مختصون يتوقعون اندثارها وانقراضها بسبب الإهمال وسوء التسويق

الحرف اليدويـة الخلـــيجية تتـــحدى

صورة

تواجه الحرف اليدوية التقليدية مصيراً مجهولاً، وإن كان بعض المهتمين بالتراث والموروث الحرفي كانوا أكثر تشاؤماً أو ربما واقعية، إذ اعتبروا أن الحرف التقليدية تشارف على الانقراض، في ظل غياب التسويق الجيد للمنتج الحرفي وانصراف الأجيال عن تعلم الحرف من أربابها ونشاط السلع الصينية واقتحامها عالم الحرف التقليدية.

وتمثل الحرف التقليدية المتوارثة عبر الأجيال التي خطت لنفسها طريقاً واضحة بين يدي الحرفي المتمرس الذي ابتكرها وأوجدها علامة متميزة ورصيدا ثقافيا وثمينا وتعبيرا عن أصالة البلد، لاسيما أن معظم منتجات الحرف اليدوية تأثرت كثيراً بطبيعة المكان والمعيشة اليومية التي سخرت المنتجات لتتناسب مع احتياجات الفرد.

الحرف الإماراتية «بخير»

قالت مسؤولة مركز الحرف اليدوية في الشارقة لطيفة المطروشي لـ«الإمارات اليوم» إن «الحرف اليدوية والمنتجات التقليدية بخير ولاتزال محافظة على هويتها، خصوصاً في وجود التجاوب الملحوظ من أفراد مؤسسات المجتمع في الوجود بالمهرجات التراثية، من أجل عرض المنتج التقليدي». ولفتت إلى أن «هناك اقبالاً واسعاً من السياح وأبناء الدولة على اقتناء وشراء المنتجات اليدوية التي تسهم في انتاجها حرفيات إماراتيات منتسبات لمركز الحرف ويبلغ عددهن 15 حرفية يقدمن مشغولات تنتمي إلى سبع حرف تقليدية، إذ إن الحرفية تقدم منتجا واحدا مصنوعا من بدايته وحتى الشكل النهائي للمنتج يدوياً دون تدخل او الاستعانة بالآلات الحديثة، لذلك يمكن الافتخار باقتناء مثل هذه المنتجات». وأكدت أن «ملتقى الحرف التراثية السادس صاحبه معرض تراثي لمنتجات حرفيات المركز، إضافة إلى ركن خاص عبارة عن ورشة للغزل والنشيج و(قرض) البراقع والخياطة والتطريز وصناعة (التلي السدو)».

 إلا أن الحرف التقليدية تواجه واقعاً لا يبشر بالخير، بحسب المهتمين بالتراث الوطني والحرف التقليدية في الخليج والمشاركين في ملتقى الحرف التراثية السادس تحت عنوان «الحرف النسائية بين الواقع والمأمول»، الذي عقدت جلساته أمس، إذ اعتبر الباحث في مجال التراث والحرف التقليدية في سلطنة عمان عيسى صالح الصباغ، أن «الحرف التقليدية في دول الخليج تشارف على الانقراض، وذلك بعد أن انصرفت الاجيال الأحدث عن تعلمها من اربابها لتواضع المردود المالي المتدني لمعظم الحرف، واحتدام المنافسة بين المؤسسات التجارية، وفرضت الأشكال التجارية ذات الانتاج الواسع وغزوها للأسواق المحلية بعد أن توافر البديل الأجنبي وبأسعار رخيصة».

ولفت الصباغ لـ«الإمارات اليوم» إلى أن «هجران الأرباب والحرفيين المتمرسين العمل في الحرف اليدوية إلى أعمال اخرى تدر عليهم الربح الكثير من دون تحمل مشقة ومعاناة العمل الحرفي الذي يحتاج إلى عمل متواصل ودقة، رغم ذلك لا تتوافر عناصر الجودة والانتاج الاحترافي الذي يحول دون منافسة المعروض في الأسواق المحلية، خصوصاً في وجود اعمال تقليد وتكرار للمنتجات والتصاميم الحرفية وعدم القدرة على الحفاظ على حقوق الملكية الفكرية للتصميم أو المنتج، الأمر الذي ينعكس سلباً على المبادرات الابداعية للحرفيين».

تطوير الحرف

أكد الصباغ أهمية تطوير الحرف التقليدية خصوصاً أنها بقيت سنوات طويلة من دون ابتكار او تحديث على الشكل الذي توارثته الأجيال، الذي لم يتغير بتطور العصر، الأمر الذي هدد الحرف الجميلة وقلل من أهميتها، لاسيما أن ثقافة الاهتمام بالحرف التقليدية والحرفيين لم تنتشر بعد، ما قلل من الحفاظ عليها.

وشدد على أهمية تضافر الجهود المختصة والمعنية بهذا القطاع من خلال وضع خطط واستراتيجيات هادفة للنهوض بالحرف اليدوية والحفاظ عليها، كما يفترض وضع آلية عمل وخطط قصيرة المدى لتطوير الحرف وأخرى طويلة المدى لرفع مستوى العاملين في القطاع وتقديم برامج التدريب المتواصل ودعم المبادرات لصقل الخبرات وتنمية المهارات والكفاءات، وحث الأجيال الشابة على الولوج إلى تحقيق التواصل المنشود بين المصممين والحرفيين بهدف تطوير المنتج، ودعا الصباغ إلى تقوية برامج القروض التمويلية التي تدعم المشروعات الحرفية وتدعيمها بالدراسات التسويقية الحديثة التي تضمن أكبر قدر من النجاح لتلك المشروعات، كما يفترض استحداث جوائز وطنية على غرار الجوائز التي تقدم في مختلف المجالات لتكون عاملا تشجيعيا لضمان استمرارية وتطوير الحرف.

واقع ومستقبل

استعرضت الباحثة في الحرف اليدوية التقليدية في إدارة التراث التابعة لوزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية سلمي النعيمي، واقع الحرف التقليدية في قطر بشكل خاص والخليج بشكل عام، لاسيما في وجود ذلك التشابه في الموروث التراثي في دول الخليج، قائلة إن «الحرف التقليدية تعاني تحديات كبيرة تواجهها وتعيق مسيرتها في ظل التطور الصناعي السريع للمنتجات المصنعة آلياً والمنفتحة على العالم، كما أن معظم الحرف اليدوية خصوصاً حرفة الخياطة والتطريز قاربت على الاندثار في ظل انتعاش الاسواق بمحال الخياطة والتطريز الآلي».

ولفتت النعيمي إلى أن «قلة المراكز المهتمة بالحرف اليدوية وندرة الأسواق التي تسوق لمنتجات الحرفيين عاملان مهمان في تردي واقع الحرف اليدوية، كما أن الضمانات الاجتماعية التي يحصل عليها الحرفي قد تغنيه عن مواصلة الانتاج والابداع في الحرفة التي مارسها سنوات، إضافة إلى عدم وجود مؤسسات معنية بتوجيه وتطوير المنتج الحرفي ليواكب تطوير العصر».

وحول مستقبل التراث في دولة قطر أكدت النعيمي أن «إدارة التراث في وزارة الثقافة والفنون والتراث القطرية تعمل على إيجاد قانون يحمي حرفنا اليدوية التقليدية، كما تم اقتراح انشاء مركز خاص للحرف اليدوية وطرح مشروع وطني تشارك فيه المؤسسات المعنية بالحرف التقليدية والعمل على دراسة حال الحرف اليدوية وكيفية الحفاظ عليها، إضافة إلى اقتراح اجراء مسابقة سنوية لأفضل منتج حرفي».

اهتمام بحريني

بعيداً عن التشاؤم لما قد يؤول له مستقبل الحرف اليدوية، أكد الباحث في الجانب التراثي والحرف التقليدية في البحرين إبراهيم سند، أن «مملكة البحرين تشهد في الآونة الأخيرة اهتماماً ملحوظاً بالثقافة التراثية وما يرتبط بها من حرف تقليدية وكافة أشكال التعبير والمهارات المرتبطة بالفنون الحرفية القديمة في محاولة للتطوير ليتناسب مع متطلبات العصر، إذ رصدت وزارة الثقافة تلك الحرف وأجرت دراسات من أجل توثيقها بهدف تطوير المنتج الحرفي وزيادة الاهتمام بالأسر المنتجة وتوفير قروض ميسرة لأصحاب المشروعات الصغيرة الحرفية».

ولفت إلى أن «هناك دراسة لإنشاء قاعدة معلوماتية تشمل جميع الحرف والمهن التقليدية، والذين يمارسونها في مختلف مناطق البحرين، كما يسعون لتوفير السبل كافة المعنية بتشجيع وحماية الحرفيين وتدريب الجيل الجديد من المهتمين بالحرف، وتسهيل وصول المنتج الحرفي إلى الأسواق المحلية والخارجية، إضافة إلى تفعيل المهرجانات التراثية والثقافية لخلق نوع من الديمومة للترويج للمنتجات التقليدية».

تويتر