إلى ثغرة في القانون التركي، الذي يبرئ المغتصب من جريمته في حال تزوج من ضحيته، من خلال قصة فتاة فقيرة مخطوبة لصياد تعشقه بجنون، وتحلم بيوم زفافهما، لكن القدر يحول حلمها الجميل إلى كابوس مزعج بعد أن يغتصبها اربعة شباب سكارى، فتنقلب حياتها رأساً على عقب، خصوصاً بعد تخلي خطيبها عنها، لأنها أصبحت في نظره فتاة «ساقطة»، ويتم إجبارها على الزواج من أحد المغتصِبين بحجة ما يسمى «غسل الشرف» ليفلت هو من العقوبة.

«فاطمة» ليس أول عمل درامي يتناول جريمة الاغتصاب والدمار النفسي الذي يسببه للضحية، والذي يقضي في الغالب على مستقبلها وحياتها، ويطيح بأحلامها في الحياة كفتاة طبيعية، فقد سبق وناقشت هذا الموضوع أعمال عربية لعل من بينها مسلسل «قضية رأي العام» الذي قدمته الفنانة المصرية يسرا في الموسم الرمضاني لعام ،2009 وقامت فيه بدور طبيبة شاء حظها أن تكون إحدى ضحايا جرائم الاغتصاب، ليبرز بين احداثه الضغوط النفسية التي تتعرض لها نتيجة تغير نظرة المحيطين بها، فالكل يتعامل معها ويدينها بدلاً من الوقوف إلى جانبها. وأثار المسلسل في ذاك الوقت كثيراً من الجدل، الذي تركز في معظمه حول عرض مشهد الاغتصاب ومدى مناسبة ذلك لشهر رمضان، ولجمهور التلفزيون الذي يختلف في تركيبته عن جمهور السينما، وهو جدل لا يختلف كثيراً عن الذي واجهه مسلسل «فاطمة» أيضاً، خصوصاً بعدما اصبحت الحلقة التي تتضمن مشهد الاغتصاب هي الأكثر مشاهدة على «يوتيوب».

في الحالتين كان رد فريق العمل في المسلسلين على هذه الانتقادات بأن عرض المشهد كان ضرورياً ليظهر بشاعة الجريمة، ويكسب تعاطف الجمهور مع الضحية.

ولكن يظل السؤال لماذا استطاع المسلسل التركي ان يحقق كل هذا النجاح، في مقابل نجاح محدود للمسلسل العربي؟ في الإجابة عن السؤال قد تبرز اسباب مختلفة، من بينها حالة الازدحام الشديد خلال الموسم الدرامي في رمضان، والذي يمنع المشاهد من التركيز على الاعمال الجيدة بصورة مناسبة.

في المقابل يرى البعض ان جزءاً كبيرا من جماهيرية مسلسل «فاطمة» يرجع إلى خلو فترة عرضه من المسلسلات العربية القوية، التي يفضل اصحابها عرضها خلال شهر رمضان، ورغبة المشاهد العربي في الحصول على فترة راحة من الأخبار المتتابعة التي تلاحقه على مختلف القنوات، وبرامج الـ«توك شو» التي طغى عليها الطابع السياسي.

ومع وجاهة هذه التبريرات، من الصعب التسليم بها فقط في تفسير تفوق المسلسلات التركية والجماهيرية التي تحققها عربياً، من دون الالتفات إلى ما تتميز به من مستوى فني متميز، وعناصر ابهار متعددة مثل الديكورات ودقة اختيار اماكن التصوير، خصوصاً المشاهد الخارجية، والملابس وغيرها.

ويبدو ان بعض صناع الدراما العربية انتبه إلى مثل هذه المقارنات التي باتت تقفز في ذهن المشاهد وهو يتابع المسلسلات التركية، خصوصاً بعد ان اصبحت هذه الاعمال تستحوذ على مساحات عرض مهمة على الفضائيات العربية بما يزيد من حدة المنافسة بينها وبين الدراما العربية، فبدأ بعض المنتجين يتجه لتقديم أعمال درامية ممتدة لحلقات طويلة قد تصل إلى 90 حلقة، ويزيد من جرعة الرومانسية والقصص الانسانية في العمل، مع الاهتمام بعناصر الجمال والابهار في المسلسل من حيث اختيار اماكن فخمة للمشاهد الداخلية، وتصوير مشاهد خارجية، وهو أمر يفتقده كثير من المسلسلات العربية.

بينما اتجه البعض إلى البحث عن موضوعات قادرة على جذب المشاهد وعدم الاستسهال في اختيار عمل، اعتمادا على وجود اسم او اثنين من النجوم في العمل، أيضاً قد يكون انتشار ونجاح المسلسلات التركية دافعاً لانتهاء ظاهرة «تفصيل» الأعمال على حسب مقاس ومطالب النجوم الكبار، كما يمكن ان تسهم في كسر سيطرة عدد محدود من النجوم والفنانين على الاعمال الدرامية، وفتح مجال لاكتشاف وجوه جديدة واسناد ادوار مهمة إليها.

مسلسل «فاطمة» من بطولة النجمة التركية بران سات الشهيرة بشخصية «سمر» في مسلسل «العشق الممنوع»، والفنان أنجين أكيوريك ونخبة كبيرة من نجوم تركيا المميزين، وإخراج هلال سيرال.

تويتر