يرى أن الفنان ليس مناضلاً سيـــــاسياً

منير: عــــرش الأغنية لا يدوم

محمد منير: أم كلثوم ليست متوجة أبدية على عرش الأغنية العربية والفنان الحقيقي لا يهادن السلطة. تصوير: دينيس مالاري

«استبعدوني في بداية مشواري بناء على لوني وهيئتي، ولم يتوقع كثير من الملحنين الذين حاولت التعامل معهم في مستهل مشواري، أن يتقبل الجمهور مطرباً بمواصفات اعتبروها غير جماهيرية، فتولد لدي إصرار أكبر على إثبات العكس، وعندما أنهيت خدمتي بالجيش المصري، كنت أنا وزميلي علي الحجار قد حققنا انتشاراً واسعاً بين قطاع كبير من الشباب الذين كانوا في غالبيتهم جنوداً يتم انتدابنا لإشعال حماستهم بالغناء».

تعبير جمالي

كلمات بدأ بها محمد منير حديثه، وليست تصلح فقط لقراءة المشوار الفني للمطرب المصري الأسمر محمد منير الذي بدأ في سبعينات القرن الماضي، بل في فهم شخصيته بشكل عام، حيث يضيف «لا أستطيع أن أغني دون تحد، ومنذ أن تم تهجيري مع أسرتي من منطقة النوبة من اجل بناء مشروع جرى تصويره على أنه إنجاز استثنائي وهو بناء السد العالي، تعلمت أن الغناء من أجل تحقيق العدل والحرية والكرامة الإنسانية تحد كبير عندما تعاند السلطة ذلك». رغم ذلك يرى منير في حواره لـ«الإمارات اليوم» أثناء زيارته الأخيرة لدبي أن «الفنان ليس مناضلاً سياسياً، ولا يجوز له أن يتحول إلى ذلك، كما أنه ليس صديقاً مهادناً للسلطة، لأن الفن تعبير جمالي في المقام الأول، وإذا كان الفن والسياسة وجهان لعملة، فإنها بالضرورة لن تكون عملة واحدة، فثمة ارتباط قوي بينهما في ما يتعلق باحتضان الثانية للأول، حسب ما تؤشر له نشأة الفنون عموماً»، مضيفاً أن «الموسيقى والغناء كفن ارتبطا بالقصور وبلاط الملوك والرؤساء، لكن المحسوبين على محراب الفن لا يجب عليهم دائماً أن يسايروا الساسة ويجملوا صنيعهم على كل الأحوال، بل الأجدى أن يقوم الفنان باستشراف المستقبل، والتلميح إلى الزلات لتجاوزها».

أغاني الثورة ليست حكراً على أحد

الفنان المصري محمد منيرلا ينظر إلى الأغاني الثورية التي أبدع فيها مواطناه عبدالحليم وشادية على أنها أعمال فنية وازت ثورة حقيقية، بسبب وجهة نظره السياسية التي يرى معها متأثراً ربما بتهجير النوبيين من أجل إتمام بناء السد العالي، الزعيم العربي جمال عبدالناصر رئيساً ديكتاتورياً لمصر، إلا أن صاحب أغنية «إزاي» يؤكد أن «جماليات الفن عالجت تشوهات السياسة الناصرية، وأن أحلام ورؤى عبدالحليم وشادية للمستقبل، جعلتهما يقفزان على واقع مأزوم»، مستدركاً أن «أغاني الثورة الجيدة ليست حكراً على جيل بعينه».

وأشار منير إلى أن «الفن عموماً، والطرب والموسيقى خصوصاً، نشأت مرتبطة بقصور وبلاط الملوك والرؤساء، ودائماً حافظت كل على اقترابها من هذه الأجواء، لأن الفقر والإفلاس لا يصنعان فناً، ولكن على الفنان صاحب الرسالة ان يكون أميناً في هذا القرب، وأن يسعى برهافة حسه لاستشراف المستقبل من خلال تلك الصداقة الإجبارية، دون أن ينشغل بتزيين الواقع وتزييفه».

منير الذي رفض فكرة أن فنانا أو فنانين بعينهم قادرون على التربع الدائم على عرش الأغنية العربية أضاف «فكرة أن بعض الفنانين متمكنون من عرش الأغنية العربية إلى الأبد أكذوبة، ولا يمكن أن نعتمد اسماء بعينها حتى في مثل قامة أم كلثوم، كمتربعة إلى الأبد على هذا العرش، هناك أدوات واذواق متعددة، ومن تمكن من استلهام المعنى والوجدان العربي من المحيط إلى الخليج، دان له هذا العرش في وقت ما».

التحذير من الآتي

يواصل منير «منذ بداياتي وأنا أسعى للتلميح لأمراض وأوضاع لا ينبغي على الفنان أن ينصب نفسه مدافعاً عنها، كما لا يستطيع أيضاً أن يغض الطرف عنها، وعلى هذا النحو يسهل قراءة معظم أعمالي منذ عام ،1978 مثل «يا عروس النيل»، «علي صوتك بالغنا»، «اتكلمي»، «منرضاش نخاصم القمر»، «حدوتة مصرية»، عبر همس تجاوز أيضاً الحالة المصرية، والتحذير من الامبريالية الأميركية، في أغنية مثل «ابن ماريكا» التي تقول كلماتها «أصل الخواجة ابن ماريكا، لما بيدخل حواريكا، يإما ياخدك في بطاطه، يأما يا ابني حيئذيكا»، وهي الأغنية الساخرة التي سبقت اشتعال الحرب التي قادتها اميركا ضد العراق العام 1991».

وأضاف منير «في تجربتي كان هذا الهمس والتلميح والاستشراف يؤدي دائماً إلى التحذير مما هو آت، ثم تحول إلى استفهامات استنكارية شاملة ونبرة تحمل مزيداً من الضجر، في أغنية (ازاي) التي تمت صياغتها قبل أحداث ثورة 25 يناير المصرية، رغم أن معانيها تكاد تمثل وصفاً دقيقاً ليوميات ولسان حال المواطن المصري أثناءها، ما يعني أن تصاعد حدة التفاعل الفني مع الواقع السياسي كان صادقاً في استشرافه للمستقبل».

وفنياً انتقد منير بشدة الواقع الغنائي العربي في ما يتعلق بالألبومات الغنائية، مضيفاً «هناك ألبومات تصدر كل يوم دون أن نسمع عنها، وأنا شخصياً استطيع أن أقدم كل يوم ألبوما من هذا النوع، دون أن أحتاج إلى نشاط زائد، لكن هذا لن يرضى جمهوري ولن يرضيني، لذلك أفضل دائماً أن تتأخر الإطلالة على أن أكون مشاركاً في هذا الواقع الغنائي المأزوم»، مشيراً إلى أن «هناك نمطاً من الغناء التجاري عايش حالة التردي العربي في مساقات كثيرة، منها الفني، لدرجة أنني أحياناً أحب أن أعايش تلك الموجة بسماع بعض تلك الأغاني التي ولدتها، وهي للأسف موجة لا تكاد تنجو منها ذائقة مستمع مهما كان موقعه في الوطن العربي».

تطهير الإعلام

على خلاف اهتمام فنانين كثيرين بأسعار تذاكر حفلاتهم، ليس لهدف مادي بحت، بل أيضاً لأمور تتعلق بما اصطلح على تسميته «بريستيج الحفلات الفنية»، يبدو الأمر مختلفاً عند منير الذي تتميز أسعار تذاكره حفلاته عموماً بالانخفاض في أسعارها، لكنه رفض أن يكون ذلك بهدف جذب أعداد غفيرة من الجماهير، «أسعد حفلاتي تلك التي أشعر أنه بمقدور الجميع أن يحضرها، فأنا على استعداد أن أغني بـ10 جنيهات، عندما لا يكون هناك سبيل أمام الشباب سوى ذلك المقابل للحضور، واغني بـ100 يورو في أوروبا في حفلات يتكلف حضورها أضعاف ذلك، لذلك فإن الحكم في ذلك ليس مادياً، بقدر هو متعلق بالتأكيد على أن اللقاء مع الجمهور لن يفشل لأسباب مادية».

منير الذي أكد أنه تعرض لمواقف سلبية من إعلام بلاده لأغراض غير نقدية أو فنية، أكد أن الجهة الوحيدة أيضاً التي دعمته في ذلك التوقيت كانت جهة صحافية ممثلة في مؤسسة أخبار اليوم المصرية، التي سعت بشكل غير مباشر لدعمه ضد تجاهل إعلامي أكد أنه كان متعمداً، طالب الإعلام في مجال الفن عموماً بالكف عن الانشغال بالتفاصيل الصغيرة، والخروج بالأغنية العربية إلى السياق العالمي دون الاستسلام للانكفاء المحلي، أسوة بما تحقق على سبيل المثال في الإعلام الرياضي العربي، منوهاً بأنه حصل خلال فترة زمنية وجيزة على عدد من الجوائز الدولية، دون أن يكون ذلك محط اهتمام صحافي، في توقيت كانت صفحات الفن في مطبوعات كثيرة تشغل قراءها بتفاصيل مغرقة في المحلية، مضيفاً «الصحافة العربية الفنية بحاجة إلى تطهير».

تويتر