أطباق قروية ترسّـخ التراث والعـــــــــادات

عبرت معظم الأطباق التراثية عن خصوصية لبنان. تصوير: دينيس مالاري

«فن المطبخ وجه من الهوية» هو العنوان الذي انطلقت منه القنصلية اللبنانية في دبي، أول من أمس، في احتفاليتها التي أقامتها في حديقة القنصلية بمناسبة عيد الاستقلال اللبناني. واجتمع في الاحتفالية طهاة من أبرز المطاعم اللبنانية في دبي، وقدموا للحضور مأكولات شهية تميزت بقِدمها وارتباطها بهوية المطبخ، وجهاً من وجوه الحضارة ورمزاً يدل على البلد تماماً، إضافة إلى ارتباط تقديم بعض الأطباق بعادات وتقاليد اجتماعية معينة.

حلويات وسمك

وقال الشيف حسين دعكور من «حلويات البابا» الذي قدم البقلاوة اللبنانية «هذا النوع من الحلويات معروف بأنه يقدم في الأفراح، وبدأ يُعد في لبنان منذ ما يزيد على 120 سنة، وهناك روايات كثيرة تؤكد أن أصل هذه الحلويات من تركيا، ولكن اشتهرت في لبنان، حيث عدل في طريقة إعدادها، فكانت تحضر بالعجين والفستق والعسل، وأضيفت إليها اليوم أنواع مكسرات كثيرة، كالجوز والفستق والصنوبر». وذكر دعكور أصناف البقلاوة، ومنها «البؤج والكول وشكور، والبصمة والنابلسية والأصابع وعـش البلبل والبورما والبلورية»، وأشار إلى أن ما يميز البقلاوة بين بلد وآخر هو الذوق في طريقة الإعداد ونوعية المواد المستخدمة، ولهذا، نجد اختلافاً في الطعم بين مختلف البلدان التي تعدها.

وأفاد شيف مطعم «سلطان إبراهيم» أحمد زكريا بأن اختيار أطباق السمك في الاحتفالية، جاء للتعبير عن الهوية اللبنانية في الطبخ، من خلال طريقة إعدادها، واعتبر أن ما يميز المأكولات اللبنانية الذوق في إعداد الأطباق والاعتماد على الطرق القديمة والتقليدية، رافضاً التعديل في طريقة إعداد الأطباق التراثية، بغية مجاراة الحداثة أو إضافة عناصر من المطابخ الأخرى. وأوضح زكريا أن الطريقة التي تقدم بها الأطباق تسهم في ترسيخ الأكلات في أذهان الأجانب الذين لا يعرفونها، فمثلاً الحمص يقدم في صحن فخاري، وبالتالي فتقديمه بهذه الطريقة التقليدية أسهم في ترسيخ شكله وطعمه في أذهان من لا يعرفونه، وهذا مهم جداً.

ولفت إلى أن نوعية المواد المستخدمة في الأطباق تؤدي إلى إحداث فرق في النكهة بنسبة 60 ٪، فالمياه والبهارات، وكذلك الخضراوات الموجودة في الإمارات، تختلف عن المتوافرة في لبنان، وهذا بطبيعة المناخ والتربة . وقال « لذلك، بذلت شخصياً من خلال عملي في دبي جهداً كبيراً للحصول على نكهات أحصل عليها في لبنان».

وركز شيف مطعم «القصر»، جوزيف ديب، على أكلات القرية التي ترتكز بموادها الأولية على الحبوب والخضراوات. وقدم ديب أكلات المخلوطة والبقلة والفجيلية والسلق مع اللوبياء والفاصولياء، وهي سلطات لبنانية خفيفة. ونوه بأن هذه الأكلات التي استقاها من القرى تعبر عن البيئة التي يعيش فيها الإنسان، كون موادها كلها من الطبيعة المجاورة. ولفت ديب إلى أن معظم الخضراوات التي اختارها تتوافر في الشتاء أكثر من الصيف، وهي تزرع في القرى اللبنانية، ولاسيما في الجبل.

وزين ديب طاولاته من خلال الحفر على الفواكه، حيث قدم باقة ورود من الفجل المحفور، والعلم اللبناني من البطيخ، وقال «رأيت أن البطيخ يشتمل على ألوان العلم اللبناني، ولهذا، عمدت إلى حفره لربطه بالمناسبة، فالتزيين مهم جدا على السفرة، لأن العين تأكل قبل الفم، وبالتالي، فإن وضع الأطباق المزينة والفاكهة المحفورة على السفرة يفتح الشهية». واعتبر أن المطبخ يعتبر سفيراً للبلد، لذا، لا بد من التركيز عليه كأحد وجوه الحضارة والتراث.

أكلات شعبية

وقال الشيف علي عجمي، من فندق البستان روتانا، «أختار الكشك والصفيحة البعلبكية والمنسف البعلبكي الشبيه بالمنسف الأردني، لأعبر من خلالها عن تراث لبنان». وأعطى الشيف عجمي لمحة عن تاريخ الأطباق، حيث سميت الصفيحة بعلبكية على اسم مدينة بعلبك، ويعتبر الكشك من الأكلات التي يعدها الناس كمونة توضع في الفخار الذي يحفظها لسنتين من دون أن تتلف». ولفت إلى أن الكشك من الأكلات الشعبية في لبنان التي تقدم غالباً في الشتاء، كونها تشعر المرء بالدفء، وتطورت طريقة إعدادها، حيث كانوا يعدونها الناس في أوني الفخار ويغطونها بالرمل، وهي طريقة تقليدية مازالت مستخدمة في الإمارات في إعداد أطباق كثيرة، وقد عدلت في لبنان بسبب طبيعة تطور الحياة. وترتبط الأطعمة التي قدمها عجمي بالعادات والتقاليد، حيث يقدم المنسف في الأعراس على مدى سبعة ليالٍ، وكان يقدم في الأعراس لمدة شهر، وبدأت العادات تتغير، وبالتالي، أصبح يقدم أسبوعا كاملاً، فكل يوم تعد ذبيحة على شكل منسف.

واختار شيف مطعم «برج الحمام»، روجيه بشارة أنطون، الفطائر على أنواعها والمحاشي اللبنانية، في إشارة إلى توافر عناصر الهرم الغذائي في المأكولات اللبنانية. وقال «تشتمل المحاشي على الأرز واللحم، وكذلك الخضراوات، أي الكوسا وورق العنب، وتحتوي على نسبة معينة من الدهون، ما يعني أنها متكاملة العناصر الغذائية». ولفت إلى أن إعداد الأطباق يحتاج إلى إبداع، ليكون شهياً، فلا يمكن التركيز على إعداد الوصفة بحذافيرها، من دون أن يشعر الطاهي بمتعة في الإعداد. وشدد أنطون على أن التوالي في النكهات من الأمور المهمة التي يجب أن يلتفـت الطباخ إلى توافرها في إعداد طبقه، لأن النكـهات في الطبق الواحد يجب أن تكون بشكـل تصاعدي، من دون أن تكون طـاغية على الأخـرى.

وقدم الشيف فؤاد مخايل، من «غراند أوتيل» في الشارقة، التبولة والفتوش، واعتمد هذه الأطباق «لأنها تتميز بأنها تحضر من الخضراوات التي تزرع في معظم المنازل في القرى، ومن مميزاتها أنها تقدم مع أطباق عديدة». ولفت إلى أن اختيار التبولة كان لترسيخ هذا الطبق ضمن قائمة الأكلات اللبنانية، لاسيما بعد الصراع عليها، وكذلك بعد دخول لبنان كتاب غينيس بإعداد أكبر صحن تبولة.

وقدم الشيف محيي الدين أحمد، من مطعم «الحلاب»، كبة باللبن وأقراص الكبة باللحمة والشحمة، وهي أطباق مشهورة في شمال لبنان، «وتتميز بأنها دسمة، وهي أطباق قديمة جداً، وكانت تقدم في مطبخ الأتراك، وتم التعديل عليها في لبنان». وقال أحمد «التحديث في الأطباق من الأمور التي يجب أن يراعيها كل شيف، لأن الحياة تتطور، وكذلك أذواق الناس، وتجب مراعاة ذلك».

ولفت الشيف عمر حربلي إلى أن الاتجاه اليوم هو نحو الأكلات الخفيفة الدسم، ولم يخفف هذا الأمر كثيراً من الطلب على الأطباق الدسمة، كالشاورما والكبة التي يعدها. وقال «من الضروري أن نعمل اليوم على التخفيف من الدسم والتعديل قليلاً، لأن هناك من يرغب بتناول هذه الأكلات، علماً بأن كثيرين يحبون تناول الأكلات من دون التعديل في الطعم، مع وجود الدسامة، لكي يتمتعوا بطعمها اللذيذ».

تويتر