يتتبع مسيرتها من المؤسسين إلى المؤثرين.. إعلامي النشأة وطني الهوى

«الصحافة في الإمارات».. عن وجوه شغوفة بـ«صاحبة الجلالة»

صورة

من البدايات المتواضعة والمحاولات الفردية للرواد الأوائل، إلى الوجوه الشغوفة بـ«صاحبة الجلالة» التي كتبت فصولاً من حكايتها على أرض الإمارات، يوثّق الكاتب ظاعن شاهين للصحافة في الإمارات، منذ زمن بعيد، لم يعرف هدير المطابع، ولا ثورة الكمبيوترات، وحتى حاضر المهنة، ومحاولة استشراف مستقبلها، إذ تأتي «الرسالة» في لحظة فارقة، تواجه فيها الصحافة الورقية تحديات بالجملة، وتقنيات رقمية بلا حصر. يربط شاهين بين النهضة الإماراتية الشاملة والصحافة، يجعل الإعلام جزءاً من المسيرة، فثمة رواد مؤسسون واجهوا بعزيمتهم كل المعوّقات، وتطلعوا إلى تجارب من سبقوهم، وصاغوا حكايتهم الخاصة، ليتفوقوا بجدارة، كما الحال في التجربة الإماراتية الشاملة: دولة صنعت في نصف قرن ما لم يصنعه غيرها في قرون طويلة.


من بعيد يبدأ ظاعن شاهين التأريخ في كتابه الجديد: «الصحافة في الإمارات.. من الرواد والمؤسسين إلى القادة المؤثرين»، يعايش أهل المهنة الأوائل في زمن البساطة والإمكانات القليلة، إبراهيم المدفع ورفاقه الطليعيون في الشارقة، ومن أطلقوا صحيفة «عمان» النصف شهرية في عام 1927، والتي استمرت بتلك الجهود سنة كاملة.

ضوء على ذوي البصمات

يسلط ظاعن شاهين في الفصل الثالث من كتابه «الصحافة في الإمارات» الضوء على أصحاب الفضل وذوي البصمات منذ البدايات، مثل إبراهيم بن محمد المدفع، ومصبح بن عبيد الظاهري، وكذلك المؤسسون وأوائل رؤساء التحرير: الشيخ أحمد بن حامد آل حامد (الاتحاد)، والشيخ حشر آل مكتوم (أخبار دبي – البيان)، والكاتب خالد محمد أحمد (أول رئيس لجمعية الصحافيين في الإمارات)، وتريم عمران تريم، والدكتور عبدالله عمران تريم (الخليج)، وأسماء بالجملة من بينها: الدكتور يوسف الحسن، ويوسف عمران الشامسي، وراشد بن عويضة القبيسي، وعبيد حميد المزروعي، ومحمد ماجد السويدي، وأحمد سلطان الجابر، وعبلة النويس، وغانم عبيد غباش، ومحمد عبيد غباش. وبين المؤثرين في المسيرة الإعلامية كذلك تبرز أسماء عدّدها ظاعن شاهين واستعرض جوانب من جهودها، منها: عبدالغفار حسين، وحبيب الصايغ، ومحمد يوسف، وعبدالحميد أحمد، وسامي الريامي، ومحمد الحمادي، وإبراهيم العابد، وغسان طهبوب، وعلي شهدور، وعبداللطيف الصايغ.

223

صفحة يقع فيها كتاب «الصحافة في الإمارات.. من الرواد المؤسسين إلى القادة المؤثرين»، الصادر عن دار «كتّاب» في دبي.

1927

العام الذي أسس فيه إبراهيم المدفع ورفاقه صحيفة «عمان» النصف شهرية، التي استمرت عاماً كاملاً.

أما عن شكل صحيفة «عمان» واهتماماتها، فكانت تطغى عليها – حسب ظاعن شاهين – لغة الأدب، و«تتألف من صفحتي كرتون كبيرتين تكتبان باليد، ويتم نشرها كل 15 يوماً، ويطبع منها خمس نسخ فقط يتم تداولها بين الأهالي ممن يعرفون القراءة، متضمنة مقتطفات من الأخبار التي تنشرها الصحف العربية الصادرة في الحجاز ومصر والعراق.. إلى جانب مجموعة مختارة من الأخبار المحلية وأسعار السلع والحكايات المتفرقة من هنا وهناك، وبعض الموضوعات السياسية الدائرة في الأقطار العربية، إلا أنها توقفت كلياً بعد عام من الصدور».

لم تقف محاولات إبراهيم المدفع عند «عمان»، فقد أصدر هو والمتعاونون معه من المثقفين، صحيفة «العمود» ذات الحسّ الفكاهي، التي سعت لرسم البهجة على وجوه قرائها. وفي عام 1933 أطلق المدفع محاولته الثالثة في هذا الميدان، عبر نشرة «صوت العصافير» التي جمعت بين جهود «شباب دبي والشارقة وبمساعدة شباب من البحرين».

حرص أبناء الإمارات خلال تلك المرحلة على التواصل مع مجتمعهم والتماس مع همومه، وفتح نوافذ جديدة أمام وعيه، عبر تلك المحاولات، وكذلك الإفادة من التجارب السابقة، إذ راسل بعض المثقفين الإماراتيين صحفاً ومجلات عربية، واشتركوا فيها كي يطالعوا ما فيها، فالأمير شكيب أرسلان يبعث برسالة «إلى الأديب مبارك بن سيف الناخي، يشكره فيها على اشتراك ثلاثة من مثقفي الشارقة بمجلة الأمة العربية التي كانت تصدر باللغة الفرنسية، وكان ذلك في العام 1931». وبينما عمل أحمد بن سليم مراسلاً لمجلة الشورى التي كانت تصدر في القاهرة في عام 1924، واشتغل كذلك مذيعاً للإذاعة الهندية، كان عبدالله صالح المطوع مراسلاً لمجلة «العرب» التي كانت تصدر في مدينة بومباي الهندية باللغة العربية، وذكرت المجلة في عددها الصادر في شهر ربيع الثاني 1364 هجرية: «كتب إلينا الوجيه الشيخ عبدالله صالح المطوع يقول: أخبار أطرافنا ساكنة والأمطار كثيرة في أول الشتاء وأحوال المشايخ على أحسن ما يرام. و(العرب) تصل هناك وإن كانت تتأخر في بعض الأحيان، وقد سرنا جداً تقدمها وتبويبها وإحاطتها بأخبار البلاد العربية، وخصوصاً الإمارات العربية وسائر بلاد الخليج، وإننا لنرجو لها التقدم حتى تكون من كبريات المجلات العربية في العالم». ويتوقف الكاتب ظاعن شاهين عند صاحب تجربة «النخي» في العين، وهو الراحل مصبح عبيد الظاهري، الذي كان يطبع الأخبار التي تهم الناس على أكياس يوزع فيها بضاعته «النخي» (الحمص المسلوق)، بل ويقرأ الأخبار لمن لا يستطيعون فك الحروف.

دبي الناهضة دوماً

في دبي الناهضة دوماً، كان ثمة حراك «إعلامي» في الثلاثينات، حيث ظهر العديد من النشرات التي تصدر عن وكالات البواخر والملاحة، وترصد حركة المراكب إلى ميناء دبي. بعض التجار أحضروا معهم إلى دبي آلات طباعة منذ فترة مبكرة، لذا صدرت نشرة «أخبار دبي» في عام 1965، و«أخذت بيد الكثير من الشباب الواعد والعديد من الأقلام المهتمة بالأدب والفن والثقافة».

في دبي أيضاً، دارت أول مطبعة في الإمارات، في عام 1958، على «يد محمد عبدالله الرضوان، الذي كان قد اشتراها من دولة الكويت، وقامت بطبع النشرات والمطبوعات المختلفة للأفراد والجهات الحكومية والشركات العاملة في دبي مقابل أجر معلوم».

في منتصف الستينات ألقت دبي كذلك حجراً في مياه الصحافة بالمشهد الإماراتي الذي كان يتشكل وعيه بقوة خلال فترة ما قبل الاتحاد، إذ شهد عام 1965 «إصدار واحدة من أنجح المشاريع الإعلامية في هذه الحقبة، وهي مجلة أخبار دبي التي كانت تصدر عن مكتبة دبي العامة، كل يوم سبت، وتعد أول مطبوعة منتظمة الصدور، وعلى امتداد 15 عاماً، هيمنت هذه المجلة على مشهد الأخبار المحلية، ونمت من مجلة أولية مؤلفة من بضعة آلاف من النسخ إلى 10 آلاف نسخة في أوج شعبيتها، وفي عام 1980 توقف طبع أخبار دبي وأعيد إصدارها باسم صحيفة البيان».

مرتكزات

في 20 أكتوبر 1969 صدرت جريدة «الاتحاد» دورية أسبوعية، ثم تحولت إلى يومية، أما «الخليج» الصادرة في عام 1970 في الشارقة فتعد أول جريدة يومية في الإمارات. أعلت صحافة الإمارات التضامن والوحدة الوطنية، ركّزت على الثقافة والتراث المشترك، بل وسعت إلى «إحداث التغيير المجتمعي المنشود، ولعبت دوراً أساسياً في بثّ روح الوحدة والانتماء، عبر توظيف الخبرات الكفيلة بتحسين جودة الرسائل والمضامين الإعلامية الهادفة لبناء صناعة إعلامية صادقة وأمينة بعيداً عن التدخلات».

اجتذبت الساحة الصحافية في الإمارات كفاءات من كل مكان، أسهمت في تطورها، ووضعت بصماتها عليها، منذ الستينات، فثمة رموز بارزة التحقت بالركب الإعلامي هنا، ونقشت اسمها فيه، تنتمي إلى بلدان عربية مختلفة، اتخذت من الإمارات وطناً ثانياً لها، وأخلصت لهذا المكان الطيب. ولم تخل الساحة الصحافية من الجهود الفردية التي تذكّر بالبدايات، إذ لم ينقطع عطاء الأفراد بعيداً عن المؤسسات الكبيرة، فقد ظهرت صحف الوحدة (راشد بن عويضة القبيسي) والفجر (عبيد حميد المزروعي) والوثبة (محمد ماجد السويدي) وصوت الأمة (أحمد سلطان الجابر).

صوت واعد

بقطع مغاير، ومحتوى غير برتوكولي، ترى صحيفة «الإمارات اليوم» النور، في 19 سبتمبر 2005، ويشير ظاعن شاهين إلى أن الجريدة الواعدة حققت معادلتها الخاصة، إذ ركزت على الشأن المحلي، والقضايا التي تهم القراء العرب في الإمارات، ضمن سياسة تلتزم بالشروط المهنية للعمل الصحافي القائم على الدقة والتوازن والموضوعية، وتسعى في الوقت نفسه لتلبية متطلبات القراء في المعرفة والترفيه الذكي. تحاول «الإمارات اليوم» من خلال صدورها بالقطع المصغر أن تتكيف مع التغييرات العالمية في هذا المجال، وتطور أساليب القراءة والتصفح، استجابة لمتطلبات الحياة العصرية، وينتج الصحيفة فريق محترف من الصحافيات والصحافيين الشباب. وأسست الصحيفة سمعتها المحلية والخليجية والعربية في مسارات عدة». ويخصص الكتاب مساحة لمسيرة المجلات في دولة الإمارات، وكذلك للجرائد الصادرة بالإنجليزية.

محلل

«ظاعن كان الحاضر دائماً، فهو إعلامي النشأة وطنى الهوى، ارتقى السلم الإعلامي من أولى درجاته حتى وصل إلى قمته عبر جهد وتعب، وموهبة حقيقية شهد له بها منذ كان طالباً في جامعة الإمارات».. بهذه الكلمات وسواها يقدم مدير جامعة عجمان الدكتور خالد الخاجة لكتاب «الصحافة في الإمارات»، مؤكداً أن المؤلف لم يقف عند مجرد الرصد والتوثيق، بل تمتع بسمات «المحلل البارع والقادر على طرح الموضوع، والسعي وراء أسبابه والأحداث والظروف المصاحبة له والنتائج المستخلصة منه».

تويتر