فنان فلسطيني يجسّد حكـاية شعبه منذ النكبة

طائرات الاحتلال.. معرض من الفلّين

الأسدودي شكّل من الفلين قصة شعب ومعاناة. من المصدر

اعتاد الفلسطينيون أن يشاهدوا الطائرات والدبابات الإسرائيلية تقتلهم وتدمر منازلهم وتجرف أراضيهم، ولكن الشاب الفلسطيني عبداللطيف الأسدودي حول هذه الأدوات الحربية بأصابعه التي تعودت على الشقاء في الحياة، إلى أعمال فنية بسيطة تلفت الانتباه، وذلك باستخدام أدوات بسيطة من الفلين.

ويجسد عبداللطيف، البالغ من العمر 29 عاما، من خلال الأعمال الفنية البسيطة التي صنعها من الفلين الحكاية الفلسطينية منذ نكبة عام ،1948 مرورا بالممارسات الإسرائيلية كافة ضد الفلسطينيين حتى يومنا هذا، ليتحول منزله البسيط إلى معرض فني يروي هذه الحكاية التي استدعاها من مشاهداته الحية لممارسات الاحتلال، ومن خلال ذاكرته.

«الإمارات اليوم» زارت منزل عبداللطيف في حي الشيخ رضوان بمدينة غزة، بينما كان هو منشغلا بصنع الجرافة الإسرائيلية التي قتلت ناشطة السلام الأميركية «راشيل كوري»، حين كانت تحاول منع تلك الجرافة من هدم منازل الفلسطينيين في مدينة رفح جنوب قطاع غزة، وذلك تقديرا منه لها، وتجسيدا للجريمة التي اقترفها الاحتلال بحقها.

الحرب هي البداية

التجربة الأولى لعبداللطيف في أعماله الفنية كانت في الأيام الأخيرة للحرب الإسرائيلية على غزة، فيما بدأ بشكل فعلي في صناعة الأشكال الفنية بعد انتهاء الحرب مباشرة، فقد علقت في ذهنه كل أدوات الموت من طائرات ودبابات وزوارق حربية، ليتمكن من تحويل حالة الحرب إلى لوحات فنية.

ويقول عبداللطيف والطائرات تحلق فوق رأسه، «في الأيام الأخيرة للحرب شاهدت طائرة حربية من طراز F16 وهي تقصف أحد الأهداف في غزة، شعرت بالخوف والحزن، وأردت أن أعبر عن شعوري لما شاهدته، فكان عندي قطعة فلين كنت قد جلبتها من شاطئ البحر، وبدأت في صناعة صورة توضيحية لتلك الطائرة».

ويضيف «استغرق العمل في هذه الطائرة ما يقارب الأسبوعين، وقد استخدمت إلى جانب الفلين بعض القطع الحديدية لصناعة مراوح الطائرة وإطاراتها، كما صنعت محركا كهربائيا للطائرة بواسطة دينامو كهربائي صغير، وهذا يعمل على تحريك مراوح الطائرة عندما توصيل الكهرباء».

ويتابع عبداللطيف قوله «بعد أن نجحت تجربتي الأولى أردت أن أعبر عما يدور في داخلي وعن معاناة الشعب، فبدأت أجسد كل أشكال المعاناة والممارسات الإسرائيلية المتواصلة كل يوم بأعمال فنية بشكل يعكس حالة أخرى من حالة القتل، وتوثق الحكاية الفلسطينية».

عبداللطيف لا يحتاج إلى وقت طويل لصناعة صورة توضيحية من الفلين للطائرات أو الدبابات، فقد احتفظت ذاكرته بصورها الحقيقية على مدار سنوات من المعاناة، فيما يحرص في بعض الأحيان على جلب بعض الصور الحقيقية للطائرات أو الزوارق من الإنترنت، كي تكون الأشكال التي يصنعها عبارة عن صورة توضيحية طبقا للشكل الطبيعي.

ويلجأ الأسدودي إلى استخدام بقايا الجبس من ورش صناعة الجبس، وذلك لاستخدامها في صناعة إطارات الدبابات، وبعض الأشكال الفنية، كما يوفر بعض القطع الحديدية البالية لاستخدامها في بعض الأعمال.

أعمال الشاب عبداللطيف لم تقتصر على أدوات القتل الإسرائيلية، فقد جسدت بعض أعماله الفنية حياة الفلسطينيين في القرى والبلدات الفلسطينية ما قبل نكبة عام ،1948 وكذلك صوراً لأحداث النكبة وعمليات التهجير القسري، كما صنع صورة لمخيمات اللجوء والسكن في الخيام بعد طرد الفلسطينيين من مدنهم، واحتلالها من قبل العصابات الصهيونية.

ويقول عبداللطيف «أنا لاجئ فلسطيني من مدينة أسدود المحتلة كبقية الفلسطينيين اللاجئين، وصورة اللجوء لابد أن تكون حاضرة في أعمالي، فصنعت مجسما لبئر مياه تلتف من حولها فلسطينيات يملأن المياه من عمقها، وقد صنعت البئر من قطع الفلين كأنني أبنيه من الحجارة».

القدس والضفة

حي سلوان أحد أحياء البلدة القديمة في مدينة القدس المحتلة وما تتعرض له منازل سكانه من عمليات هدم من قبل الاحتلال كان حاضرا في أعمال عبداللطيف، إذ صنع شكلا يجسد فيه صورة دبابة إسرائيلية وهي تهدم منزلا في حي سلوان. كما صنع شكلا آخرا يعكس صورة المعاناة التي يتعرض لها الفلسطينيون في الضفة الغربية، وهي حادثة إطلاق جنود الاحتلال النار من قرب على المتضامن الفلسطيني أشرف أبورحمة، أحد المشاركين في المسيرات السلمية في قرية بلعين في رام الله بالضفة الغربية.

ويقول عبداللطيف الذي يعتبر أول من صنع أعمالا فنية من الفلين في غزة «كنت قد شاهدت هذه الحادثة عبر التلفزيون وتأثرت كثيرا، فعبرت عنها بشكل فني من الفلين، وحرصت على أن يخرج هذا الشكل بصورة دقيقة ليعبر عن الحادثة الواقعية، فقد قمت بإعادة صورة الجندي الذي يطلق النار 14 مرة حتى خرجت بالشكل المناسب». ويضيف «أشاهد عبر التلفزيون ممارسات الاحتلال ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية من عمليات الاعتقال والاحتجاز، وما أشاهده يدفعني إلى تجسيده في أعمال الفلين التي أقوم بها».

 موهبة

لم يتعلم الشاب عبداللطيف الأسدودي الفن أو تشكيل العمل الفني في معهد أو جامعة، ولم يمارسه من قبل، ولكنه يمتلك منذ الصغر موهبة الرسم والتشكيل بالطين، وقد صنع عام 2003 دبابة أميركية في العراق من الكرتون، ولكنها لم تكن بالصورة الفنية كالتي صنعها من الفلين بعد الحرب الإسرائيلية. وتوجد في جعبة عبداللطيف الكثير من الأعمال الفنية التي يصنعها من الفلين لتعبر عن حياة الفلسطينيين وحكايتهم، ولكن ضيق الحال الذي يمر به، والصعوبة التي يواجهها في توفير المواد الخام للأشكال الفنية، هو ما يجعل أعماله قليلة، إضافة إلى أن منزله البسيط لا يتسع للأعداد الكبيرة من الأعمال الفنية.

 http://media.emaratalyoum.com/inline-images/272615.jpg

المعاناة

أعمال الشاب عبداللطيف تأثرت هي الأخرى بالحصار المفروض على القطاع، إذ إن الفلين من المواد التي ندر وجودها لعدم إدخالها عبر المعابر.

كما أن قطع التيار الكهربائي في الوقت الحالي لأكثر من ثماني ساعات بشكل يومي عن القطاع أثر في أعمال عبداللطيف، إذ يحتاج إلى الكهرباء في تشغيل أداة السيلكون للصق الأشكال التي صنعها من قطع الفلين، هذا عدا الحاجة إلى توفير الضوء، لاسيما أنه يصل الليل بالنهار لصناعة أعماله.

تويتر