«أبوظبي للثقافة» تنظم مؤتمراً عالمياً للآثار في مارس المقبل

قلعة الجاهلي في العين بنيت أواخر القرن الـ.19 أرشيفية

أعلنت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث عن تنظيم مؤتمر دولي حول الآثار بالدولة، بمشاركة خبراء محليين وعالميين، وذلك في مدينة العين يومي 30 و31 مارس المقبل، متابعة لاستراتيجية الهيئة في حماية وصون المصادر الأثرية الغنية في أبوظبي والإمارات والبحث فيها والترويج لها.

وتتبنى هيئة أبوظبي للثقافة والتراث رؤية شاملة للثقافة تضم التراث المادي وغير المادي على حد سواء، و تسخّر جميع مواردها للحفاظ على الأصول المعمارية والأثرية، مع العمل على تطوير الفنون والثقافة بمختلف أوجهها.

وتواصل هيئة أبوظبي للثقافة والتراث تكثيف جهودها في حفظ وحماية التراث الثقافي المادي في إمارة أبوظبي وإدارته وتطويره بما في ذلك المواقع الأثرية والثقافية والمباني التاريخية والمقتنيات الأثرية والمخطوطات، فضلاً عن حفظ التراث المعنوي لإمارة أبوظبي وتطويره من خلال دمجه في الحياة اليومية للمجتمع، وتشجيع إحياء العادات والتقاليد وممارستها، ودعم الأبحاث والتعاون المؤسساتي بهدف التشجيع على فهم أفضل لثقافة وتراث أبوظبي والإمارات والعالم العربي.

ومن جهة أخرى، تعمل الهيئة على إنجاز مشروع شامل لإعداد الخرائط لكل مواقع البقايا الحيوانية المتحجرة في أبوظبي، حيث ينتشر معظم هذه المواقع على طول امتداد المنطقة الغربية.

هذا إضافة إلى تكثيف جهود توثيق المواقع الأثرية المنتشرة في مناطق واسعة من إمارة أبوظبي، وذلك من أجل حصر المواقع المختلفة وتسجيلها في قاعدة بيانات خاصة.

وقد وثقت الهيئة في مطبوعاتها الرسمية ومشاركاتها الخارجية في المحافل الثقافية الدولية، أهم معالم التراث المادي في الدولة، ومنها ما يزيد على 1200 موقع أثري تمتد من عام 3000 قبل الميلاد إلى فترة الجاهلية المتأخرة قبل ظهور الإسلام، إضافة إلى ما يزيد على 100 مبنى تاريخي يرجع تاريخ بعضها إلى 300 عام خلت، فضلاً عن ثروة حقيقية من المعلومات والصور عن المناطق الثقافية المهمة.

وترجع الاكتشافات الأثرية في أبوظبي إلى الفترة ما بين 2000 و2500 قبل الميلاد، وهي تمثل أجزاء مترابطة من حضارة عريقة تعرف عالمياً باسم «حضارة أم النار». فقد أسهمت التنقيبات عن النفط في اكتشاف مقابر حجرية قديمة، وتم العثور على دلائل وعلامات على وجود مستوطنات ومقابر ومعالم حضارة لسكان كانوا يتمتعون بالمهارة في تذويب النحاس، وكانت لهم اتصالات تجارية قوية مع مختلف مناطق آسيا.

وفي جزيرة مرواح تمّ الكشف عن هياكل عظمية أثبتت الأبحاث والاختبارات أنها تعود إلى أفراد ينتمون لشعب استوطن أبوظبي منذ ما يزيد على 7500 سنة.

كما تتميز مدينة العين بثراء معالمها التاريخية التي تعود للعصر الحجري والعصر البرونزي والعصر الحديدي والعصر الهيليني، وعصر الجاهلية، وما بعد ظهور الإسلام.

وكانت هيئة أبوظبي للثقافة والتراث قد أعلنت في يناير الماضي، في إطار التعاون الفني المشترك مع أبرز المؤسسات العلمية في العالم في مجال أعمال التنقيب عن المواقع الأثرية والمتحجرات، عن اكتشافات جديدة عبارة عن متحجرات تضم جمجمتين كاملتين لتماسيح ضخمة كانت تعيش في المنطقة التي كان ينساب فيها نهر قبل نحو ثمانية ملايين سنة مضت، وذلك نتيجة لأعمال حفريات مشتركة بين إدارة البيئة التاريخية بالهيئة من جهة وجامعة ييل ومتحف بي بودي للتاريخ الطبيعي بالولايات المتحدة الأميركية من جهة أخرى.

وقام فريق العمل بدراسة تفاصيل الصخور بهدف فهم أفضل للبيئات القديمة حيث اكتشف للمرة الأولى دليل على وجود النمل الأبيض الأحفوري.

ومن الضروري تقديم الحماية اللازمة للحفاظ على الطبقات الجيولوجية المترسبة من الحقبة الميوسينية المتأخرة نظراً لأنها تمثل أكثر الأمثلة على هذه الطبقات اكتمالاً واحتفاظاً بشكلها الأصلي في أراضي شبه الجزيرة العربية بأسرها.

وتتواصل الجهود الحثيثة للقيام بحماية هذه المواقع وحفظها بما فيها من متحجرات من الأخطار المختلفة بالتنسيق مع بلدية المنطقة الغربية ومجلس التخطيط العمراني، كونها تعتبر مهمة جداً على الصعيد العالمي والمحلي والإقليمي، لأنها الأمثلة الوحيدة للمتحجرات في المنطقة، وذلك باستكمال إنشاء الأسيجة الواقية حولها. حيث إن هذا العمل يشكل جزءاً من استراتيجية هيئة أبوظبي للثقافة والتراث للحفاظ على المناطق الأثرية المهمة في أبوظبي.

ومما يجدر ذكره أنه تم اكتشاف المزيد من المواقع يعود جميعها إلى عُمر يراوح بين ستة وثمانية ملايين سنة مضت، احتوت على نوعيات عالية الجودة من المتحجرات، اذ عاشت أنواع كثيرة من الحيوانات في تلك المنطقة في ذلك الوقت من بينها الفيلة وأفراس النهر والظباء والزراف والقرود والقوارض والحيوانات الآكلة اللحوم الصغيرة والكبيرة والنعام والسلاحف والتماسيح والأسماك.

وعلى الرغم من أن هناك دليلاً على أن الظروف الصحراوية كانت موجودة آنذاك كما الحال الآن، إلا أن هذه الكائنات قد مدّها النهر الكبير الذي كان يجري بأسباب الحياة حيث كان يتدفق ببطء عبر المنطقة. علاوة على وجود الغطاء النباتي المزدهر الذي يضم الأشجار الكبيرة، علماً بأن هذه الحيوانات تشابه تلك المعروفة في شرق إفريقيا خلال الفترة الزمنية نفسها، وتقابل أيضاً بعض الأنواع الأوروبية والآسيوية من الفترة الزمنية نفسها هنالك.

وكان للمجتمع الأهلي دور كبير في تسهيل أعمال مشروعات التنقيب الأثري، والمساعدة للوصول إليها، خصوصاً تلك الموجودة في عمق الصحراء والمناطق البعيدة، ومنها المسوحات التي قامت بها الإدارة في منطقة الشويب، وكان تم الإبلاغ عنها من قبل أحد المواطنين بالعثور على موقع أثري وجد فيه عدداً من اللقى الأثرية.

ومن اللقى التي تم العثور عليها خلال أعمال المسوحات في هذه المنطقة بقايا قشور بيض النعام أيضاً، وبينت نتيجة الدراسة المقارنة لقطع الكسر الفخارية المكتشفة بالمسح مع قطع كسر فخارية أخرى مشابهة، أنها تعود إلى الفترة الإسلامية المتأخرة، وتخص تلك القبائل البدوية التي كانت تجوب مناطق شاسعة من الدولة في مواسم الشتاء طلباً للكلأ والرعي، اذ كانت تخيم في مواقع مختلفة لفترة بسيطة، وأضاف البيان أن هذه المواقع مشابهة لتلك المواقع التي تم مسحها سابقاً من قبل الهيئة خلال المواسم السابقة، كمواقع محضر المري وموقع بدوع الشويبر جنوبي منطقة الختم، ومواقع في منطقة الخزنة ـ غابات بوخيسة، إضافة إلى الكثير من المواقع التي تم توثيقها خلال مسوحات المعاينة الأولية الثقافية في مناطق متعددة من إمارة أبوظبي.

وبالتزامن مع المؤتمر العالمي للآثار، المزمع تنظيمه نهاية مارس المقبل، أعلنت إدارة البيئة التاريخية في الهيئة عن إعادة إطلاق حولية الآثار في دولة الإمارات العربية المتحدة، التي كانت تصدر خلال فترة السبعينات حتى نهاية الثمانينات، وتشكل مصدراً غنياً ومرجعاً إقليمياً ودولياً في هذا الشأن، وسيتم نشر أوراق العمل التي ستقدم في هذا المؤتمر من خلال الهيئة في العدد المقبل من هذه الحولية، كما سيجري إطلاق موقع إلكتروني يضم كل المقالات المنشورة في الأعداد السابقة، لتكون مُتاحة للباحثين في هذا المجال.

كما تولي الهيئة اهتماماً كبيراً بترميم المباني القديمة ذات العمارة الطينية، اذ من المعروف أن مدينة العين تضم عدداً كبيراً من المباني المنشأة بالطوب الّلبن، وحصون وقلاع وقصور تعود إلى قرون ماضية.

وتضم مدينة العين عدداً كبيراً من أقدم المباني في إمارة أبوظبي، لعلّ أهمها قلعة الجاهلي التي بنيت في أواخر القرن الـ،19 التي شهدت عملية ترميم ضخمة جعلت منها منارة ثقافية لمدينة العين والمنطقة عموماً، اذ تستضيف على مدار العام العديد من الفعاليات الموسيقية والفنية والثقافية.

كما يعتبر متحف العين، الذي أنشأه المغفور له بإذن الله الشيخ زايد، أقدم متحف في الإمارات، وزائر المتحف يستطيع أن يرى بوضوح ملامح الحياة الإماراتية القديمة قبل النفط، وأبرز الاكتشافات الأثرية المهمة في المنطقة، التي يصل أكثرها قدماً إلى العصر الحجري.

وتواصل الهيئة حالياً عملها في عدد من المبادرات المماثلة التي تركز على إعادة تأهيل المتاحف القائمة مثل متحف قصر الشيخ زايد، إلى جانب تطوير المتاحف في المواقع التاريخية مثل متحف قصر المويجعي.

تويتر