الأطباق الشعبية والحرف اليدوية تجــــذب زوّار « مدهش »

«التلي» من أبرز وجوه تراث المرأة الإماراتية. من المصدر

أطباق من الهريس والثريد واللقيمات تملأ المكان، يتسارع الزوار لشرائها وتذوقها، كأن شهر رمضان قد حل، أو أن هناك حدثاً احتفالياً كبيراً من تلك التي تعوّد الناس على تقديم هذه الأنواع من الحلويات فيها، والتي تعد من أشهر الأكلات والحلويات الشعبية التي تعكس مظاهر التراث الإماراتي.

وإذا كانت هذه الأطباق مقتصرة في ما مضى على المناسبات والأعياد، إلا أن عالم مدهش جعلها تحضر في الفعاليات التراثية التي تقام في ركن التراث الواقع في القاعة الشرقية، ويشهد يومياً إقبالاً منقطع النظير من قبل الزوار على اختلاف أعمارهم وجنسياتهم.

وتتنوع الوجبات التي تقدم في ركن التراث، وتقتصر على أطباق تختصر ثقافة المطبخ الإماراتي، من أبرزها: الهريس، وخبز الرقاق، واللقيمات، والخميرة. وغالباً ما تقوم النساء بتحضير العجينة في المنزل، وطهي الأكلات أمام الناس، وتقديمها لهم طازجة. إذ إن وجود الأكلات الشعبية في مثل هذه الفعاليات لا يشكّل انعكاساً لتراث المطبخ الإماراتي فحسب، وإنما يفتح الأفق للمقيمين العرب والأجانب والزوار للتعرف إليها وتذوق نكهاتها المتباينة.

اللقيمات تجد شعبية كبيرة لدى زوار ركن التراث.   من المصدر
اللقيمات تجد شعبية كبيرة لدى زوار ركن التراث. من المصدر

وأخذت (أم سعيد) بتذوق الهريس الذي اعتادت صنعه بيديها لتقديمه للزوار، لكن هذا المرة فضلت القدوم إلى عالم مدهش وتذوقه من ركن التراث، لترى إن كان قد صنع بالطريقة المثلى، التي تجعل الزوار خصوصاً من غير المواطنين يتعرفون أكثر إلى هذه الأكلة الشعبية، ويتذوقون نكهتها اللذيذة.

تقول (أم سعيد) «أحببت أن أتذوق الهريس هنا، لقد صنع بطريقة رائعة وطعمه شهي جداً، فأنا تعلمت صنع الأكلات الشعبية من أمي وجدتي ولي خبرة في صنعه ومذاقه، فنحن نحرص في كل المناسبات على تقديم أبرز الأكلات التراثية المطلوبة والمرغوب فيها، ومنها الهريس الذي يتكوّن من حب القمح واللحم، لكن يفضل البعض صنعه مع الدجاج، ويضاف إليه الملح، ويطبخ لوقت

طويل، ويحرك من آن لآخر بشكل متواصل، حتى ينضج ببطء لتكون حبات القمح ناضجة فعلاً». معتبرة أن حضور المطبخ الإماراتي، في الفعاليات الثقافية والتراثية ضروري للتعريف بالأكلات المحلية، لأن ذلك يطلع العرب والأجانب على طبيعة المطبخ الإماراتي، بالإضافة إلى كونة وسيلة للحفاظ على هذا المطبخ.

فيما احتار حمد أهلي، من دبي، من أين يبدأ، فكل الأطباق الشعبية هنا لذيذة، لكنه سيجرب منها الهريس واللقيمات برفقة صديقه عمير صالح، الذي بدأ بالهريس أولاً، ليتجه بعدها إلى كشك اللقيمات، وينتظر الوجبة لتنتهي ويتناولها طازجة وحارة.

وتتكون اللقيمات التي تجد شعبية كبيرة لدى زوار ركن التراث في عالم مدهش من مواد أولية يسهل وجودها في كل منزل، حسبما قالت أم ناصر، التي أخذت تصنع اللقيمات، وتدعو الزوار لتذوقها والاستمتاع بتجربة تراثية فريدة من نوعها.

تشير أم ناصر إلى أن اللقيمات «تتكون من الطحين، والحبة الحلوة، والكركم والحليب والسكر والملح والقليل من الخميرة، وتُعجن وتريح العجينة قليلاً قبل أن تُقلى، وتقول «هذه الأكلة تعد من الأكلات التي يجب أن تكون موجودة في كل بيت إماراتي، لاسيما لدى استقبال الضيوف أو المناسبات».

في وقت بدأت فيه فاطمة أحمد بصنع خبز الرقاق الذي يقدم للفطور على وجه الخصوص، وسمي «رقاق» لرقة عجينته، ويقدم غالباً مع الجبن والبيض.

وحينما نقول ركن التراث في عالم مدهش، نعني بالطبع عالماً غنياً بالتراث الإماراتي العريق، فها هي أم علي رغم مرور السنين مازالت تمسك «الرحى» وتطحن بها الحب، لأنها ليست فقط جزءاً من التراث، بل هي جزء من حياتها التي اعتادت خلالها طحن جميع أنواع الحبوب بهذه الرحى التي تفضلها عن بقية الأجهزة الكهربائية التي ملأت المحال، وبات الناس يستخدمونها، دون أن يعرفوا متعة الطحن بهذه الرحى العتيقة.

ومن هنا إلى هناك يتميز ركن التراث بالكثير من المشغولات الشعبية التي شاركت في صنعها نسوة إماراتيات ماهرات، إذ أدى توافر أشجار النخيل بغزارة حول الواحات إلى تطور صناعة متكاملة تعتمد على حياكة سعف النخيل لصناعة أدوات مثل: السلال، والمراوح الصغيرة والحصائر، وأغطية الأرضيات، وغيرها من الأدوات ذات الاستخدام المنزلي اليومي.

وبدأت مريم جمعة بحياكة «التلي»، وهو نوع من التطريز، يتم فيه استخدام خيوط ملّونة تجدل باتقان وتفانٍ. ويستعمل التلي عادة لتزيين صدر وأكمام ثوب المرأة التقليدي الإماراتي. ويوجد هذا النوع من التطريز في الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان فقط.

فيما أخذت عفراء عبيدالله بحياكة السرود، وهو حصيرة دائرية كانت توضع عليها أطباق الأكل. ويمكن جمع العديد منها لتكوين مكان فسيح يجتمع فيه الناس لتناول الطعام.

بينما انهمكت أم مريم في حياكة «المكبة»، التي كانت من الأدوات الأساسية في البيت الإماراتي، وهي عبارة عن غطاء هرمي الشكل يستخدم لتغطية الطعام.

إنه عالم غني بالتراث لا حدود له، ولا يكتفي الزائر بساعة أو ساعتين للتعرف إلى مزايا التراث الإماراتي وجماليته.

لم تنته جمالية ركن التراث هنا، بل مازال هناك الكثير من الأقسام، فالنساء والفتيات ينتظرن دورهن لينقشن الحناء التي تزيد من جمالهن جمالاً، بينما ملأت رائحة البخور المكان، واصطفت عبوات العطر العربي التي صنعت يدوياً ليختار الزوار منها عطرهم المفضل، وبعدها بإمكانهم التوجه إلى بيت العريش المصنوع من سعف النخيل والمزود بحصائر وأرائك، ويتوسطه دلال وفناجين القهوة العربية وصحن تمر، لأخذ قسط من الراحة والاستمتاع بجمالية الركن وروعة التراث.

ولإضفاء مزيد من التشويق والبهجة إلى قلوب الزوار يشهد الركن أيام الخميس والجمعة والسبت بعد صلاة المغرب مجموعة من المسابقات التراثية التي تعرّف بالمزيد من تراث الإمارات وعراقته، وتجعل الأجيال الحديثة على تواصل دائم معه والاطلاع عليه، وذلك من خلال مجموعة من الأسئلة التراثية التي يمكن لجميع الزوار المشاركة فيها والفوز بجوائز قيمة ومفيدة.

تويتر