محاضرة في أبوظبي تناولت حالاته من جوانب مختلفة

التصوّف ظاهرة عالمية

حمزة قناوي: لا تعارض بين التصوف والإبداع. من المصدر

قال الباحث في كلية الآداب في جامعة القاهرة، حمزة قناوي، إن «التصوف ظاهرة عالمية»، موضحاً عدم التعارض بين التصوّف والإبداع، على عكس ما هو شائع، ومؤكداً أن «التصوّف لم يقتصر على العالمين العربي والإسلامي فقط، بل وجد في مختلف أنحاء العالم، ولكن بصيغ ومسميات مختلفة». لافتاً إلى أن التصوّف خضع في الفترات الماضية لكثير من المغالطات مثل ارتباطه بـ«الجذب» والجنون والانفصال عن الواقع، أو ما يسمى بالصوفية الزائفة، على الرغم من أن التصوف الحقيقي يختلف تماماً عن هذه الصورة، ويعتمد على شروط منهجية ومراحل في الترقي معروفة لدى الدارسين. وخلال المحاضرة التي قدمها الثلاثاء الماضي في النادي الثقافي المصري، أجاب قناوي عن تساؤلات عدة عن العلاقة التي يمكن أن تكون بين التصوّف والإبداع. مشيراً إلى أن هناك عدة نقاط تلتقي فيها التجربة الإبداعية بالتجربة الصوفية، بالتركيز على التجربة الصوفية الإسلامية لوضوح معالمها، فالإبداع شكل راقٍ للنشاط الفكري والأدبي عند الإنسان، والتصوّف شكل راق للنشاط الديني الروحاني والعرفاني عند الإنسان. «وكلا التجربتين تبدآن من قلق وحنين إلى الخير، وإلى المطلق الذي ينطلق في فضاء الذات أو العالم الخارجي لهذا الذي نسميه الإنسان، ويسميه ابن عربي «العالم الأكبر»، أيضاً غالباً ما يشترك كلا من الصوفي والمبدع في الهدف، وهو خير الإنسان في تحقيق إنسانيته من خلال الحق والعدل والحرية والسلام والحب، في حالة المبدع «الفنان عبر التأمل الجمالي، وفي حالة المبدع الصوفي عبر التأمل الديني العرفاني».

اعتبر قناوي أن الإبداع والتصوّف يشتركان في كونهما موهبة ربانية، لا تستمد من الكتب والتعليم المهني، «للإبداع شروط ذاتية إرادية وأخرى موضوعية غير إرادية، كما أن للتجربة الصوفية أيضاً شروطاً ذاتية وأخرى موضوعية»، موضحاً أن تاريخ الأدب العربي عرّف «القصة الصوفية» جنساً أدبياً موصوفاً بمذهب فكري ومعرفي (الصوفية)، أي أنها تطرح في بنياتها التعبيرية وأساليب تشكيل رؤيتها الفنية والموضوعية، مفاهيم فكرية ودينية، فهي أدب معرفي أو قد تكون من قبيل تحميل الأدب بالإيدولوجيا. «والمنجز الإبداعي الصوفي التاريخي في بنيته ومضامينه، سواء في القصة أو الشعر أو الرواية المسندة للقصص والكرامات عند الأولياء من خلال كتب التراجم والطبقات، كل ذلك يمثل جنساً أدبياً مستقلاً بذاته يعكس مذهباً فكرياً وروحانياً عرفانياً، كان له وزنه وتأثيره في جميع الطبقات الاجتماعية في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، ولايزال هذا التأثير إلى اليوم».

وتوقف قناوي خلال محاضرته أمام الربط الشائع لدى كثيرين بين كل من المتصوّف والمبدع من جهة، والجنون من جهة أخرى، إذ يرى العديد من الاختصاصيين النفسانيين أن «الإبداع هو حالة من حالات الجنون».

وعرض نتائج بدراسة إحصائية قام بها الباحث فيليكس بوست عام ،1994 وشملت 291 شخصية تنتمي إلى مجالات الإبداع المختلفة في القرنين الـ19 والـ،20 وبينت أن هؤلاء العباقرة يتميزون بصفات غير طبيعية، فهناك نسبة 50٪ منهم لديهم اضطرابات نفسية حادة جدا، وترتفع هذه النسبة لدى الفلاسفة فتصل إلى 60٪، وتصل لأقصى ارتفاع لها لدى الشعراء والأدباء لتصل إلى 70٪، ولدى الرسامين والموسيقيين ورجال السياسة نحو 30٪.

وأوضح الباحث ان الصوفي يعيش في عوالم مختلفة عن الآخرين من حوله، وهي حال ما يسميهم العامة بـ«الدراويش» أو «المجاذيب»، وقد يصل الأمر ببعض الناس إلى وصف الصوفية بالجنون.

وعقب المحاضرة تركزت مداخلات الحضور على ضرورة تحديد مصطلحات الدراسة في هذا المجال، إذ توجد تعريفات عدة لمصطلحات الصوفية والإبداع والخلق والابتكار وغيرها. وحول تناقض حياة الصوفي التي تقوم على الزهد والحرمان والمجاهدة، مع النظريات التي ترى أن الإبداع لا يتحقق إلا بعد إشباع الحاجات الأساسية للإنسان مثل الحاجة للطعام والمأوى والحنان والأمان واحترام الذات.

تويتر