‏ممثلون ونقاد يرون أن الانسحاب في «القمة» يديم تـألق الفنان.. ويؤكدون:‏

‏لا سنّ «قانونية» للاعتـزال الفنـي‏

استمرارية الممثل تقاس بقدرة الفنان على العطاء. أرشيفية

‏‏يؤكد فنانون ونقاد سينمائيون أنهم قادرون على الإبداع في مختلف مراحل العمر، إذ «لا توجد سن قانونية للاعتزال في مجال الفنون، لأن الفنان ليس موظفاً». لكن آخرين يرون انهم سيعتزلون في مرحلة محددة من مسيرتهم الفنية، وأن اعتزالهم مقترن بحالة الاشباع التي قد يشعرون بها. في حين يشير بعضهم إلى ان التمثيل بالنسبة إليهم مهنة يعيشون منها، ومن الصعب التخلي عنها بسهولة، موضحين ان أصعب قرار قد يتخذه الفنان هو قرار الاعتزال.

الممثل المصري مصطفى فهمي يرى أن الابداع لا يقترن بعمر الفنان، «لكن من المهم ان يحترم الفنان عمره، وأن يختار أدواراً تناسبه، حفاظاً على تاريخه الفني»، موضحاً أن هناك فنانين لا يعترفون بتقدم السن، «فيقدمون ادواراً لشباب صغار ومراهقين، وهذا الامر يحط من قيمة الفنان، ويبني حاجزاً كبيراً بين تاريخه الفني الذي يحبه جمهوره، والصورة الجديدة التي قد يبغضها الجمهور نفسه». ويؤكد «ما دمت على قيد الحياة سأظل أمثل الادوار التي تلائمني وتحترم تاريخي الفني، كي لا أخسر محبة الناس لي».

ويؤكد الممثل الاماراتي بلال عبدالله «انه ما دام الفنان قادراً على العطاء، فيجب ألا يفكر في الاعتزال ويحرم جمهوره من ابداعه وتألقه والفائدة المرجوة التي قد يستفيد منها الناس في التعلم منه»، مشددا على «ضرورة تقديم الجديد والمختلف والابتعاد عن النمطية».

الممثل السوري رامي حنا يقول حول قرار الاعتزال الفني «لا أربط الاعتزال بعمر الفنان، بل بقدرته على العطاء»، موضحاً ان «على الفنان مواصلة مسيرته، ما دام قادراً على ابهار جمهوره. أما الفنان الذي يصر على حضوره بأي شكل، فيجب عليه ان يعتزل».

اختيار الأدوار

تؤكد الممثلة المصرية إلهام شاهين أن الاعتزال «قرار صعب جداً» لشخص يعتبر الفن عالمه، إذ إن «مجرد التفكير في الموضوع يجعلني أحزن، لذلك قررت عدم التفكير بالاعتزال». وتضيف ان «الجمهور هو الحكم الرئيسي في استمرار الممثل أو اعتزاله، ولأنني حريصة على الثقة المتبادلة بيني وبين الجمهور، فسأحافظ قدر استطاعتي على اختيار الادوار التي تلائمني من الناحية الفنية والعمرية».

ويرى الممثل المصري خالد أبو النجا ان «قرار الاعتزال ليس هيناً، لان له علاقة بقلب الفنان الذي قد يتعب بمجرد التفكير فيه»، موضحاً ان الممثل الذي لا يرى نفسه إلا امام الكاميرا، من الصعب ان يفكر بهذا القرار بسهولة، خصوصاً اذا كان لايزال متألقاً ومبدعاً، مشيراً الى ان «الفنان كمال الشناوي كان ولايزال مبهراً للجمهور العربي، فهو محافظ على تاريخه من خلال الادوار التي يقدمها حالياً في المسلسلات خصوصاً، ومازالت صورته نقية لدى الأغلبية»، لكنه يوضح ان هناك فنانين يعيشون حالة انكار للواقع الجديد، في ما يتعلق بكبر السن، «وأنا شخصياً أشفق على هذه النماذج كثيراً، لأنها حطمت تاريخاً ولم تبن شخصية جديدة تعلق في ذاكرة المشاهد العربي». ويقول «سأفكر في الاعتزال عندما اشعر بأن غيابي وحضوري سيان، ولا يؤثران في العمل الذي اقدمه».

ذاكرة

الناقد السينمائي العراقي زياد خزاعي يقول حول الاعتزال «على الفنان العربي ان يعي ان الشاشة ليست جاهزة دائماً لتقبله اذا ما أخفق، والجمهور لن يظل مخلصاً له اذا ما استهان بعقلهم، وعليه ان يقرر الاعتزال في أوج تألقه ولا يساوم على هذا التألق كي يظل خالداً في الذاكرة».

ولم يبتعد المخرج الفلسطيني رشيد مشهراوي برأيه عن خزاعي، «العمل الجيد هو الذي يعطي فرصة امام الممثل بأن يقرر الاستمرار أو الاعتزال»، موضحاً ان الاعتزال لا يحدد بالعمر بقدر ما يحدد بحالة الرضا التي يشعر بها الفنان أمام نفسه وأمام ما يقدمه للجمهور».

ويوضح ان «فنانين قرروا الاعتزال وهم في أوج شبابهم، وهناك من اعتزل وعاد مرة اخرى وأغلبية هذه الفئة أخفقت. لكن الاهم من كل هذا هو أن يحسب الفنان كم سيظل عالقاً في ذاكرة المشاهد العربي، فلا اظن ان شادية محيت من الذاكرة ولا فاتن حمامة ولا ليلى مراد، لأن هؤلاء قررن الاعتزال وهن في القمة».

في المقابل يقول الممثل والمخرج الفلسطني محمد بكري «عندما يختفي النور المرتبط بالعطاء، يجب أن يقف الفنان امام نفسه ويقرر الاعتزال»، مشيراً إلى ان الاستمرارية ليست مرتبطة بالعمر، بل «بالقدرة على العطاء المثمر، وليس الحشو».

ويؤكد الناقد المصري رفيق الصبان «قلائل هم الفنانون الذين نجحوا في بلادنا العربية في المواصلة، مع الاحتفاظ برصيدهم لدى الجمهور، او الاضافة اليه»، كما حدث مع الفنانة فاتن حمامة، التي أدركت قيمة رصيدها وطبيعة المرحلة التي تمر بها، فقدمت ما يناسبها لتحصد المزيد من التألق والاعجاب والنجاح، ليس في التلفزيون فقط، كما حدث في مسلسل «ضمير أبلة حكمت»، ولكن في السينما أيضا عندما قدمت فيلم «يوم حلو ويوم مر» وفيلم «أرض الاحلام»، مشيراً من ناحية أخرى إلى ان «فنانين حافظوا على إبداعهم مثل الفنان الراحل محمود مرسي، الذي زاد تألقاً في سنوات عمره الاخيرة، والفنان كمال الشناوي كان ولايزال قادرا على العطاء بما يتناسب مع إمكاناته الحالية».

مهنة

الممثل المصري عمر الشريف يقول إنه لا يفكر في الاعتزال بتاتاً، متسائلاً «لماذا اعتزل وأنا لا أملك اي موهبة أخرى أو أي مهنة اخرى؟»، مؤكدا «لا افكر في الاعتزال ابداً، لأن التمثيل هو المهنة الوحيدة التي اعيش منها، ولا أعتقد أنني سأترك التمثيل إلا عندما اكون على فراش الموت».

وفي المقابل تقول الممثلة عبير صبري التي اعتزلت قبل ذلك وارتدت الحجاب وخلعته أخيراً «لقد جربت الاعتزال لأنني قررت في فترة ان ارتدي الحجاب»، مستدركة «شعرت في لحظة انني لست جاهزة للاعتزال كلياً، خصوصاً ان التمثيل هو مصدر رزقي الوحيد، فعدت بالرغم من انتقاد كثيرين لي، إلا انني راضية عن نفسي وعن علاقتي بالله».

‏عبير صبري.                             مصطفى فهمي.                        خالد أبوالنجا.

 

إلهام شاهين.                              عمر الشريف.                            بلال عبدالله.


تشكيل صورة

 

تساءل الناقد السينمائي المصري طارق الشناوي: «أيهما أفضل للفنان، سواء كان مطرباً أو ممثلاً، أن يعود للجمهور في أي عمل بسبب إغراء المادة أو الرغبة في الحضور وطمعاً في البقاء لفترة أطول؟ أم أن يحافظ على رصيده الذي كونه لدى هذا الجمهور على مدى سنوات طويلة؟»، مضيفاً «كثير من الفنانين لا يعترفون بعامل الزمن، خصوصاً في مصر التي لا يوجد فيها فن كبار السن، على الرغم من وجوده في أنحاء العالم».

ويرى أن «ذكاء فنانة مثل ليلى مراد هو ما دفعها إلى الاعتزال في قمة شهرتها وعنفوان مجدها، لأنها أدركت ان معدل التراجع في تلك المرحلة سيكون أسرع من معدل التقدم، ولهذا أصرت على الانسحاب، ورفضت إجراء الاحاديث التلفزيونية والاذاعية، راغبة في أن تظل صورتها في عقول الناس كما كونتها في الماضي». لهذا ظلت حتى وفاتها عام 1996 بعيدة عن الاضواء التي اعتزلتها في نهاية الستينات.

ويضيف «عندما توفي الفنان فؤاد المهندس، قيل الكثير عن حزنه وألمه لتجاهل المنتجين وكتاب السيناريو له منذ سنوات، إذ شعر بالجحود، لكن قد يكون الابتعاد عن الساحة لهذا الفنان الكبير في أواخر سنوات عمره أفضل من الحضور من دون القدرة على الابداع أو تقديم جديد أو ما يتناسب مع تاريخه الفني». ‏

 

تويتر