قنواتنا الإماراتية.. هــل هي محلية؟

برنامج «ستار صغار» خلال استضافته المطربة يارا. أرشيفية

قنواتنا التلفزيونية المحلية، هل هي محلية فعلاً؟ هل نجحت في أن تعبر عن الهوية الإماراتية، وأن تنقل نبض الشارع الإماراتي بكل ما فيه من هموم وأحلام وطموحات ونجاحات؟ وإذا لم تنجح في تحقيق ذلك، فما الأسباب، وما الذي ينقصها للوصول إلى هدفها؟ الأستاذة في كلية الاتصال في جامعة الإمارات، الدكتورة أمينة الظاهري في إجابتها عن هذه التساؤلات اعتبرت أن «تقديم قناة ذات محتوى محلي بنسبة 100٪ أمر غير منطقي، وتحقيقه ليس سهلاً على الإطلاق، خصوصاً أن القنوات المحلية في الدولة لم تنجح حتى الآن في أن تحقق حتى نصف هذه النسبة».

وأرجعت ذلك في الدرجة الأولى إلى عدم اتجاه القنوات المحلية إلى إنتاج برامج ذات هوية ومضمون محليين، وبأيدي ورؤية أبناء الإمارات، مضيفة أن «أغلبية المواد التي يتم بثها على القنوات الإماراتية هي مواد وبرامج مستوردة تم إنتاجها خارج الدولة، أو برامج منتجة محلياً، ولكنها منقولة عن برامج أخرى مستوردة». وتساءلت الظاهري: «هل يمكن أن نعتبر برنامج مثل (ستار صغار) الذي يعرض على قناة أبوظبي ويقدمه مذيع إماراتي، أو برنامج (زهرة الخليج) من البرامج المحلية؟»، مجيبة «بالطبع لا، لأن المحتوى في كل منهما غير محلي، ولا يرتبط بمجتمع الإمارات بشكل خاص».

وترى أستاذة الإعلام أن «ضعف الإنتاج المحلي، باستثناء برامج معدودة مثل برنامج (الميدان) لبطولة فزاع لليولة الذي عرض على قناة سما دبي، و(الشارة) الذي عرض على قناة أبوظبي، يقف عقبة أمام بعض الفضائيات التي تركز على تقديم أعمال محلية، ما يدفعها إلى إعادة عرض البرامج التي لديها، أو الاتجاه لملء ساعات بثها ببرامج مستوردة»، وأوضحت أن أغلبية البرامج المحلية تتمثل في المتابعات الإخبارية وتغطيات للأنشطة والفعاليات التي تقام في الدولة، وهي ليست كافية لملء ساعات بث قناة تلفزيونية.

إعادة حسابات

الخبير الإعلامي، الدكتور علي الشعيبي لا يذهب بعيداً عن هذا الرأي، داعياً المحطات التلفزيونية المحلية إلى إعادة حساباتها، وأن يرقى الإعلام إلى مستوى التحديات، قائلاً ان «الفشل في الوصول إلى المتلقي المحلي، لا يمكن تعويضه بالنجاح في الوصول إلى المتلقي العربي أو الأجنبي، على الرغم من انه لا يوجد ما يؤكد نجاحنا في ذلك، إلا أرقام العوائد الإعلانية مؤشر تقاس به قدرة المحطة على النجاح»، وشدد على سقوط فكرة المحطة التي تتحول إلى «دجاجة تبيض ذهباً»، مؤكداً أن «المسؤولية الاجتماعية للإعلام أهم بكثير من قصة إعلان يحول برنامجاً تافهاً إلى عامل مؤثر في عقلية وفهم جيل بأكمله».

وقال الشعيبي «في السنوات الأخيرة، حدث تقدم تقني هائل في مجال الصورة والإبهار، مع تراجع حاد في تواجد العنصر المحلي في صناعة المواد والبرامج الإعلامية، فاختفت البرامج المحلية، وإن ظهر بعضها على استحياء، فالقائمون عليه من حيث الإعداد والتقديم والإخراج غير إماراتيين، لأننا لم نهتم بصناعة كوادر إعلامية مواطنة». وأوضح أن الانكفاء واللهاث على «الكعكة الإعلانية»، والتوجه إلى مشاهد عربي، أدى إلى «ظهور نوعية من البرامج تعتمد على (الحكاوي) وإشراك مجموعة من الفنانين والفنانات والمهرجين بغرض قضاء ساعة من الحوار الممجوج في بعض الأحيان، وأصبحت معظمها تسعى لاكتشاف نجم الغناء أو الرقص، أو لحل المشكلات عن طريق (قاضي الغرام)، هذا القاضي الذي قضى على البقية الباقية من هوية البرنامج المحلي». وأضاف أن الدراسة المستفيضة والتحليل المتوازن للمضمون الإعلامي يمكن أن يخرجا بنتيجة مفادها انه باستثناء أقل القليل، معظم البرامج لم تعد قادرة على تلبية طموحات المتلقي المحلي، وغدت معظمها صورة مكررة عن البرامج التي تعرضها فضائيات عربية كثيرة، وهي في معظمها، «صورة مشوهة لبرامج أجنبية تم تقليدها».

وقال إن الإعلام الإماراتي منذ قيام الدولة الاتحادية مر بثلاث مراحل، الأولى هي مرحلة التكوين، والتي ارتبطت بقدوم كثير من الكوادر الإعلامية التي جاءت من مصر بتوجه عروبي قومي يصب في الأهداف العامة نفسها لقيام الاتحاد وترسيخ الهوية الوطنية والعربية، مؤكداً أنه «في تلك المرحلة كان الإعلام الإماراتي محلياً باقتدار، ولم يبخل الرعيل الأول من الخبراء والإعلاميين المصريين على الكوادر المحلية، سواء بالتوجيه والتدريب أو الرعاية، بغرض خلق جيل من الإعلاميين القادرين على تحقيق رؤية القيادة السياسية الحكيمة لتوطيد أركان الدولة»، موضحاً أن تلك الفترة شهدت عرض برامج وأعمالاً درامية محلية، قد تكون خالية من التقنية الحديثة والإبهار، ولكن كانت الروح المحلية وصبغة القومية واضحة فيها. وأضاف أن «المرحلة الثانية اسهم فيها إعلاميون من بلاد الشام في ترسيخ قدرة الإعلام الإماراتي على التواصل مع الجمهور العربي، ابتعاداً خطوة بخطوة عن الهم المحلي، إلى أن جاءت طفرة التسعينات وما تلاها، إذ انحسرت فكرة الإعلام المحلي، وصرنا لا نميز القناة الإماراتية إلا من الشعار الموجود على طرف الشاشة، فما عادت البرامج محلية، ولا الروح والرؤية محليتين».

الدراما المحلية أيضا، كما يرى الشعيبي، لم تسلم من التهميش، «بالمقارنة مع الإنتاج الدرامي في السبعينات والثمانينات، يمكننا إدراك الهجمة الشرسة التي تعرضت لها الدراما المحلية لمصلحة الخليجية والعربية، ولم ننجح في استغلال تلك الفترة لإعداد جيل من المبدعين في الكتابة والإخراج والتمثيل»، مضيفاً «في العامين الأخيرين، ظهرت دراما محلية، لكنها مشوهة لتراث الإمارات وللعلاقات الاجتماعية في المجتمع، اذ الدراما الإماراتية الجديدة المصنوعة بأيادي وفكر غير إماراتيين، قدمتنا مشوهين فارغين، ترتبط علاقاتنا بالجشع والخيانة والحب الممنوع».

وعلى الرغم من ذلك، لا ينفي الشعيبي وجود بعض القنوات المحلية الخاصة التي تحاول ان تحمل الهم المحلي في المحافظة على التراث وإبراز جوانبه المشرقة وإلقاء بعض الأضواء على الشخصيات الإماراتية، إلا أنها ابتليت بسيطرة الآخر على مقاليد صناعة السياسة الإعلامية. وقال «يظل علينا عدم إنكار هذه الجهود المبذولة، وتقدير حرص الشباب في بعض القنوات المحلية على الإمساك بأول الخيط للوصول إلى المشاهد والمعلن، في ظل ارتفاع كلفة تشغيل القنوات وسيطرة سوق الإعلان في تحديد توجهات المشاهد، وهنا يكمن الخطر الحقيقي».

تويتر