ماء العينين: للمرأة العربية في شعرها.. سيرتان

قالت الدكتورة العالية ماء العينين إن تتبع صورة المرأة في شعر المرأة، يكشف أن هناك تشابها قد يصل إلى حد التطابق بين ملامح هذه الصورة في الانتاج الشعري للمرأة في العالم العربي سواء المشرقي أو المغربي، بما يشكل سياقا أدبيا عاما، دون ان يمس ذلك خصوصية كل شاعرة في ما تقدمه من نتاج شعري. معتبرة ان الحديث عن الشعر النسائي، وما يرتبط بأدب المرأة من إشكاليات ونظرة دونية في بعض الأحيان، قد أخذ مساحة أكبر مما يستحق من المزايدة، والقفز على موضوعات أهم منه. داعية إلى تجاوز نظرية المؤامرة في الأدب، والانطلاق نحو اكتشاف ذواتنا.

وأشارت ماء العينين، التي تشغل منصب محافظة خزانة المعارف الجهوية في الدار البيضاء، في المحاضرة التي نظمتها هيئة أبوظبي للثقافة والتراث أول من أمس، بعنوان «المرأة في شعر المرأة»، إلى قناعتها بأن العلاقة بين المشرق والمغرب العربيين متعثرة، ومازالت مبنية على الافتراض والخلفيات الجاهزة، ولذلك لابد من تشجيع الحوار الذي يعطي كلا الجانبين فرصة للاستماع إلى الآخر كيف يرى نفسه وأدبه وفكره، وأن يستمع لصوته في الآخر الذي هو جزء منه ومن منظومة عامة تجمع العالم العربي. مشددة على ضرورة كسر نمطية النماذج الأدبية التي يتم التعامل معها في الدراسات الأدبية، وطرح نماذج جديدة من المشرق والمغرب على السواء. وأوضحت أنه تفاديا للسقوط في التعميم والتعويم حصرت أبحثها على الجانب الذاتي في شعر المرأة، مع اختيار ثلاثة نماذج اختارتها مغاربية، هي: الشاعرةأ عائشة البصري من المغرب، والشاعرة ربيعة جلطي من الجزائر، أما النموذج الثالث فيتعلق بنماذج من الشعر الشعبي أو بنوع خاص منه ينتشر في الجنوب المغربي ويمتد أإلى موريتانيا وهو المسمى «التبراع»، وهو شعر نسائي خالص على شاكلة اللندي الافغاني.

امرأة «المابين»

خلصت ماء العينين في دراستها إلى ان العامل الأبرز في رسم صورة المرأة في الشعر النسائي ينبع من ثنائية الصمت والبوح لديها، فالمرأة لها سيرتان واحدة ظاهرة تعبر فيها عن ما يجول بداخلها من مشاعر وأفكار بحرية، كما كان يتاح للجواري في التاريخ القديم، بينما تحرم المرأة الحرة هذا البوح، وأخرى غير ظاهرة نتيجة لما تفرضه العادات والتقاليد من قيود اجتماعية وأخلاقية. وأوضحت: «هناك واقع المابيني» أالذي فرض نفسه على «امرأة» في ثقافتنا الماضية أسنلاحظ أنه سيصبح اختيارا فكريا وإبداعيا مع شاعرات من زمننا هذا يشعرن بأنهن في برزخ بين حياتين لا فرق بينهما سوى الإيقاع، بين شخصيتين واحدة تتملكهم وأخرى يمتلكونها، بين الآن والما بعد. هذا الوضع «المابيني» الذي أراه حاضرا في شعر المرأة الحديثة ولكن كممارسة أو اختيار يبدو واعيا بطبيعة أهذا الموقع. يشرحه الناقد عبدالله الغذامي بأنه نموذج «بين بين»، أي حينما تخرج سيدة تسعى أإلى إظهار صوتها وإظهار مشاعرها وهي ليست بالجارية أفتعامل معاملة الجواري، كما انها لم ترض بالشرط الثقافي المتستر على السيدة الحرة والتي تكون حريتها السيادية في قبولها الشرط الثقافي والاجتماعي.

وأوضحت المحاضرة أن هذه المابينية يمكن استشعار تجلياتها أوصورَها في حالات ثلاث تسري في نصوص الشاعرتين أوتحفر ممرات وأخاديد عميقة فيها وهي: ما بين الغربة والعزلة، وما بين القلق والحيرة، وما بين التخفي والسرية.

أنوثة وفخر

محور آخر حاضر وبقوة في شعر المرأة، توقفت عنده ماء العينين في دراستها وهو صورة المرأة/الأنثى، وتعني به «كل ما عنده علاقة بالجانب الذاتي والعاطفي الخاص بالمرأة» وهو ما اعتبرته انسجاما مع الذات المتكاملة الزوايا. موضحة ان تهرب المرأة من أنوثتها وكل ما يرتبط بها، والذي بدا واضحا عند العديد من الحركات النسوية العربية خصوصا في بدايتها، لم يكن في عمومه خجلا أو خوفا أو حتى تحقيرا للذات، بلهو جلد لها وهجوم مازوشي ليس إراديا كوسيلة للدفاع أمام مجتمع حاول دائما أن يسجنها في صفات معينة مرتبطة اكثر بالهشاشة والضعف والنظر إليها كشبهة تحمل أسباب الفتنة. إلا أن الشعر أعاد مد الجسور وفجر كوامن المحظور فأعلنت الشاعرة/الانثى عن نفسها بقوة وحب وبدرجة عالية من ترسم نتوءات الاحاسيس ورغبة متعطشة في الامتلاء والاكتفاء وتحرير نفسها من حبال الخوف والتردد مهما اشتدت قساوة الآخر حتى ولو كان الزمن.

أيضا كان الفخر من المحاور الرئيسة التي توقفت امامها في شعر المرأة، لافتة إلى «ارتباط الفخر في الذاكرة الشعرية العربية بالفحولة الفردية والتغني بأمجاد القبيلة وهو دور رجولي بامتياز وحتى عندما خاضت المرأة غمار الشعر فقد ارتبطت ببكائياته قديما، أوبمزيد من السفر في حنايا الذات أو الانغماس في القضايا القومية او الانسانية الكبرى، في مراحل متأخرة. ولكن الحديث عن المرأة والفخر يبدو كأنه خارج قانون وسُنة الشعرية النسائية خصوصا حول نفسها. ومع ذلك فإن المرأة/الرمز ومكمنَ الفخر وحتى القداسة، حاضرة جدا عند شاعراتنا، فسنجد الفخر بالانتماء كما عهدناه في الشعرية العربية، ولكن بلمسة إبداعية جميلة.

«التبراع»

أما النموذج الثالث الذي تطرقت إليه المحاضرة فكان من الشعر الشعبي الحساني، والذي يسمى «التبراع»، وهي قصائد قصيرة تتكون من شطرين فقط، تعبر فيهما الفتاة أو المرأة عن مشاعرها بحرية، بعيدا عن آذان وأعين الفضوليين، خصوصا أن الشعر الشعبي كثيرا ما يظـل قائـله مجـهولا، موضـحة أن هـناك نماذج ظهرت في هذا النوع من الشعر من أبرزها المرأة الضحية، والمرأة المذنبة، والمرأة الثائرة على المقدس.

تويتر