التسلية الوحيدة قبل عصر التلفزيون

الحكايات الشعبيــة.. وعظ وتسلية بأكثر من لغة عالميـة

لأنه أدب شعبي قائم بذاته وملهاة فريدة، والسلوى الوحيدة التي ابتدعها الأولون، طالبت مسؤولة باب التراث في مجلة «مرامي» والمهتمة بالموروث الشعبي الإماراتي حليمة الملا، بضرورة الحفاظ على الحكايات الشعبية وتحديداً حكايات الجدات، من خلال إدخالها ضمن المنهج الدراسي لطلبة المدارس والجامعات في الدولة، بالنظر الى الدور الكبير الذي قدمته ومازالت تقدمه تلك الحكايات في ايصال رسائل عديدة تتنوع بحسب الغرض المنشود منها.

ورغم ما كان للحكايات الشعبية في الماضي من أهمية كبيرة، كونها وسيلة الترفيه الوحيدة في ذلك الوقت، فمع ظهور وسائل الاتصال الحديثة وتطور العصر التكنولوجي، ومع دخول أجهزة الترفيه لجميع المنازل، ما عاد للحكايات الشعبية انتشارها أو حتى لذتها الحقيقية وتأثيرها في الكبار والصغار على حد سواء، فاختفت سير وقصص الخوارق والأساطير التي كانت تحتشد في خيالات الجيل الماضي، كونه تربى على قصص الجدات، التي لا تخلو من المواقف البطولية والحكايات الهزلية، إضافة إلى المعتقدات والحكم والأخلاق.

تعاليم كثيرة

«الهند» مهد الحكايات الشعبية

 

اعتبر الباحثون في مجال الأدب الشعبي وتحديداً الروايات والحكايات الشعبية، أنها بقايا أساطير وبطولات ومعتقدات دينية، تنتمي إلى أصول هندية و«جرمانية»، أي أنها بقايا من تراث الشعوب الشرقية والغربية، فيما أكد باحثون أن الهند تعد مهد الحكايات الشعبية الخرافية، التي انتقلت بمرور الزمن إلى معظم بلدان العالم.

واستدل الباحثون على أن الهند أساس الحكايات الشعبية من خلال ما تميزت به من خصائص مكونه لتلك الحكاية، كونها ركزت على بعد واحد في القصة وأهملت بقية الأبعاد، وعادة ما تكون القصة سطحية ومتكاملة الأحداث ومنفصلة عن الحياة الواقعية ومعتمدة على السرد التصويري.

تعد الحكاية الشعبية أدبا قائما بذاته، موجودة في لغات العالم أجمع، وفي تراث الشعوب وثقافاتها بأكثر من صيغة ورواية، وهو أدب لا تغني عنه الآداب الأخرى ووسائل الاتصال مهما تنوعت وتطورت، فلا يوجد في الاصناف الأدبية ما يحفز الصغار أو حتى الكبار بطريقة جذابة ومسلية مثل الحكاية الشعبية، وفق الملا، التي أكدت ضمن ندوة تراثية مصاحبة لأيام الشارقة التراثية في قلب الشارقة، أن «المتأمل للحكاية الشعبية يجدها تحتوي على تعاليم كثيرة، يمكن ان تساعد على حل المشكلات الداخلية التي يعانيها الناس بشكل عام مهما اختلفت البيئات والثقافات التي ينتمون إليها». ولفتت الملا إلى أن «الحكايات الشعبية اختلفت بتنوع أغراضها، إذ كان الرواة يقصون أنواع الأساطير والخرافات ويتحدثون عن قصص التاريخ وسير الأبطال، كما ينشدون القصص الهزلية والأخلاقية التي لا تخلو من أنواع العبر التي تسهم في تربية النشء، لاسيما أنها تعبر عن هدف محدد، إذ يتعمد الراوي عبر الحكايات إثارة النفوس وتحفيزها وتكوين صورة عامة عن الحياة بما فيها من خير وشر».

وتابعت أن «الاهتمام بالحكايات الشعبية ضرورة وطنية لاسيما أنها تعد جزءاً من ثقافة المجتمع والموروث الشعبي للإمارات، إذ تلعب الحكايات دوراً مهماً في فهم ثقافة المجتمع، بل ويمكن اعتبارها أحد الأنساق الاجتماعية التي تسهم في تشكل البناء المجتمعي مثل النسقين السياسي والاقتصادي».

 

قيم أصيلة

قالت الملا، إن «الحكايات الشعبية تؤكد على المعاني الجميلة والقيم الأصيلة في الحياة، إضافة إلى الفضائل، من خلال قصص خيالية وأساطير لا تخلو من الغرابة، منها حكايات الجان والغول ومارد الفانوس وقصص الكنوز وزواج الإنس بالجان وحكاية الحسناء والفقير ورحلات السندباد البحري وخرافات متعلقة بالبيوت المسكونة وحارس الكنوز».

لافتة إلى أن «قصص الحيوان اشتهرت في الحكايات الشعبية، وهو نمط تستقر فيه البطولة للحيوان، فهي قصص رمزية يقصد بها الكشف عن عيوب الانسان منها مكر الثعالب والصراع بين الحيوانات لإظهار الخير والشر، والمنافسة بين القوي والضعيف، كما لم تخل الحكايات الشعبية من القصص التاريخية التي تتناول أهم الأحداث المحلية والهجرات والصراعات والشخصيات العامة، منها ملحمة جلجامش وألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة وعنتر وعبلة وقصة أبوزيد الهلالي والزير سالم».

واعتبرت أن «معظم الحكايات الشعبية في العالم تتشابه فيها الدلالات والجزئيات وتسلسل الحداث، وإن اختلفت أسماء الشخصيات والأماكن، إذ يوجد ما يقدر بنحو 300 رواية لحكاية سندريلا، كما ان أحداث هذه الرواية تتكرر في كثير من الروايات الشعبية».

حكايات الجدات

استخدمت الحكاية الشعبية أسلوباً يراد به تهذيب النفس وتقويم الاخلاق وتعديل السلوك وإشاعة الحكمة، إذ استعان الانسان العربي بالحكاية في ايصال افكاره والتعبير عن نفسه وقيمه ومبادئه التي يؤمن بها وخيالاته التي غرست في تفكيره.

وارتبطت الحكايات الشعبية بالجدات، اللاتي تميزن بأسلوب رواية القصص المسلية والمثيرة التي لا تخلو من التناقضات والاحداث غير المترابطة أحياناً، إلا أن الأطفال كانوا يجدون في تلك الحكايات وسيلة للمتعة والتسلية، وتعتمد الجدات في الحكايات على الأمثال والحكم الشعبية التي يراد بها إيصال مفاهيم ومبادئ مرتكزة على الاخلاق الحميدة والفضائل، وإن كانت بعض الحكايات الخيالية وتحديداً المرتبطة بأسلوب التخويف والتهديد تترك أثراً سلبياً في نفوس الأبناء. وتعتمد بعض الجدات على التركيز في الحكايات على مضامين تربوية سلبية، وإبرازها دون توضيح أو تهذيب أو إصلاح ضمن نسق الرواية، ما يشكل عاملاً سلبياً في تربية النشء، خصوصاً أن المعلومات والأحداث المكونة للقصة قد تؤثر في التكوين العقلي والخلقي للمتلقي وفي خياله وسلوكه العام.

تويتر