الثورة حركت السكون وحطمت اليأس في الوجدان

مثقفون: شكل آخر للإبداع العـربي

ثورة مصر أعادت الاعتبار لقيم الحرية والعدالة والجَمَال. رويترز

الثورة التونسية وهروب الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، وتنحي الرئيس السابق لمصر محمد حسني مبارك جميعها أحداث لن تمر مرور الكرام في عقل وذاكرة الفنان والمثقف العربي، فالثورة حركت السكون وحطمت اليأس في أعماقهم، وأزالت الخوف من «فزاعة» الأنظمة. وأجمع عدد من الفنانين والمثقفين العرب على أن التغيرات السياسية ستفرز نتاجاً إبداعياً مختلفاً.

وقال المخرج المصري خالد يوسف الذي شارك في ثورة 25 يناير منذ لحظة انطلاقها، إن «لحظة تنحي حسني مبارك كانت بمثابة مشهد يعجز عن وصفه أي عبقري سواء في الصورة أو اللحن أو الكلمة». يوسف الذي قدم أفلاماً عدة تلمّح أو تصرّح عما يعانيه المواطن المصري البسيط، ومنها «زواج بقرار جمهوري»، و«دكان شحاتة» قال «على الرغم من أفلامي السابقة، إلا أنني سأعمل على أن يكون فيلمي المقبل أكثر مباشرة، فلا خوف بعد الآن ولا سقف يحد مما نريد قوله، ولا رقابة ستمنع الكلمة الحرة بأن يعلو صوتها».

وقال الناقد والسينمائي الأردني عدنان مدانات، إن «السينما الحرة كانت تقدم دائماً أفلاماً تحاكي الشعب وتهاجم الانظمة المستبدة، لكن النهاية في غالبيتها كانت تخدم تلك الانظمة ليس تقاعساً من المخرج النبيل، بل من جبروت الرقابة الموالية لتلك الانظمة»، مستشهداً بفيلم «الكرنك» للكاتب نجيب محفوظ والمخرج علي بدرخان الذي يعد من أجرأ الأفلام العربية، وفيه اقترب بدرخان من عالم رجال الأمن والدور الذي لعبوه في إرهاب وإفساد الشباب المصري من الداخل وطمس معالم إنسانيته لكي يتحول إلى مسخ لا أمل ولا خوف منه ومازالت ترن صرخة رجل المخابرات خالد صفوان «كمال الشناوي»، بعد أن وجد نفسه في السجن وجهاً لوجه أمام شباب دمر حياتهم «كلنا مجرمون.. كلنا ضحايا». مؤكداً أنه مع الكثير من الأفلام التي حاولت أن تغير، إلا أن الغد سيحمل الجرأة بشكل اوسع وستعجز فخرا كل الآلات الفنية من نقل المشاهد الحقيقية التي حدثت في ميادين وشوارع مصر وتونس.

حرية كاملة

أكد الناقد المصري كمال القاضي، أن السينما العربية «لم تتنفس حريتها بالكامل في مناخ صحي، وكانت تتحايل على ديكتاتورية الأنظمة، بما يسمى بالتضمين السياسي داخل القوالب الدرامية، التي تبدو للوهلة الأولى أنها تطرح هموما اجتماعية فحسب، ليتسنى لها المرور من تحت مقص الرقيب من دون إصابات بالغة، وقد لعب الكتاب والمخرجون هذه اللعبة، إذ وجدوا فيها حلاً لأزمة التعبير، أما الآن فلا مجال للتلاعب وقد باتت الصور أقرب الى العين والقلب، وأقوى من أي مشهد قد يصنع لأجلها».

قال الشاعر الفلسطيني معن سمارة، إن «هذه الثورات الشبابية التي نجحت وتلك التي لاتزال في بدايتها كسرت حالة الخوف والإنكسار التي كانت تعتري المواطن العربي، وأظهرت له أنه يستطيع العمل والمقاومة والتأثير». وأضاف أنه على صعيد الثقافة فهذه الثورات أسست لجيل جدلي حقيقي يقوم على الحوار والديمقراطية وتقبل الآخر، وبالتالي تقليل النعرات الطائفية والحزبية ما شأنه أن يؤسس لرؤى وحراك أيدولوجي جديد في العالم العربي قوامه التعددية. وبالنسبة للأدب والفن يرى سمارة أن «هذا سيأخذنا إلى منتجات ثقافية جديدة بروح وشكل مختلفين، وستتنوع بين التوثيق والتمجيد وفتح أفق جديد مختلف في القيمة والمضمون والشكل، وسينتبه الكتّاب والفنانون أكثر إلى ضرورة العمل الجاد في التفاعل الاجتماعي، وكذلك في دورهم الحقيقي في إيصال القيمة للمجتمعات، كما أن هذا العمل سيؤسس لأدب جديد سيقوم على التحريض الحقيقي للتغيير والمقاومة واحترام الإنسان العربي وقدرته على التأثير في مجتمعه، ناهيك أن هذه الثورات أثبتت أن الوعي الاجتماعي والتعليم، وتشرب مقتنيات العصر الحديث هي ادوات فاعلة وحقيقية في قيادة التغيير».

نفتخر بعروبتنا

«بنت صغيرة تسأل أمها: ما الذي يحدث في مصر يا ماما/ ثورة على مبارك يا حبيبتي/ ليش يا ماما؟ لأنه سيّئ مع شعبه، البنت: آه اذا انا بدي اعمل ثورة على مديرة الروضة لأنها سيئة يا ماما»، مثل هذه الحوارات انتشرت كثيراً بين العائلات، وهي إن دلت على شيء تدل على الكثير من قيم الحياة والتفكير التي أحدثتها ثورة مصر، في انساننا العربي فالعرب قبل 25 يناير ليس هم انفسهم بعد 25 يناير.

ويرى الكاتب الفلسطيني زياد خداش أن «أهم إنجازات ثورة مصر على صعيد الأمة هي أنها أحيت الشعور بالذات القومية، وجرفت معها نسق وسياق حياتنا البليد والمترهل والدوني والسطحي». وقال «قبل ثورة مصر لم أكن أفخر بكوني عربياً، كنت أقول أنا إنسان فحسب، الآن أنا أقول أنا عربي، قيميا كان للثورة تأثير بالغ يشبه تسونامي قيمي جارف، جرفت رياح وعواصف الثورة كل القيم الاجتماعية القديمة التي ربتها فينا عهود الذل والقمع والفساد والكذب والتفاهة والنفاق، اتحدث طبعا أنا على اساس أن مصر هي مرآة الأمة العربية، وعاكسة تطورها أو تخلفها، فإن تخلفت مصر تخلفت الأمة، وإن تطورت تطورت معها الأمة».

وأكد أن ثورة مصر غيرته على المستوى الشخصي «حتى جملتي الأدبية صارت أكثر انسانية وعمقاً، ونبلاً، ووفاء، وارتباطاً بجذوري، مع بقاء كوني صاحب نظرة انفتاحية كونية للحياة، صرت احس بمسؤولية أكبر تجاه ما أكتب، قبل ثورة مصر كنت أقول ولم لا أكون بذيئا وعدميا فالأمة ساقطة ولا أمل في شيء؟».

وأضاف «في مدرستي الطلاب يهددون المدير بنشر معلومات عن العنف على (الفيس بوك) في المدارس اذا تواصل ضرب الطلاب، قائلين (بنعمل ثورة زي ثورة مصر وتونس)».

«فيس بوك»

قال المخرج الذي أحب أن يطلق على نفسه بالمخرج العربي فجر يعقوب «لا يمكن تسجيل الملاحظات حول هذا الموضوع بسهولة، لأن المخرجين ومؤلفي السينما أصبحوا اليوم يقفون وسط ميدان المجتمع الاتصالي الشامل، ولم يعد ممكنا الفصل بين ما هو متخيل وما هو واقعي، اذ توجد اليوم مساحات افتراضية للقول، لم تكن متوافرة من قبل».

وقال: «صحيح أن الأدوات المعرفية هي ما ينقص أصحاب هذا القول لاتمام ما يمكن قوله، خصوصاً في مثل هذه الحركات الاحتجاجية الصارخة التي أخذت تعبر عن حالها ليس من خلال المنطوق الكتابي والمعرفي والثقافي، وإنما من خلال التكنولوجيا والإنترنت وموسوعة معارف شعبية تنقصها الحجة والإقناع». متسائلاً «هل صحيح أن هناك أولادا لـ(الفيس بوك) هم من يقودون هذه الثورات على مرأى من العالم؟ ويجيب أن يستمد السؤال مشروعيته، اذ يمكن لنا مع مسح هذه الحدود بين ما هو متخيل وواقعي أن يكون هناك أبعاد درامية واقعية لهذا المأمول الافتراضي، فقد كنا شاهدين لأيام خلت على مناسبات زواج في ساحة ميدان التحرير، وكأننا بالفعل بتنا حضوراً وشهوداً على أبعاد درامية تتجاوز ما يمكن أن نفترضه ونقرأه عن الثورة المصرية الجديدة، وما سيتلوها من ثورات في أماكن أخرى مهيأة بالفعل لأن يتكاثر فيها أولاد الـ(فيس بوك) بسرعة قياسية». وقال «ربما لا أكون منحازاً إلى هذا المصطلح، لأننا نقف أمام أولاد مصر وتونس، ولأننا نرفض الانقطاع بالكامل عن سنوات القهر التي أفضت بالجميع إلى هنا، ونرفض أيضاً هذا القطع في الانتماء إلى حاضر وإن بدا ميؤوسا منه، ذلك أن الانقطاع، والانتماء إلى حظيرة افتراضية، تخلق نوعاً من عدم الانتماء والانشداد إلى الأرض، فنحن مازلنا نقع في أمية خطرة، والحديث عن أولاد (الفيس بوك) يخضعنا جميعاً لريح صرصر قد لا يكون في وسعنا الوقوف في وجهها، فلم يسبق أن تحدث أحد من قبل عن أولاد (الفيس بوك)، ولم يسبق أن تسيد مثل هذا المصطلح على أمة من قبل قررت أن تصنع ثورتها بطريقتها. ما يحدث في مصر يقف وراءه أولاد مصر، والدليل ليس الملايين التي تزحف كل يوم باتجاه ميدان التحرير فقط، بل هذان الزوجان اللذان أقاما حفل زفافهما في وسط الميدان ليعلنا بكل صراحة أن أولاد المستقبل هم مصريون أيضاً، ومصريون بالكامل. هنا تكمن قوة الواقع حين يهزم (أسطورة) تلفزيون الواقع، وبرامج الاستعراض، والتلصص على حياة المشاهير واللصوص، والأفاقين الكبار والصغار، فما يحدث هو ترجمة فورية وحقيقية لثورات ستفوق الوصف بعد كل ذلك».

في المقابل، قال الكاتب اللبناني امين حمدان إن «ما يختاره صناع السينما كمراسلين هو رهن بالإيحاءات التي يعرضها المتلقي بدوره، بالنسبة لسينما الواقع، فمن الطبيعي أن ما يحصل الآن قد اغنى المادة التسجيلية، وسيكون هدفاً للمعالجة السينمائية بشكل عام، صناع السينما سيتوجهون الآن الى جيل اكثر وعياً للتكنولوجيا، الجيل الذي حول العالم الرقمي او الافتراضي الى الواقع الاول، جيل اكثر وعياً للحرية، أكثر وعياً لمبدأ الثورة التي عادت لتدغدغ مشاعره، كنتيجة مباشرة لما يحصل الآن سيتحرر صناع السينما من الكثير من القيود والمحرمات سابقاً، الجغرافيا العربية أمست أصغر مسافة والهموم أكثر مشاركة، لذلك يستطيع صناع السينما الاستفادة من هذه الموضوعات والواقع الجديد للتوجه إلى جمهور اوسع، الثورة، الديمقراطية، الاستبداد، حق الشعوب في تقرير مصيرها، الوعي الاجتماعي، وسائل الاتصال الاجتماعية، فلسطين، الايثار، الانظمة العربية بكينونتها كلها اصبحت موضوعات جديدة او قديمة جديدة للصناعة السينمائية.

أفلام تشبه الثورة

فيلم «احنا بتوع الأتوبيس» للمخرج حسين كمال والكاتب فاروق جبري حبيس كان في أدراج الرقابة لسنوات قبل أن تفرج عنه أخيراً، فالشباب المصري الذي تجمهر في ميدان التحرير بالقاهرة مطالباً بالتغيير هو امتداد لشخصية شاب في الفيلم استشهد من جراء التعذيب، ورغم ذلك كانت الابتسامة تزين وجهه وهو يردد: «ليا مين غيرك يا بلدي ليا مين دحنا ياما خدنا منك فيها إيه لو مرة ندّي». وقدم المخرج علي عبدالخالق نبوءة سينمائية لما هو حاصل اليوم في مصر وهو «ظاظا» للفنان هاني رمزي الذي يلعب دور «سعيد» الشاب المصري العاطل من العمل الذي يرشح نفسه أمام رئيس الجمهورية في الانتخابات ويستطيع خطف ثقة الشعب به، خصوصاً أن هذا الشعب يبحث عن خيط تغيير حتى لو كان رفيعاً ويحاول هذا الشاب إنقاذ ما يمكن إنقاذه من وطن ينهار وفي ختام الفيلم يتعرض للقتل من قوى أجنبية لا تريد نهوضاً لمصر. وربما كان فيلم «كباريه» للمخرج سامح عبدالعزيز تشخيصاً سينمائياً يحمل أهمية كبيرة لحال المجتمع المصري.


«شوارع الجنة» فيلم عن ثورة 25 يناير

أكد المخرج المصري خالد الحجر، أنه يعمل حالياً مع كاتب السيناريو أسامة حبشي لوضع الخطوط العريضة لسيناريو فيلم سينمائي جديد بعنوان «شوارع الجنة» يحكي عن قصص إنسانية لعدد من الشباب المصريين الذين شاركوا في «ثورة 25 يناير».

وقال الحجر إن «الفيلم ظهرت فكرته عقب تفجر أحداث الثورة التي انتهت برحيل الرئيس حسني مبارك، وإنه يقدم يوميات لستة من الشبان الذين اعتصموا لأيام عدة في ميدان التحرير في وسط القاهرة، والذين قضى بعضهم مقتولاً، بينما أصيب آخرون بإصابات متباينة».

وأضاف أنه اختار مع كاتب السيناريو أن تتباين الشخصيات والثقافة والمستوى الاجتماعي لأبطال الفيلم حتى يكون معبراً عن التكوين المتباين للمشاركين في الثورة المصرية التي اتخذت من ميدان التحرير مقراً لها لمدة 18 يوماً متواصلة، وراح ضحيتها بحسب إحصاءات رسمية أكثر من 364 مصرياً. وأوضح أن الفيلم مازال في طور الكتابة ولا يتوقع أن يبدأ تصويره قبل شهر أبريل المقبل، ولم يتم حتى الآن ترشيح أبطاله وإن كان المتوقع أن يضم مجموعة من الشباب على حد قوله.

ويعمل خالد الحجر حالياً على تصوير مسلسل تلفزيوني بعنوان «دوران شبرا» بدأ تصويره قبل تفجر الأحداث بشهر تقريباً وتدور أحداثه حول الفتنة الطائفية التي تحاول جهات في الداخل والخارج إذكاءها في المجتمع المصري الذي عاش فيه المسلمون والمسيحيون لقرون في سلام.

وقال المخرج المصري إنه قرر عقب انتهاء ثورة الشباب المصرية أن يغير نهاية المسلسل بعض الشيء لينتهي بخروج الشباب المشاركين في بطولته من المسلمين والمسيحيين إلى التظاهرات المطالبة برحيل النظام المصري السابق كنوع من التعبير عن الوحدة الوطنية التي يعيشها المصريون بعيداً عن انتماءاتهم الدينية.

وكان آخر أعمال الحجر فيلم «الشوق» الذي حصد الجائزة الكبرى في الدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، والذي قامت ببطولته سوسن بدر وروبي وأحمد عزمي ومحمد رمضان.

وقال الحجر إن صحيفـة «الغارديان» البريطانية أجرت معه حواراً في القاهرة قبل أيام حول الفيلم الذي اعتبرت أنه بشر بالثورة في مصر، من خلال انتهائه بسقوط سلطة الحكومة التي تمثلت في وفاة الأم التي سيطرت على كل مجريات الأحداث طوال الفيلم. القاهرة ــ د.ب.أ

 

تويتر