كتاب يغطي فترة امتدّت إلى أكثر من 70 عاماً بدأت مع هبوط أول طائرة على ميـاه خـور دبي

هكذا غزت دبي السماء

مطار دبي عام 1971 مهّد الطريق أمام دبي لتصبح المركز الجوي الأهم. من المصدر

شهد سكان إمارة دبي في عام 1936 هبوط أول طائرة مائية على مياه الخور في رحلة استطلاعية، لتبدأ أول رحلة تجارية منتظمة إلى دبي مقابل ملعب الغولف الحالي بالقرب مركز التسوق «سيتي سنتر» في أكتوبر عام 1937 تحمل 28 مسافراً وخمسة مضيفين. وفي شهر يوليو من عام 1929 شهدت دبي أزمة كبرى تمثلت بانهيار صناعة اللؤلؤ التي كانت أساس الاقتصاد فيها نتيجة لانتشار اللؤلؤ الصناعي الآتي من اليابان، وأيضاً بسبب انخفاض الطلب العالمي عليه نتيجة للظروف الاقتصادية الدولية في ما سمّي بفترة الكساد الكبير، ولقرارات الحظر التي كانت تمارسها السلطات البريطانية على هذه التجارة في الساحل العربي ككل.

كتاب

كتاب جديد تحت عنوان «الطيران المدني في دبي - النشأة والمستقبل (1937 - 2020)»، قام بتأليفه الإعلامي غسان أمهز، يغطي فترة امتدت الى أكثر من 70 عاماً، والتوقعات المستهدف أن يحققها قطاع الطيران في الإمارة حتى عام ،2020 ما يجعل منه أحد أهم المراجع التي يمكن لصناع القرار والمسؤولين الاقتصاديين والمعنيين بقطاع الطيران والصحافيين والطلبة المتخصصين والمهتمين بتطور هذا القطاع الاعتماد عليه في استقاء معلوماتهم، أو التعرف الى مراحل تطوره والتحديات التي تجاوزها، حتى وصل إلى ما هو عليه الآن. ويأتي اصدار هذا الكتاب الذي ألفّه الاعلامي غسان أمهز، مدير العلاقات الاعلامية في مؤسسة مطارات دبي، بالتزامن مع احتفالات المؤسسة، بمناسبة مرور 50 عاماً على افتتاح أول مطار في دبي في عام .1960 ويقول المؤلف: «لقد اتاحت لي عملية البحث في مئات المراجع والوثائق وعشرات اللقاءات الصحافية، التعرف الى الكثير من التحديات التي واجهتها دبي من اجل الوصول الى تحقيق اهدافها بان تصبح المركز الجوي الابرز بين الشرق والغرب، وكيف جاهد الشيخ راشد لبناء اول مطار في الامارة في عام ،1960 وكيف كان يمتلك خططاً على ورق لإنشاء اول شركة طيران خاصة تحت اسم شركة (طيران دبي) في عام ،1962 ومن ثم كيف تطورت صناعة الطيران في الامارة بفضل قيادة ورؤية صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، الذي قاد قطاع الطيران في الامارة منذ عام ،1977 حتى وصل الى ما هو عليه الآن».

 وبنصيحة من المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، للخروج من هذه الأزمة، تحوّل استخدام سفن صيد اللؤلؤ إلى صيد الأسماك والتجارة لدعم اقتصاد أهالي دبي في تلك الفترة العصيبة، وقبل بداية الحرب العالمية الثانية كانت دبي على موعد قريب مع بعض الانتعاش الاقتصادي مع ظهور النفط، وكان المهبط الأول على خور دبي فاتحة لدخول الإمارة في قائمة المحطات الجوية في العالم.

هذا بعض من الأحداث المقتبسة عن الفصول الأولى من كتاب جديد تحت عنوان «الطيران المدني في دبي - النشأة والمستقبل - 1937 - 2020»، قام بتأليفه الإعلامي غسان أمهز، ويغطي فترة امتدت الى أكثر من 70 عاماً بدأت مع هبوط أول طائرة على مياه خور دبي في عام 1937 وانتهاءً بعام ،2010 والتوقعات المستهدف أن يحققها قطاع الطيران في الإمارة حتى عام .2020

مرحلة تاريخية

يشير الكتاب الذي يضم 26 فصلاً، من الأول وحتى التاسع منها، الى المرحلة التاريخية التي مر بها قطاع الطيران في دبي من عام 1930 وحتى ،1979 إلا أن يوم 30 سبتمبر عام 1960 لم يكن يوماً ككل الأيام، ففيه تحقق واحد من أحلام دبي بأن يصبح لديها مطارها الخاص الذي سيفتح أمام ابنائها وتجارها أبواب المستقبل على مصراعيه، فقد حضر الشيخ راشد في صبيحة ذلك اليوم ليفتتح أول مطار في تاريخ دبي، وهو يرمق الأفق بانتظار الطائر القادم بعد صراع إرادات طويل كسب في نهايته الشوط وحقق الهدف. ودشنت طائرة تابعة لشركة الخطوط الجوية اللبنانية «الميدل ايست»، من طراز (كوميت 4) حينها، افتتاح المطار وسط حضور ما يقرب من 3000 شخص جاؤوا بالسيارات والحافلات وعلى الجمال والخيول لحضور الحدث.

رديف اقتصادي

يقول سموّ الشيخ أحمد بن سعيد آل مكتوم، رئيس هيئة الطيران المدني في دبي عن رؤيته لتلك الفترة: «شكل مطار دبي منذ افتتاحه رديفاً مهماً لاقتصاد الإمارة إلى جانب خور دبي، حيث كان الاثنان (المطار والخور) بمثابة الجناحين اللذين حلقت بهما دبي إلى الأعلى، وسط الكثير من الغيوم والتحديات التنموية على أكثر من صعيد، في تنفيذ عملي لطموحات الشيخ راشد الذي استطاع تطويع الإمكانات المتوافرة لخدمة بلده وشعبه».

ويضيف في الكتاب، الذي اعتمد في بنائه على مقابلات مع أبرز من عاصروا الفترة التي مر بها تطور صناعة الطيران، أن دبي دخلت عقد الستينات من القرن الماضي وهي أفضل حالاً مما كانت عليه في الخمسينات، حيث توافرت لديها بعض الخدمات الأساسية، مثل الماء والكهرباء والخدمات البلدية والشرطة، وبدأ توافد الشركات الأجنبية إليها وافتتاح فروع للبنوك الدولية.

الشيخ محمد بن راشد عقب تفقده أول طائرة تابعة لـ « طيران الإمارات ». من المصدر  


تميز مبنى المطار بتصميمه المستوحى من البيئة الشرقية . من المصدر  


الخدمات الأرضية في مطار دبي بداية الستينات .  من المصدر  

وتظهر مؤشرات مطار دبي ارتفاع أعداد المسافرين «القادمين والمغادرين والترانزيت»، في نهاية عام 1962 إلى 137 ألفاً و640 مسافراً بزيادة قدرها 13٪، وزيادة عدد الطائرات المنتظمة وغير المنتظمة والعسكرية والبريد إلى 1215 حركة بصعود قدره 21٪ مقارنة بالعام .1961 وبعد انتظار طويل استمر لأكثر من عامين تم الإعلان في شهر مايو من عام 1965 عن الانتهاء من بناء المدرج الجديد المبني من الاسفلت، حيث عرفت المدينة أول مرة فير تاريخها هذا النوع من المدارج بدلاً من المدرج الرملي المضغوط.

مبنى جديد

في عام 1969 اتخذ المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم، قراراً استراتيجياً بإنشاء مبنى جديد لمطار دبي، وخلال المشاورات ظهرت مجدداً وجهات نظر مختلفة حول مكان المطار الجديد، كما حدث في نهاية الخمسينات، هل يكون في منطقة جبل علي أم منطقة القصيص؟ ليستقر القرار في النهاية ببناء المطار الجديد بالقرب من مطار قيد التشغيل على بعد نحو 300 متر فقط الذي شمل مبنى حديثا مؤلفا من ثلاثة طوابق بطول 110 أمتار، تضمن ثلاثة مواقف لطائرات الجمبو من طراز بوينغ ،747 وبرجاً للمراقبة والعديد من المباني الخدمية. ويؤكد المؤلف ان افتتاح المبنى الجديد خلال عام ،1971 والمزيد من التوسعات الجديدة بعد عامين فقط أسهم في لعب دور حاسم لجذب شركات الطيران، وجعل المطار الخيار المفضل بالنسبة لها كمركز ترانزيت رئيس للرحلات التي تسيرها بين الشرق والغرب.

ويبين الكتاب الذي تتناول الفصول الأخرى فيه تطور نشاط وتوسعات مطار دبي منذ أواخر السبعينات حتى عام ،2010 العديد من المتغيرات والتحديات التي استطاع المطار أن يتعامل معها في تلك الفترة، منها مسألة خطف الطائرات، إذ شهدت مطارات العالم خلال عام 1973 موجة من عمليات خطف الطائرات، ومن ضمنها مطار دبي، الأمر الذي دفع بصناعة الطيران إلى إجراء تعديلات هيكلية على إجراءات الأمن والسلامة، وشهد مطار دبي ثلاث عمليات خطف لطائرات تعود للخطوط الجوية البريطانية واليابانية وطائرة لشركة «كيه إل إم».

تجاوز الأزمات

يشير الكتاب إلى أن حكمة وحنكة صاحب السموّ الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، الذي كان يتقلد آنذاك منصب وزير الدفاع في دولة الإمارات ورئيس الأمن العام في دبي، دوراً حاسماً في التفاوض لإنهاء عمليات الخطف الثلاث التي شهدها المطار في ذلك العام بنجاح. واستطاع المطار أن يتجاوز كل الأزمات التي واجهته في ظل النمو في أعداد المسافرين والشركات الجديدة التي جذبها في تلك الفترة، وخلال عام 1974 هبطت طائرة الكونكورد في مطار دبي، وفي هذا الصدد يقول مدير عام دائرة الطيران المدني في ذلك الوقت، محيي الدين بن هندي، لقد تجمع الناس في المدينة بالقرب من المطار ليشاهدوا هذه الطائرة العجيبة شكلاً ومضموناً في ذلك الزمن، وبالفعل فقد ادى اختراقها جدار الصوت في أجواء دبي إلى تهشيم زجاج بعض شبابيك البيوت.

وبحسب الكتاب فقد شكلت الأعوام بين 1980 و2000 امتداداً للعقد السابق على صعيد النمو بأعداد المسافرين، والشحن والتوسع والتحديث في مرافق المطار التي تزامنت مع ورشة تنموية طالت معظم البنية التحتية للإمارة والقطاعات الاقتصادية فيها، ودخل مطار دبي الدولي في عام 1997 وللمرة الاولى في تاريخه نادي المطارات الكبرى، واحتل بحسب تقرير مجلس المطارات العالمي المرتبة السادسة ضمن قائمة تضم أسرع 10 مطارات بالعالم نمواً بمعدل قارب 14٪، متجاوزاً بذلك مطارات دولية كبرى، مثل دبلن وميلانو وشيبول وساوباولو.

أهم المراحل

تعد الفترة ما بين 2000 و2010 أهم مرحلة في تاريخ الطيران المدني في دبي، نظراً للإنجازات التي سجلها المطار على الرغم من المنافسة الشرسة والأزمات والتحديات الصعبة التي واجهها الطيران منذ مطلع القرن الحالي، وحقق العديد من المنجزات، من ضمنها ارتفاع عدد مستخدمي المطار من نحو 10 آلاف مسافر في عام 1960 إلى 47.2 مليون مسافر في عام ،2010 وإلى 98 مليون مسافر مستهدف في .2010 وخلال هذه الفترة تم افتتاح «المبنى 3» و«الكونكورس 2» المخصصين لرحلات طيران الإمارات وتطوير مدرجي المطار، والتغلب على صعوبات الهبوط رغم الضباب. وشملت التوسعات بين عامي 1990 و2012 أضخم توسعة في تاريخ المطار تضمنت مبنى الشيخ راشد وقرية الشحن ومركز اكسبو المطار، فضلاً عن المبنى رقم ،2 وإعادة تطوير مبنيي القادمين والمغادرين. ويشير المؤلف إلى أنه في منتصف العقد الحالي كانت جميع المؤشرات تفيد بأن مطار دبي، برغم التوسعات الهائلة التي طالت مختلف مرافقه باستثمارات تجاوزت 30 مليار درهم، لن يكون في السنوات المقبلة قادراً على تلبية تنامي أعداد المسافرين الذين ارتفع عددهم إلى 28.7 مليون مسافر في عام .2006 وجاء القرار باستدعاء خطط قديمة بإنشاء مطار في جبل علي، إذ تعود فكرة مطار آل مكتوم إلى نحو 50 عاماً، عندما قرر الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم بناء المطار في دبي في عام .1959 ويوضح الكتاب أنه تم الكشف عن المخطط الرئيس والنهائي لمشروع دبي ورلد سنترال العملاق في عام ،2005 الذي يتمحور حول مفهوم مبتكر يرمي إلى تطوير مدينة لنحو 750 ألف نسمة تكون بمثابة مدينة مستقلة بحد ذاتها، في منطقة جبل علي التي تضم أول منصة متكاملة في العالم للخدمات اللوجستية والنقل متعدد الأغراض والانماط وخدمات القيمة المضافة، مثل التصنيع والتجميع، وذلك في منطقة حرة تتألف من مدينة دبي اللوجستية ومطار آل مكتوم الدولي الذي يعمل جنباً إلى جنب مع ميناء جبل علي، إذ يغطي المشروع مساحة 140 كلم مربعاً، وتبلغ تكلفته الاستثمارية 120 مليار درهم.

تويتر