فنان سوري استفاد من رمل دبي لذاكرة جديدة

«تموّجات» عرابي.. وجوه من الحياة اليومية

صورة

تحت عنوان «تموجات» يقدم الفنان السوري مهند عرابي الوجوه الطفولية في معرضه الذي افتتح، أخيراً، في «أيام غاليري» بدبي. يختزل من خلال اللوحات الكثير من المشاعر في الوجوه التي لطالما رسمها، لكنه اليوم بات أكثر توجهاً للاستلهام من حياته اليومية، فأضحت الوجوه أكثر فرحاً وبعداً عن الأسى والحزن الذي يخيّم على بلده، والذي طغى على أعمال سابقة له.

بعد أن قدم الوجوه الحزينة والمتشبعة من الأحداث المؤلمة التي ألمّت ببلده، يتوجه عرابي الى الوجوه الفرحة، فيستلهم من ابنته تفاصيل اللوحات، ومنها الأربطة الخاصة بالشعر، الملابس، الملامح، فهي كلها في لحظة ما تبدو في غاية الالتصاق مع ما يعيشه مع ابنته. هذا المعرض ينقل الفنان من مرحلة نقل المشاعر العامة، الى ترجمة كل ما هو خاص، وشديد الالتصاق بالذات، فكأنه أمام مكاشفة حقيقية مع اللوحة، فيختصر كل ما بداخله بتلقائية وعفوية، ما يجعل المعرض منفذاً مبتكراً وايجابياً للهروب من الحرب وويلاتها وكل آثارها.

سيرة لونية

ولد الفنان مهند عرابي عام 1977 في دمشق، ودرس الفنون في سورية وتخرّج في عام 2000، وفاز بجائزة معرض الفنان الشاب السوري عام 2006. قدم الى اليوم مجموعة من المعارض الفردية والجماعية، بدءاً من بلده سورية، ووصولاً الى دبي التي يقيم فيها حالياً، مروراً بمحطات في عواصم عربية وعالمية، ومنها بيروت، والكويت وعمان، ولندن. يتميز أسلوبه الفني بالاعتماد على رسم الوجوه، التي بدأت مع رسمه لبورتريه شخصي يعود الى طفولته.

الوجوه الصامتة التي تتربع على بياض اللوحات، تلقي ظلال ألوانها العديدة على العمل لتقدم الكثير من الايحاءات والتفسيرات، فهي غير محايدة، بل تحضر أحياناً بالأزرق أو الأحمر، وأحياناً تحمل من ألوان التراب الذي أدخله عرابي على اللوحات ليعكس البيئة التي يعيش فيها حالياً. بسيطة في وجودها، تلك الوجوه، لكنها تعد شاهدة على الذاكرة، حيث مازال عرابي يُدخل اليها بعض العناصر القديمة من لوحاته والتي تعود الى بلده، ومنها الطيور التي تقاسم الفتيات المساحة اللونية، لتصبح هذه العناصر رمزاً للسلام والفرح.

تطور اللوحة عند عرابي لم يقف عند حدود المضمون والانتقال في الايحاءات والمشاعر وتجسيد الداخل الإنساني، بل تعداه الى الفن التجريبي، حيث عمد الفنان الى تحويل الوجوه المتجسدة في اللوحات الى مجسمات نحتية، مستخدماً الحديد.

وعن معرضه الذي يستمر حتى 26 أكتوبر، قال مهند عرابي لـ«الإمارات اليوم»: «أطلقت هذا العنوان على المعرض، لأنني أردت أن أعبر عن حركات المياه الدائرية حين نرمي شيئاً في الماء، لأني أحب التقاطعات التي تحدث في الماء، وكذلك لأن كل ما يحدث ويحيط بنا، يبدو كما لو أنه يرمى بداخلنا، ونسعى جاهدين الى لملمة ذاتنا، فالخيارات لم تعد كثيرة». ولفت الى أن الخطوط والأقواس بدت كأنها خطوط وأقواس تتقاطع مع بعضها. وأشار الى أن الرمل الذي يحتل مساحة من أعماله يرتبط بحياته في الإمارات، فبعد سنوات، وكما يتأثر بالأحداث التي يعيشها، تأثر بالبيئة، واستفاد من الرمل ليس فقط كمادة تمنح اللون ميزة إضافية، وانما أضافه بحالته الحقيقية، وبحضوره ولونه. واعتبر عرابي ان الرمل في اللوحات يرمز الى الذاكرة الجديدة التي غالباً ما تغطي الذاكرة القديمة، موضحاً أن جزءاً من علاقة الفنان مع لوحته هي متعة الاكتشاف، فهي حالة حوار، إذ يتحول العمل الفني الى مذكرات. ولفت عرابي الى أن الذاكرة القديمة جميلة، ولكن دائماً يشعر المرء تجاهها بالفقد والحزن، ولكن مع الحاضر نبني العلاقة دون خوف من المستقبل، فاللوحة تبنى كطبقات وتماماً البشر. وأشار الى ان الاستلهام من ابنته أتى بشكل فجائي وغير مقصود، إذ اكتشفت ابنته ان اللوحات تشبهها، منوهاً بأن اللوحة الصادقة تصل للجمهور، وتمكن الفنان من الاستمرار. أما استخدام الحديد في المعرض، فلفت عرابي الى أنه ببساطة ينتقل في عمله من السكيتش، ولكنه قرر تنفيذه على الحديد، ودخل بعدها بالأمور التقنية المتعلقة بالوزن وسماكة قطعة الحديد، مبيناً أنها تجربة مختلفة عن اللوحة، فكأنه رسم لخطوط في الهواء، فهي تجربة وأفكار تتطور. ورأى في الختام أنه طالما أن الوجوه التي يرسمها تكبر، فهي التي ستقرر النضج أو البقاء في المرحلة.

تويتر