80 لوحة ضمّها معرض «إيقاعات ملوّنة» للفنانة نجاة مــكي

الإنسانية في موسيقـى بصرية

نجاة مكي مزجت الخامات وسطوح اللوحات وصولاً إلى إيقاعاتها. تصوير: تشاندرا بالان

عزفت الفنانة التشكيلية الدكتورة نجاة مكي، موسيقى بصرية جسدتها 80 لوحة فنية عرضت ضمن معرضها الشخصي «إيقاعات ملونة»، والذي أقيم في متحف الشارقة للفنون. وركزت الأعمال الفنية المعروضة على ابراز الايقاع الخطي واللوني من خلال التلاعب بدرجات اللون والظلال والتناغم بين عناصر تكوين العمل الفني والمواد المستخدمة، وتجسيد العلاقات الانسانية والاحساس بالحميمية بين تفاصيل اللوحة.

يعد المعرض الذي أقيم في الفترة من 28 سبتمبر الماضي وحتى 21 نوفمبر المقبل، امتداداً لتجربة مكي، الفنانة التي بدأت مشوارها في الثمانينات ومازالت في أوج عطائها، من خلال تقديمها دعوة للتأمل في أعماق اللون الممزوج بالطبيعة وعناصره،ا وذلك بمصاحبة ايقاعات خطية وبصرية، متجسدة في الايقاع التجريدي المرتبط باللوحات والألوان الفسفورية التي أعطت العمل طاقة متحركة.

وقالت مكي لـ«الإمارات اليوم»، إن «المعرض تضمن 80 عملاً فنياً تتلامس مع تجربتي الانسانية، منها لوحات اقتبستها من ذاكرة الماضي الجميل ومراحل الدراسة والجو الأسري الذي كان له أكبر الأثر في تجربتي، وتجسد ذلك من خلال استخدامي اللونين الأصفر والبني في أغلب لوحاتي التي تعبر عن الصحراء والأزقة». لافتة إلى أن «المعرض حمل عنوان «إيقاعات ملونة» ليعبر عن مضمون الأعمال المعروضة، والتي ركزت على الايقاعات بمختلف صورها وأشكالها المتجسدة في البيئة المحيطة بالإنسان».

الفنانة في رأي النقاد

قال الناقد الدكتور عمر عبدالعزيز في كتاب إيقاعات ملونة الخاص بمعرض الفنانة الدكتورة نجاة مكي إن أعمال الفنانة تتسم بالاشتغال الصبور على الموسيقى البصرية المرتبطة بتوقيع الزخارف وفنون الصحراء، ولوازم التواتر التلقائي في المنحوتات الشعبية المرافقة لفنون الحرف والصناعات اليدوية»، وتابع «نلاحظ أن تلك الغنائيات تنزاح صوب التجريد بوصفه فناً غنائياً بصرياً».

أما الفنان التشكيلي الدكتور راشد دياب، فاعتبر أن «تشكيلات مكي تتسم بالغموض وتستدعي أحياناً ذاكرة موازية لإدراكها، كما تستفز المتلقي ليكتشف عالماً آخر، ليس وصفياً ولا مجرداً، لكنه أصيل بخيال غير محدود يمزج بين الرقة وتباينات درجات اللون البينية». من جانبه، اعتبر الفنان التشكيلي علي العبدان أن الفنانة تعد ظاهرة تستدعي النظر إلى اعمالها، منها طريقتها غير المألوفة في تشكيل اللون واعطائه التأثيرات الغنية الابداعية، واصفاً تجربة مكي بـ«التجربة الرصينة الجادة» التي أثرت في مسيرة الفنون الجميلة في الإمارات.

ووظفت مكي الضوء لخدمة اللون، وذلك ضمن أقوى الأعمال الفنية المعروضة «اللوحة المتحركة»، بحسب تشكيليين، أكدوا أن «العمل المعروض في غرفة مظلمة، هو عبارة عن لوحات صغيرة تضم رسومات بألوان فسفورية، شكلت مجتمعة لوحة كبيرة قابلة للحركة، إذ أحدث ايقاعاً للحياة يختلف من شخص لآخر، وذلك بحسب حركة اللوحات التي يقوم بها المتفرج والحالة المزاجية المختلفة بين الناس».

المرأة كان لها حضور بارز في أعمال الفنانة، إذ إنه مع اختلاف الثقافات وتبدل العصور والأزمان تبقى المرأة في لوحات مكي مثل شجرة النخيل تضرب بجذورها بطون الأرض، وتجسد بذلك معاني الصبر والتفاؤل والمحبة، حيث وظفت اللون والخطوط لتشكل ايقاعاً شامخاً لحياة المرأة الإماراتية، منها لوحة شاي الضحى وشمعة الجلاس، اللتان جسدتا العلو والاعتزاز والثقـة بالنفس.

الظل والضوء

لفتت مكي إلى أن عمل «ستائر الظل» الذي عكس سقوط ظل العمل على الحائط الصامت، يراد به تجسيد تلاشي العادات والتقاليد في المجتمع التي لم يبقَ منها سوى الظل، مشيرة إلى أن «القيم الإنسانية التي كانت سائدة في الماضي تزول مع تطور الأجيال، فلم يبقَ منها إلا ما يسمع عنها».

وأما عمل «موسيقى الوطن» وهو عبارة عن خيوط طولية شفافة تعكس المشهد الخلفي الممثل في ألوان الطبيعة المحلية، وتكمن قوة العمل في طريقة عرضه داخل غرفة مظلمة، إذ يسلط الضوء من اتجاه واحد على الخيوط المتدلية، ما يعطي العمل ايقاعاً موجياً مرتبطاً بحركـة المتفرج داخـل الغرفـة.

وذكرت مكي أنها مزجت بين الخامات وسطح اللوحات والتلاعب بالألوان لإحداث الايقاعات، فقد استخدمت الخشب الحبيبي والصامت والأقمشة والالوان «الأكريلك» والفسفورية لرسم رؤية جديدة تميز أعمالها الفنية، لافتة إلى أن «عشقها للألوان الفسفورية جعلها تستخدمه في معظم أعمالها، وذلك لما يعكسه اللون الفسفوري من طاقة متحركة وايقاع بصري ثاقب واحساس ايجابي».

وأكدت مكي أنها ترسم اللوحات بما يتوافق مع حالتها المزاجية، ففي أحيان كثيرة ترسم أكثر من لوحة في آن واحد، غير أنها تنهي كل عمل على حدة، وتمتد مزاجيتها في تغيير ألوان اللوحات التي انتهت من تنفيذها في انتظار عرضها.

«التشتت» و«رؤية»

عن عمل التشتت، قالت مكي إن «الطريق الممتد قد يبدأ بالتشتت ثم ينتهي بإبداع متقدم يعكس ما تختزنه الذاكرة»، مشيرة إلى أن «التشتت الفكري قد يدفع الفنان إلى المجهول أو التمرد على القيم والعادات، حيث يسود التحرر والحداثة».

أما عملا رؤية بصرية فحاولت الفنانة من خلالهما التواصل مع البيئة البدوية، التي يحيط بها الغموض بحسب قولها، إذ إن ظلام الصحراء يعكس للعين سكوناً لا نهائياً، وفي الوقت ذاته يعكس للقلب إحساساً بحركة متداخلة تندمج فيها عناصر الحياة اليومية مع الطبيعة، ممثلة في السماء الصافية والصحراء الممتدة وخيام البدو.

وتتابع مكي «اخترت اللون الأسود في لوحة رؤية بصرية ليجسد الغموض، أما القطع المعدنية فتمثل بارقة الأمل التي يتمسك بها الناس، وتركت للألوان والفرشاة وقماش اللوحـة الحرية في تشكيل انفعالاتي الداخلية».

تويتر