Emarat Alyoum

«الغول» و«أم الدويس» خراريف الطــفولة والبحر

التاريخ:: 16 أغسطس 2010
المصدر: علا الشيخ - دبي
«الغول» و«أم الدويس» خراريف الطــفولة والبحر

«أبورجل مسلوخة»، «أبوكيس»، «خطاف رفاي»، «أم الدويس»، «الغولة»، وغيرها من أشباح التخويف والعبارات التي لجأت اليها الامهات والجدات لاخافة أطفالهن، ليست وليدة الثقافة العربية فحسب، بل هي موجودة ايضا في التراث الشفوي لشعوب اوروبا واميركا وشرق اسيا. وفي استطلاع اجرته «الإمارات اليوم» رصدت فيه تأثير تلك العبارات في مخيلة الاطفال في كبرهم، تبين أن بعضهم حاول تصور تلك الشخصيات الوهمية ورسم صورة لها، وان اخرين وجدوا في تلك الشخصيات تحدياً لذكائهم فذهبوا لضرورة محاربتها حتى لا تسيطر عليهم، والبعض مازال يستخدم تلك العبارات مع ابنائهم في ايامنا هذه. فـ«الغول» او «الغولة» التي كانت الأمهات يرهبن به أبناءهن في الثقافة الشعبية العربية وحتى الاجنبية، عادة ما يسكن في مغارة القرية أو بستانها أو حتى الغرفة المظلمة من المنزل، اما بالنسبة لـ«أبوكيس»، فقصته تتمحور حول الكيس نفسه وما يستطيع ان يحويه، لذا ففكرته مرعبة بأن يشعر الاطفال انفسهم داخل ذلك الكيس، و«أبورجل مسلوخة» فكرته مأخوذة من شخصية القرصان الذي لديه رِجل من خشب، ودائماً ما يكون أعور ويكون منظره مخيفاً، و«بابا درياه» (أبوالبحر) الذي ينتمي إلى عالم الجن، و«أم الدويس» التي تخطف الرجال من عائلاتهم.

قالت العرب عن «الغول»

 

كائن خرافي يعتقد أن الانسان إذا ضربه مرة واحدة بسلاح فإنه يقتله. ويطلب «الغول» من الانسان وهو يحتضر أن يضربه مرة أخرى فإذا استجاب ضاربه لطلبه وأعاد ضربه بالسلاح فإنه يحيا من جديد وينتقم من الانسان. وعين «الغول» مشقوقة بالطول ويتطاير منها الشرر عندما يحدق في الانسان ويسمي العامة أنثى الغول «مسلعوة». وقد درج الناس في بعض البلاد على أن يتركوا شيئاً من الطعام خارج الدار لكي يتناوله «الغول» وينصرف عنهم إذ يعتقدون أن «الغول» يتردد على البيوت ليتناول الطعام الفاخر. ومن المعتقدات الشائعة في بعض البلاد أن خير طريقة للتخلص من «الغول» هي رش بذور الكتان على الأرض. والغول معروف للعامة بأنه يحب الطعام كثيراً، وقد ورد ذكره في أشعار الشاعر العربي «تأبط شراً» ويقال إن «الغول» لا يختلف عن أنثاه التي بوسعها أن تتشكل في أي هيئة. كما يذهب البعض إلى أن الغول ضرب من مردة الجن الذين يتميزون بالوحشية الجهنمية والعدوانية يعترضون طريق الناس ويتخذون أشكالاً مختلفة، ثم ينقضون عليهم في غفلة منهم ويلتهمون أجسادهم. ومن المعتقدات الراسخة أنه يمكن صرف الغول بتلاوة الأذان. ويرى البعض أن «الغول» هو بعينه آكل لحوم البشر سواء كان من الجن أو من الإنس. وقد تردد ذكر الغول في عدد من حكايات ألف ليلة وليلة مثل حكاية السندباد وحكاية سيف الملوك وحكاية الوزير الحسود.

كما ورد في حكايات أخرى ذكر غيلان تحوم في المقابر وتلتهم جثث الموتى. وقيل إن «الغول» شيطان يصيب الانسان بداء الكلب.

ذكريات

«لطالما كرهت الاكياس ومازلت»، هذا ما قاله نادر أبوعرقوب، 24 عاماً، وأضاف «كنت امزق كل اكياس النايلون في غفلة عن والدتي التي كانت تهددني دائماً بان «ابوكيس» سيضعني في الكيس ويبيعني للنور (الغجر) اذا لم أنم»، مؤكداً ان «الموضوع مازال يؤثر بي، وانا لن استخدم هذه الحيل المؤلمة مع ابنائي في المستقبل». وعاد خالد خليل، 37 عاماً، الى الوراء، ليسرد قصص الشخصيات المرعبة التي أحاطت به وبسقف حجرته الخاصة في المنزل على حد تعبيره، «لا يمكن ان انسى (أبورجل مسلوخة) الذي كانت امي تهددني به اذا لم استجب لاي طلب منها»، وأضاف «كنت اتخيله رجلاً يرتدي معطفاً طويلاً ولديه رجل مشوهة يغطيها الدم والشعر، وعينه بيضاء اللون وكنت أتخيله يلحقني دائماً كي يوبخني ويسجنني في غرفته الضيقة الشديدة العتمة»، وتذكر خليل ايضا ان جدته من والده كانت تهدده هو وشقيقه (بحمار القايلة) وهو حمار لا يخرج الا وقت الظهيرة ويقضم آذان الاطفال حسب رواية جدته، مؤكداً «مع انني لم أرَ في حياتي (ابورجل مسلوخة) ولا (حمار القايلة) ولا (أبوكيس) إلا انني تاثرت بتلك الشخصيات»، مبدياً أسفه لأنه شخصياً يمارس تلك العادات مع اطفاله. أما بالنسبة لسهيلة الباروني، 39 عاماً، فشخصية «أم الليف» و«ام السعف» كانت تقض مضجعها على حد قولها، «كنت اتخيل (ام السعف) و(ام الليف) امرأة شعرها (منكوش) وترتدي الاسود وتسرق الاطفال وتطعمهم حتى يسمنوا لتحضرهم لعملية الشواء». وتتنهد الباروني «الله يسامحك يا أمي ويا جدتي على زرع تلك الشخصية في مخيلتي». وأضافت «المشكلة انني اتبع نهج والدتي وجدتي في طريقة تهديد اطفالي، لكني استخدم (الغولة) و(أبوكيس) اكثر من (أم الليف)».

خاطف النساء

وتقول المواطنة عائشة سعيد، 54 عاماً، لدى مجتمع الإمارات العديد من القصص والحكايات الشعبية الخاصة به، شأنه في ذلك شأن كل المجتمعات والشعوب، وتسمى في اللهجة المحلية بـ«الخراريف»، وتخدم هذه القصص أغراضاً متنوعة، منها تلقين الأطفال دروساً وعبراً عن الحياة، أو للترفيه عن أفراد المجتمع في لقاءات المساء التي يتجمعون فيها للسهر والسمر. ومعظم الحكايات التي تنتشر بين الناس تتحدث عن الجن والشياطين والعفاريت والغيلان، وعادة تقوم الجدات اللواتي يتحلق حولهن الأحفاد وأبناء الجيران، بسرد القصص الغريبة والمخيفة التي سمعنها بدورهن من الجدات والأمهات في الماضي. ويظهر واضحاً تأثر القصص والخرافات المحلية بالثقافات الأخرى، وذلك نتيجة للعلاقات التي نشأت عن طريق التجارة البحرية والتزاوج. كما يظهر تأثير البحر في الكثير من القصص والخرافات التي يتناقلها أفراد المجتمع الإماراتي، والتي استلهمت روح ومفردات البيئة البحرية، واكتسبت معاني العزيمة والعمل الجماعي. ومن هذه القصص حكاية «خطاف رفاي» (خاطف النساء)، وتقول الحكاية، في الليل يظهر مخلوق مخيف يدعى «خطاف رفاي» في البحر على شكل زورق له أشرعة عدة، وله أطراف تساعده على اللحاق بضحاياه إلى البر، ودائماً يحمل بيده حبلاً يلوح به بيديه، محاولاً اختطاف من يراه أمامه، خصوصاً النساء اللواتي يخرجن من البيت ليلاً، لقضاء بعض الحاجات، وغالباً ما يفشل في مسعاه، بسبب هروب النساء وقراءتهن آيات من القرآن الكريم. وهو لا يخاف إلا من الرجال، خصوصاً الأقوياء منهم، أو عندما يكونون في مجموعة. ونسجت حكايات عديدة حوله، وأكثرها شهرة ورواجاً تلك التي تقول إن مجموعة من النساء كانت تسير خارجاً في المساء، عندما اعترض طريقهن شبح أسود، تحول فجأة إلى قارب، ولما حاول أن يمسك بهن، بدأن بالصراخ والركض إلى أن وصلن إلى البيوت القريبة، وقد سمع صراخهن وطلبهن للنجدة أحد الرجال فخرج من منزله واستطاع أن يمسك الحبل الذي كان بيد «خطاف رفاي» ويأخذه منه، ولكن الشبح تمكن من الهرب وترك الحبل خلفه، ولكونه لا يستطيع العيش من دون الحبل، فقد عاد في الليل إلى منزل الرجل متوسلاً أن يعيده إليه، وواعداً إياه بعدم الظهور ثانية في هذا المكان إن أعاد اليه الحبل، فصدقه الرجل وأعاد إليه الحبل، وبالفعل لم يشاهده أحد منذ ذلك الوقت. إنها واحدة من القصص النموذجية، التي استخدمها الأهالي لإبقاء أولادهم، بعيداً عن المتاعب، بتخويفهم من الاختطاف على يد مخلوق شيطاني مرعب هو «خطاف رفاي».أأ

«بابا درياه»

المواطن علي سالم، 33 عاماً، تحدث عن قصة «بابا درياه» (أبوالبحر) الذي ينتمي إلى عالم الجن، وقد عرفت عنه حكايات الرعب والايذاء بين سكان الإمارات الذين يعيشون على ساحل البحر، خصوصاً من قبل البحارة والصيادين وغواصي اللؤلؤ. وهناك نسختان من هذه الحكاية الخرافية. تقول الرواية الأولى إن «بابا درياه» اعتاد أن يتسلل إلى قوارب الصيادين في الفترة بين صلاة العشاء وأذان الفجر لخطف أحد البحارة أو الصيادين وهم نيام، وبعدها يقوم الجني الضخم بابتلاع الضحية وإغراق القارب. واتقاءً لشره يلجأ الصيادون إلى وضع اثنين أو ثلاثة من البحارة لحراسة القارب، وعندما يسمعون صوت «بابا درياه» ينادون بأعلى الأصوات على رفاقهم: «هاتوا الميشارة والجدوم» أي هاتوا المنشار والقدوم أو المطرقة، وعندما يسمعهم الجني يهرب ويختفي دون أن يستطيع أحد تبين ملامحه لأنه دائماً ما يأتي في الظلام الدامس، ولكنهم يؤكدون أنه رجل قوي وضخم الجثة.

أما النسخة الثانية من الرواية فتقول: أإن كل من يركب البحر يسمع صياح «بابا درياه»، يتردد في غياهب الليل طالباً نجدته من الغرق، ولكن البحارة يعلمون أنهم إذا أنقذوه فسيسرق مؤونتهم من الطعام والشراب، ويحاول أن يخرب سفينتهم ما يعرضهم للغرق، ولذلك يأخذون الحيطة والحذر منه، ويقومون بقراءة سور من القرآن الكريم والأدعية التي تبقيه بعيداً عن سفنهم، ويبدو أن الأهالي استخدموا هذه الحكاية لتخويف أولادهم، خصوصاً الشباب، وذلك لمنعهم من الذهاب ليلاً إلى البحر.

«أم الدويس»

وتروي (أم حسن)، المواطنة العجوز الستينية لـ«الإمارات اليوم» قصة أخرى عن خرافة «أم الدويس»، إذ تقول الحكاية: إن «أم الدويس» امرأة شديدة الجمال، ولكن من يدقق النظر فيها يلاحظ أن لها عيني قط تميزها عن الإنسان، وهي في مقتبل العمر، تشبه القمر في ليلة البدر، شعرها طويل وجمالها لا يقاوم، تفوح من جسمها رائحة المسك والعنبر، وتتزين بالذهب، صوتها ناعم لايستطيع الرجال مقاومته، عندما تصادفهم وتطلب منهم أن يتبعوها، وما إن يصبحوا أمامها حتى تتحول إلى عجوز مرعبة، تقتل كل من انجذب إليها. ويطلق لقب «أم الدويس» اليوم في الإمارات على كل امرأة تكثر من الزينة والعطور، وكأنها تقصد بهما إغواء الرجال، كما أنها أصبحت رمزاً للجمال والقبح في آن معاً، وباتت تستخدم لتخويف الأطفال إذا ما أساؤوا التصرف والسلوك.

ثقافة سيئة

وبصوت متحشرج، حاول مازن العلي، 44 عاماً، ان يظهر مدى تأثير تلك الشخصيات في حياته، خصوصاً شخصية «أبورجل مسلوخة»، مؤكداً «لن أدع ابني يتعرض للمواقف السيئة التي عشتها»، وقال: «بسبب تلك الشخصيات التي كانت تحاصرني قبل النوم او اذا ارتكبت فعلاً طفولياً اصبحت طفلاً منزوياً وغير اجتماعي، وليس لدي اصدقاء».

وأضاف «حتى انني كنت اكره معلمتي، لاني كنت اعتقد أنها أمنا (الغولة) التي ستشويني على النار ومن ثم تأكلني»، وأضاف «الاباء لا يعون بالفعل ان اي كلمة قد تؤثر في شخصية الطفل وتكبر وتنمو معه وتصبح جزءاً من حياته ومن تاريخه»، آملاً «ان تنتهي هذه الثقافة المتوارثة الى الابد».

وبالرغم من مرور اكثر من 30 عاماً على اخر مرة تم تهديد مريم عابد، 40 عاماً، الا انها مازالت تذكر الغولة «كانت امنا (الغولة) موجودة في طفولتي بشكل مستمر، خصوصاً في وقت الليل وقبيل النوم، وكنت اخافها مع انني حاولت التصالح معها»، وأضافت «كنت اتخيلها تجيء بجسمها الضخم ورائحتها العفنة وقدمها التي تشبه قدم الغوريلا لتلتهمني وانا حية»، مؤكدة «هذه ثقافة عربية واجنبية يجب التخلص منها، لانها اثرت في تطور طفولتي بشكل طبيعي»، وقالت: «لا يوجد اسوأ من ان يعود المرء الى طفولته ليجد انها كانت مهددة على الدوام».

أفلام الكرتون

في المقابل قالت حلا سهيل، 21 عاماً، «كنت اكره ومازلت أمنا (الغولة) آكلة لحوم الاطفال»، وأضافت «مع أنني وصلت الى عمر ادركت فيه ان (الغول) يعتبر من المستحيلات، الا ان صورته مازالت عالقة في ذاكرتي ولا ابالغ ان طفولتي مع امنا (الغولة) وابونا (الغول) كانت مرعبة وسيئة»، واشارت الى انها تصالحت مع (الغول) «بعد مشاهدتي لسلسلة افلام (شريك) الذي اظهره بشكل لطيف ومحبب». ووافقها الرأي بيترك ماول وهو استرالي وعمره 30 عاماً، «لم اتخلص من فكرة (الغول) الذي كان يلاحق خيالي في فترة طفولتي الا بعد مشاهدة سلسلة افلام (شريك) التي اظهرته بشكل غير الموجود في ذاكرتي»، حيث كان ماول يتخيل (الغول) قبل ذلك على شكل «حيوان وراسه انسان ولديه اسنان طويلة وحادة تنهش لحمي الغض الصغير».

علم النفس

الاستشاري في الطب النفسي علي الحرجان حذر من استخدام الآباء أساليب التهديد التي ترتبط بخلق شخصيات غير واقعية تخيف ابنائهم «حيث الطفل يحتاج الى خيال خصب ومفيد، وتلك الشخصيات المتوارثة تحد من تطور الخيال الايجابي لدى الطفل، وتؤثر في سلوكه اجتماعيًا، ومن الناحية النفسية قد تخلق عند الطفل احساس الخوف المستمر ويصبح يتخيل الاشخاص الذين يكرههم على شكل صور تلك الشخصيات الخرافية». واكد الحرجان ان «الحوار والتواصل مع الابناء يخلق جواً من التفاعل والوصول الى نتائج مرضية للطرفين بعيداً عن سياسة التخويف».