بعد النجاح الكبير الذي حقّقه «حريم السلطان»

الدراما التاريخية.. إبداع محاط بالمغامرة

«حريم السلطان» فتح باباً على عالم «الحرملك» الذي يتسم بالغموض. أرشيفية

تساؤلات عدة يطرحها النجاح الكبير الذي حققه المسلسل التركي «حريم السلطان»، الذي يعرض على قناة دبي، والذي استطاع ان يحصد نسب مشاهدة مرتفعة من مختلف الدول العربية، واهتماما جماهيريا واعلاميا فاق المعتاد في الأعمال الدرامية التاريخية. ولكن يظل التساؤل الأكثر الحاحاً الذي يطرحه العمل هو علاقة العمل الدرامي بالوقائع التاريخية، وإلى أي مدى يحق للكاتب التدخل في الحدث، وإعمال خياله، وهو جدل يفرض نفسه مع كل نجاح لعمل تاريخي يعرض على الشاشات، لكن مع «حريم السلطان» اتسعت مساحة الجدل حول هذه التساؤلات بقدر اتساع النجاح الذي حققه العمل، وبقدر الدول التي عرض فيها.

وتعددت الآراء التي تحدد العلاقة بين التاريخ والدراما، والخط الفاصل بين تزييف التاريخ والحقائق من جهة، والصياغة الأدبية والدرامية للحدث، فالكاتب المصري محفوظ عبدالرحمن الذي قدم العديد من الأعمال التاريخية عن شخصيات واحداث عدة، لعل من أشهرها «أم كلثوم»، و«بوابة الحلواني» و«ليلة سقوط غرناطة»، يرى ان هناك فرقا بين المؤرخ والكاتب والأديب، فهو لا يكتب سردا للتاريخ واحداثه، لكنه يقف أمام التاريخ لينتقي منه حدثا او شخصية يستشعر انها تتناسب مع فكره، واعتبر «الحادثة التاريخية هي التي تناديه وتبحث عنه».

علامة فارقة

وصف المدير التنفيذي لشؤون الإذاعة والتلفزيون، مدير قناة دبي، علي خليفة الرميثي، مسلسل «حريم السلطان» بأنه أحد أكثر المسلسلات تميزاً في صناعة الدراما التركية. واصبح المسلسل المدبلج بحلقاته الـ55 في جزئه الأول، أحد أكثر الأعمال تميزاً بما يحمله من إثارة اجتماعية وتباينات تاريخية موثقة كان لها تأثير مباشر في حبكة درامية تشد المشاهد، وتجعله يعيش أيام السلطان سليمان القانوني بكل ما فيها من حكايات وراء الكواليس وفي خبايا القصور العثمانية في تلك الفترة، ما جعله بحق المسلسل الأضخم في تاريخ الدراما التاريخية التركية، بعد أن نال نسب مشاهدة عالية. وأضاف أن «العمل يعد علامة فارقة في تاريخ الإنتاج الدرامي التركي، من حيث جرأة الطرح وتقنية الإنتاج ونجومية الأبطال».

وقال الرميثي إن «عهد السلطان سليمان بجمالياته في الحياة العامة وقوة غزواته ورفاهية الحياة، تتشابك في خطوط رومانسية، عقدتها مكائد نساء ونفوذهن في القصر السلطاني، ومشاعر الحب والعشق التي قد تغير مجرى دولة دون المساس بشخصية السلطان ونفوذه وقراراته التي قد تتأثر بجمال المرأة».

ولفت عبدالرحمن إلى ان الكتابة نوعان، التاريخية، والدراما التاريخية. وتعتمد الثانية على اقتطاع جزء من التاريخ وبناء عمل درامي حوله، وتتوقف درجة تدخل الكاتب في التاريخ وفقا للحدث او الشخصية التي يتناولها الكاتب. وقال: «هناك شخصيات تتوافر حولها الكثير من المعلومات المؤكدة، حول حياتها والفترة الزمنية التي عاصرتها، بحيث تكون الشخصية مكتملة»، موضحا انه في هذه الحالة يكون التزام الكاتب بالتاريخ أكبر، والعكس عندما يتناول شخصية قليلة التفاصيل في كتب التاريخ، ومن هنا تتسع مساحة تدخل الكاتب لرسم الملامح المفقودة في الشخصية، بما يجعلها أقرب من الخيالية. واشار إلى ان الكاتب قد يختار موقفا او فترة معينة من حياة الشخصية، كما فعل في فيلمه «ناصر 56»، الذي تناول في شخصية الزعيم الراحل جمال عبدالناصر من خلال موقف محدد هو تأميم قناة السويس، الذي اعتبره مفتاحاً مهماً في عناصر زعامة عبدالناصر.

أما كاتب السيناريو السوري غسان زكريا، صاحب «الظاهر بيبرس» و«عنترة بن شداد» و«أبناء الرشيد: الأمين والمأمون»، فيجد ان مهمة الدراما ليست كتابة التاريخ أو توثيقه، ولكن تقديم قراءات جديدة له تتفق مع الواقع المعاصر وترتبط به، مع الالتزام بالحقائق التاريخية وعدم تجاهلها. في حين شدد الكاتب المصري مرسي عطا الله على إزالة الخلط بين التصوير الدرامي والكتابة التاريخية، موضحاً ان الدراما فن يسبح في الخيال كلما كان ذلك مفيدا ومثريا للعمل الفني، أما كتابة التاريخ فتتطلب وثائق مؤكدة ووقائع محددة لا يجوز الخروج عنها.

وقال: «الكتابة في الفن حرية، بينما الكتابة في التاريخ التزام، حيث إن رؤية مؤلف العمل الدرامي المرتكز إلى حرية الإبداع هي التي تحدد مساحة العمل الفني، وما الذي يتحتم عليه اختصاره أو التغاضي عنه. في حين أن كتابة التاريخ لها قواعد محددة يمثل الخروج عليها، بالإضافة أو الحذف، نوعاً من التزوير الفاضح».

وارجع الخلط بين التأليف الدرامي والتاريخ السياسي إلى الفوضى السائدة في الساحة الثقافية والفكرية والسياسية والإعلامية، والتي تجعل من الصعب بمكان أن تعرف من الصحافي ومن الكاتب ومن المؤلف ومن المؤرخ، حسب قوله.

وفي تعليقها على الضجة التي أثارها مسلسل «حريم السلطان» عند عرضه في تركيا وخارجها، اعتبرت كاتبة سيناريو العمل، ميرال أوكاي، ان الجدل الذي تزامن مع عرض المسلسل يرجع إلى أنه فتح باباً على عالم طالما اتسم بالغموض، وهو عالم «الحرملك»، وهو مكان خاص جداً كانت تعيش فيه أسرة السلطان. واوضحت ان العمل اقترب من شخصيات تاريخية، مثل السلطان سليمان القانوني، واظهر جوانبها الانسانية ومشاعرها المختلفة من حب وكره وعداء ومؤامرات. وأضافت الكاتبة في حوار صحافي «كان (الحرملك) محظوراً على أي رجل سوى السلطان والحواشي. ولم تتناول أي من صور الفن (الحرملك) باستثناء صور من خيال الرسامين.

ولا يعارض كل الأتراك المسلسل، حيث لا يرى بعضهم مشكلة في المزج بين الوقائع التاريخية والخيال. فنحن نعيش في بلد حديث، حيث يتشابك الواقع والخيال، فلمَ لا يستطيع المخرجون استخدام خيالهم؟».

تويتر