39 عملاً لزينة عاصي في «آرت سوا» دبي

«حركـة الجـموع».. بـــــــــورتريه للزحام

زينة عاصي: العمل يجب ألا يكون بعيداً عن المجتمع. تصوير: ساتيش كومار

تأخذنا الفنانة اللبنانية زينة عاصي في معرضها الذي افتتح، أول من أمس، في «آرت سوا» غاليري في دبي بعنوان «حركة الجموع»، إلى مفهوم الاكتظاظ بمعناه الشامل، فلا تكتفي بتقديم مدنها المكتظة بالمباني المتراكمة فوق بعضها بعضاً، وأحيائها المتشابكة الطرقات، بل تنطلق منها إلى جمهرة الناس، بأسلوب يجعل اللوحة صورة مصغرة لما يعيشه البشر في حياتهم اليومية. وتتطرق عاصي إلى الكثير من تفاصيل الحياة الجماعية التي تظهرها بأسلوب يبرز تعاطي الفرد مع محيطه، فتبدو اللوحات كأنها عمل درامي لوني يعكس حركة الناس ولا يركز في المشاعر، بقدر تركيزه في المجموعة، وتعاطي كل فرد مع ما يدور من أحداث في المكان الموجود فيه.

وتعيدنا أعمال الفنانة اللبنانية التي تتميز بقدرتها على تركيب وتجميع المشاهد في اللوحات التي يصل عددها في المعرض إلى ،39 إلى نظرية فرويد حول المجموعة واختلاف الانفعال، فتضع شخوصها في مواقف يومية وحياتية متعددة بدءاً بقراءة الصحف، ووصولاً إلى تعاملهم مع أنفسهم وملابسهم وطريقة وقوفهم أو جلوسهم وانخراطهم في المجموعة وفي الشارع والأماكن. وتعتمد على الخامات المتعددة في فنها ولوحاتها، فهي إلى جانب الألوان المتنوعة تدخل على بعض لوحاتها، خصوصاً التي تمثل اكتظاظ المدن، الأوراق والأقمشة أو المحارم الورقية، وتستخدمها بتوليف «الكولاج»، مع الحرص على إبراز الألوان بشكل نافر، لينسجم الأخير مع الورق بإيقاع جميل ومتماسك. وتخلق عاصي عبر لوحاتها محيطاً خاصاً بها، فهي تقدم البورتريه الجماعي وليس الفردي، الأمر الذي قد يمرر للبعض إحساساً بالضيق أحيانا أو شعورا بالتعب بسبب عدم ارتياح هذه المجموعة في «الكانفاس» والمكان الذي تحدده عاصي لشخوصه في زمان يرتبط بواقعنا بالدرجة الأولى.

لوحة لم تنتهِ

أكدت الفنانة أن هناك عملاً مميزاً بالنسبة لها في المعرض، هو اللوحة التي كانت تعمل عليها، وتعتقد أنه يلزمها الكثير من الوقت كي تنجز، لكنها فجأة شعرت بأن اللوحة انتهت، وحاولت أن ترسم فيها، ولم تتمكن من إضافة أي لون. واعتبرت أن هذه اللوحة مميزة لأنها تشعر بأنها لم تنته، فالقصة لم تنجز، «ولا يمكن أن يشعر المرء بأني رويت ما أريد وحملت أغراضي ومشيت، ففيها أشياء لم تنضج، لذا أحبها كثيرا».

تلقائية

ويمكن القول إن التلقائية هي أبرز الصفات التي تميز معرض عاصي الذي يستمر حتى 26 يونيو، فهي تبتكر لوحاتها من أشياء بسيطة، فلا تبنيها على فلسفات عميقة، تماماً كما في لوحة «السروال الأحمر» التي رسمت فيها رجلاً يرتدي سروالاً أحمر اللون ويضع طربوشاً على رأسه، والتي بدا واضحا فيها أهمية بناء العمل على الحس الفني بالدرجة الأولى. وتبدو أعمالها التي تشيد فيها المباني المكتظة آخذة من المدارس التشكيلية التي تستخدم الأشكال الهندسية في الرسم، ولكن بأسلوب بعيد جداً عن الانطباعية. وتركز عاصي في لغة الجسد في عرض ما يدور من أفكار في أذهان شخوصها، وبالتالي ترصد انخراط المرء في مجتمعه وإن لم يكن مقتنعاً بالحركة السائدة، لأن القرار في هذه اللحظة مرتبط بالمجموعة.

ولا يمكن القول إن الاكتظاظ أو الازدحام هو هي السمة الغالبة على أعمال عاصي، بل تتميز أعمالها أيضاً بأنها تجمع الألوان نفسها في كل عمل، وعموماً هي ألوان قاتمة، تندرج من الأسود إلى الرمادي والقليل من الخمري، حتى إنها استخدمت الألوان نفسها في اللوحة الوحيدة التي كانت عبارة عن زهرية ورد تجسد الربيع، حاولت رسمها لتخرج قليلاً من النمط المعتاد للوحاتها، وحاولت أن تغير في أسلوبه قليلاً من خلال الأشكال الهندسية الدائرية التي هيكلت فيها مبانيها.

استلهام

وقالت عاصي عن معرضها، «استوحيت أعمالي في هذا المعرض من المجتمع، لأن العمل بالنسبة لي يجب ألا يكون بعيداً عن المجتمع، وشخصياً لا أتوسع كثيراً كي أستلهم، فمن الممكن أن أنظر من الشباك وأستلهم فكرة بسيطة جداً من الشارع». ولفتت إلى أنها تعتبر ازدحام المجموعة أسهل من البورتريه الشخصي، الذي يفرض على الفنان الغوص في مختلف تفاصيل شخصية من يرسم، أما مع المجموعة فيمكن التغاضي عن التفاصيل. ونوهت بأن الازدحام ليس إلا جزءاً من حياتنا، وبالتالي يذكرنا بأنه علينا أن نعود خطوة إلى الخلف، لنقيّم ما الذي نفعله في الحياة، لأن الإنسان في المجموعة تصدر عنه تصرفات ناتجة عن حماس المجموعة وليس عن قناعة ذاتية. وعلى الرغم من تشابه الوجوه في لوحات عاصي، إلا أنها تؤكد أنها تنتقل بسرعة من فكرة لأخرى، وهي تواجه صعوبة في الثبات والتركيز. أما الموضوعات الفلسفية، فهي ليست ذات أهمية كبيرة بالنسبة لعاصي، «فيمكن أن أرسم شخصاً يجلس في الشباك ويشرب قهوته وتكون كافية بالنسبة لي، وغالباً لا أجد الترابط بين لوحاتي بسهولة، فمثلاً لم أر أن لوحات هذا المعرض مكملة لبعضها بعضاً إلا بعدما وضعت في المعرض». وأكدت أن رسم الزحام متعب، وبالتالي «توصلت إلى قرار أن أغير، ورسمت زهرية داخلها ورود، ولكنها انتهت بالألوان نفسها والازدحام ذاته، فالفنان يمكن أن يتغير مع الوقت ولكن ليس بقرار منه». وأضافت عاصي أن «القرار الصعب بالنسبة لي هو أن أضع عنواناً للوحاتي، لأني لا أريد أن أحدد رؤية المتلقي في العنوان الذي سأضعه، فهو من الممكن أن يطلق العنان لمخيلته ليرى ويتصور الذي يريده، فلا أحب أن أضع نهاية وختاماً للعمل».

تويتر