3 ملايين صورة توثّـق للإمـارات تركها نور علي راشد

الإمـارات تودّع المصور الملكي

صورة

83 جائزة وشهادة تقدير، وما يزيد على ثلاثة ملايين صورة تروي أهم لحظات وأحداث الإمارات قبل تأسيس الاتحاد وبعده، هي حصيلة مشوار عميد مصوري الإمارات نور علي راشد. الذي توفي أول من أمس عن عمر يناهز 81 عاماً، ويشيع جثمانه ظهر اليوم إلى مقبرة القوز في دبي.

ونعت جمعية الصحافيين في الدولة الراحل واعتبرته رائداً من رواد العمل الصحافي في الإمارات.

تكريم واحتفاء

 

حاز المصور نور علي راشد، الكثير من مظاهر التكريم والاحتفاء من دولة الإمارات، إذ اطلق عليه لقب «مصور الألفية»، وفاز بجائزة العويس الثقافية، وقامت جامعة زايد بتخصيص جائزة باسمه هي «جائزة نور علي راشد للتصوير الوثائقي» تكريماً لجهوده في التصوير الوثائقي.

واعتبر سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، خلال افتتاحه أحد معارض المصور الراحل أن «الحفاظ على الماضي أمر أساسي من أجل نقل المعرفة بتاريخنا وثقافتنا وتراثنا إلى أجيالنا المستقبلية، لقد وثق المصوّر نور علي راشد، وبضمير حي، تقدّم أمتنا من قبل تأسيسها، وهذا الإنجاز المصور من شخص موهوب هو مصدر متكامل عن تطوّر بلدنا وقيادته». وأكدالشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، رئيس جامعة زايد، أن «أعمال عميد المصورين نور علي راشد، تسجيل لنهضة وحضارة شعب الإمارات، كما أنها همزة الوصل بين الماضي والحاضر، وقد استطاع من خلالها تسجيل أهم اللحظات التاريخية في دولة الإمارات، وستظل صوره مسجلة عبر تاريخ الدولة».

على مدى 50 عاماً استطاع نور علي راشد ان يصبح واحداً من أهم وأبرز مصادر توثيق تاريخ الدولة وحكامها، وشاهداً على ما شهدته من تطور ونهضة، وهي مهمة ليست سهلة، ولكن نجاحه فيها يعود إلى وعيه بأن ما يقوم به ليس مجرد إشباع لشغفه الشديد بالتصوير الفوتوغرافي، ولكن مهمة وطنية كبرى تتمثل في توثيق الازدهار والرخاء الاقتصادي في الإمارات الذي بني على أسس من الثقة والأمانة، وإبلاغ العالم اجمع عنه. وقال راشد في أحد تصريحاته «كان هدفي الرئيس أن أوثق نهوض الإمارات وتطورها، وأن أظهر للعالم إنجازات المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان»، هذا الوعي المبكر بأهمية ما يقوم به انعكس أيضاً على تمسكه الشديد بصوره، باعتبارها كنزا وطنيا يجب الحفاظ عليه، ورفضه القاطع بيعها أو التنازل عن أي منها. موضحاً«إذا بعت تاريخي فبم يتذكرني الناس؟ أنا لا أملك إلا هذه الموهبة فقط، وهي كنز منحني إياه الله سبحانه وتعالى، والآن في أي مناسبة وطنية وعربية ودولية تأتي إليّ الصحف الإماراتية والعربية لأزودهم بأي صورة مطلوبة وستكون عندهم في الحال، وكذلك من يريد إصدار أي كتاب عن تاريخ الإمارات المعاصر يستنجد بي، لما أمتلكه من أرشيف ضخم تعجز الصحف والمطبوعات والوكالات عن اختزاله بهذه اللقطات الفوتوغرافية التي التقطتها بكاميراتي وعيني ويدي».

حرص راشد على جمع أبرز صوره في كتب عدة هي: كتاب الشيخ زايد (ذكريات وإنجازات 1918 - 2004)، وكتاب الشيخ خليفة (ذكريات وإنجازات)، وكتاب الشيخ راشد (ذكريات وإنجازات)، وأيضا كتاب الشيخ مكتوم (ذكريات وانجازات 1943 - 2006)، إضافة إلى كتاب «أبوظبي حياة وأزمان».

المصور الملكي

على الرغم من أن قدوم نور إلى دبي سنة 1958 كان هرباً من عقاب والده بسبب هوسه بالتصوير الفوتوغرافي، على أمل أن تجذب البيئة الجديد في دبي الشاب نحو مهنة مرموقة، كما كان يطمح والده؛ إلا أن دبي، وعلى خلاف ما خطط له الوالد، كانت البداية الحقيقية لمشوار راشد في عالم التصوير الفوتوغرافي، تلك البداية التي تعود إلى اللحظات الأولى لتولي المغفور له الشيخ راشد بن سعيد آل مكتوم مقاليد حكم إمارة دبي، خلال قراءة مراسم الحكم من قبل ممثل ملكة المملكة المتحدة لتعيين الشيخ راشد، رحمه الله، حاكماً لإمارة دبي، وهي اللحظات التي تمكن نور علي راشد من اقتناصها بكاميراته، وقدمها للشيخ راشد بن سعيد، رحمه الله، الذي أعجب بها. ويصف المصور الراحل هذه المناسبة قائلاً «كان سموه سعيداً للغاية بالصور التي التقطها له خلال مراسم الحكم، فعينني منذ ذلك الحين المصور الرسمي لأسرة آل مكتوم الحاكمة». بعد ذلك أصبح نور علي راشد المصور الشخصي للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذي لقبه بـ«المصور الملكي»، حيث أصبح المصور الرسمي لأسرة آل نهيان، ولبقية الأسر الحاكمة في مختلف إمارات الدولة، الأمر الذي اعتبره راشد مسؤولية كبيرة عليه ان يتحملها بأمانة وصدق. مشيراً «كنت التقط الصور كلما سنحت لي الفرصة، لعلمي بأنها ستصبح ذات قيمة مادية ومعنوية ذات يوم، لا أحد كان يجرؤ على الاقتراب من الزعماء والقادة، ولكني كنت أطلب منهم أن التقط لهم الصور لأنهم كانوا يعلمون اني مصور محترف». مضيفاً «لا توجد حواجز تمنعني من التقاط الصور، مهما كانت». هذا الإصرار مكنه من التقاط الصور لمختلف رؤساء وملوك وأمراء دول العالم، ومن بينهم الملك عبدالعزيز والملك سعود ونيلسون مانديلا، وجيمي كارتر، وياسر عرفات، وبل كلينتون وغيرهم.

بدايات مبكرة

ولد نور علي راشد في ديسمبر 1929 في إقليم قوادر (Gwadar) من ساحل سلطنة عمان آن ذاك، ومع بلوغه سن 17 بدأ ولعه بالتصوير الفوتوغرافي وهو يراقب زيارات المصور الفوتوغرافي إلى المدرسة الداخلية التي كان يرتادها في إقليم قوجارات (Gujarat) ليلتقط له ولزملائه التلاميذ صوراً شخصية ورسمية. أما أول كاميرا اقتناها نور علي راشد فكانت هدية قدمها إليه أخوه حين عودته من مدرسته الداخلية، فكانت تلك الومضة التي أنارت له الطريق نحو عالم التصوير الضوئي. ويستطرد «تعلمت كيف التقط الصور الجيدة من مصوري الاستوديوهات الصغيرة. كنت مجنون التصوير آن ذاك، ولم أزل كذلك، أحمل كاميراتي أينما ذهبت. كنت أعرض على الناس التصوير مجاناً في حفلاتهم ومناسباتهم، إذا ما دعيت إليها».

مع تنامي النشاط السياسي في كراتشي في الأربعينات من القرن الماضي وتحديداً سنة ،1947 بدأ نور علي راشد الذي استهوته الكاميرا في التقاط الصور السياسية لمجلة (Vision) الأسبوعية، وأيضاً للعديد من الصحف المحلية. ويصف تلك الفترة قائلاً «كنت أقدم الأعذار لوالدي حتى أذهب إلى كراتشي والتقط الصور الفوتوغرافية، وأنفق ما أملك من المال على التصوير، قال لي والدي ذات يوم: عندما تخبرني بأنك مصور، أشعر بالحرج والعار، التصوير مهنة مخزية كالنجارة والخياطة. كنا رجال أعمال معروفين ولانزال منذ أجيال، فلماذا اخترت هذه المهنة؟». وحرصاً على مستقبل ابنه، اختار والد نور علي راشد في عام 1958 أن تكون صحراء الإمارات هي محطتهم التالية على أمل أن تلهي حرارة الصحراء ولع ابنه بالتصوير، مع توفير رأس مال كافٍ للبدء بعمل جديد آخر، ولكن جرى القدر بأمر آخر.

يتمتع راشد بقدرات خاصة في مجال التصوير والتقاط الصور التي تعبر عن حياة الناس اليومية، واستطاع أن ينجز سجلاً نادراً وفريداً للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للامارات. ألبوماته تشبه رحلة ساحرة وحافلة بالتساؤلات والاشخاص الذين عرفهم راشد عن قرب، إن كانوا من سادة القوم أو من الناس العاديين. كان الراحل غزير الانتاج والعمل، لم يترك مشهداً إلا صوره مهما كان الحدث أو المشهد بسيطاً، كان يدرك مسبقاً قيمة هذه الصور في بلد مقبل على تطورات سريعة.

تويتر