أهل غزة يقابلونها بنظرات الاستغراب

ريهام الكحلوت.. ممثلة كوميدية في مدينة متجهمة

صورة

صباح كل يوم جديد؛ تغادر الفتاة، ريهام الكحلوت، منزلها في مخيم الشاطئ، غرب مدينة غزة، متجهة إلى عملها، وأثناء سيرها في أزقة المخيم تتعرّض لثرثرات الجيران وانتقاداتهم ونظراتهم المليئة بالاستغراب، وهي الانتقادات التي تلاحقها أيضاً على مواقع التواصل الاجتماعي.

تمضي ريهام في طريقها غير آبهة لما يتناثر حولها من كلام وسخرية، ولا تلقي بالاً لتلك التعليقات والانتقادات، لكنها تجمعها في قالب كوميدي ساخر، لترد على من انتقدها بأنها قادرة على صنع ما عجز عنه كثيرون في غزة.

وبذلك تستمر ريهام في إكمال مشوارها، وتحقيق حلمها كأول امرأة في مجال التمثيل الكوميدي بغزة التي تعد مدينة متجهمة، ومحافظة على نحو متزايد، فريهام خرجت عن النمطية وسارت عكس النمط المألوف الذي يحكم حياة سكان غزة، لتقدم قالباً فنياً كوميدياً لم تعهده مدينتها المحاصرة بعد.

وكانت البرامج والمسلسلات الكوميدية في قطاع غزة، قد تمكنت من معالجة عدد كبير من القضايا الاجتماعية، باستخدام الأسلوب الساخر، إذ أخرجت الناس من الجمود الاجتماعي، وعلى الرغم من هذا النجاح الكبير إلا أن تلك البرامج كانت تفتقر إلى العنصر الأنثوي، الذي يعد أساساً في أي عمل فني.

وعلى الرغم من تقمص الرجال دور الأنثى في الأعمال الفنية الكوميدية في غزة، إلا أن ذلك كان يفقدها عناصر المتعة والصدقية والجاذبية، فوجود فتاة بمقطع كوميدي يعرض على مواقع الإنترنت وشاشات التلفاز، أمر ليس بالسهل في مجتمع غزة المحافظ، فهذا يعرضها لانتقادات لاذعة، لكن ريهام تجاوزت هذه الحواجز كلها لتظهر للعالم إبداعها، رغم كل الضيق الذي يخنق سكان غزة.

حلم الطفولة

دعم وتشجيع من العائلة

لا تعارض عائلة ريهام ميول ابنتها، وتشاركها كل لحظاتها فَرِحة بها، في إطار دعمها وتشجيعها، لتحقق طموحها وتثبت ذاتها.

ويقول والد الممثلة الكوميدية، أيمن الكحلوت، لـ«الإمارات اليوم» مبتسماً: «عندما بدأت ريهام تمثيل المقاطع الكوميدية لم أعارض ذلك، بل شجعتها أنا وزوجتي، وكنا الداعمَين لها، على الرغم من نظرة المجتمع السلبية».

ويضيف: «كانت ريهام تشعر بالفرح عندما ندعمها، ونثني على أعمالها وإبداعها، وهذا كان ينسيها ما تتعرض له من انتقادات كثيرة في كل مكان».

ويشير الكحلوت إلى أن ابنته ريهام كانت دائماً مختلفة عن أشقائها الخمسة منذ طفولتها، فهي الأكثر صخباً بينهم، كما تميزت بإرادة قوية نحو تحقيق كل ما تحلم به وتريده.

ريهام أيمن الكحلوت (19عاماً) برزت بموهبتها وإبداعها اللذين لا مثيل لهما في بلدها المحاصر، من وسط مخيم الشاطئ، الذي يعد أكثر المناطق فقراً واكتظاظاً بالسكان، محاولة تغيير نظرة المجتمع تجاه الفتاة وعملها في المهنة التي ترغب فيها، فدخلت عالم التمثيل الكوميدي الذي تعشقه، وتمارسه في البيت منذ الصغر، لتشارك بمعالجة القضايا الاجتماعية في مجتمعها، ومنها النظرة السلبية للمرأة وعملها.

بدأ حلم ريهام بالتمثيل مثلما بدأ عند الكثير من الأطفال، بمحاولة تقليد مشاهد الأفلام أو المشاهد التلفزيونية المفضلة أمام مرآة في المنزل، أو تقديم عرض لإضحاك العائلة.

وتقول ريهام الكحلوت لـ«الإمارات اليوم»: «الكوميديا جزء أساسي من شخصيتي، لطالما أحببت إلقاء النكات على أفراد عائلتي وممازحتهم لإدخال البهجة إلى قلوبهم». وتضيف: «رغبتي في التمثيل الكوميدي اصطدمت بعوائق عديدة، منها عدم وجود مجموعات للتمثيل في غزة، كما يعد الذهاب إلى مكان آخر حلماً يستحيل تنفيذه بسبب القيود العديدة على السفر من ناحية، ورفض الثقافة المحلية لسفر شابة عزباء وحدها من ناحية أخرى».

«بس يا زلمة»

كان أول ظهور لريهام بمقاطع كوميدية على مواقع التواصل الاجتماعي، قبل عامين، في برنامج «بس يا زلمة»، الذي تقدمه مجموعة من ممثلي الكوميديا في غزة، وتعرضت عقب ذلك لانتقادات وتعليقات قاسية من المحيطين بها، لاسيما المقربين منها، بالإضافة إلى سكان الحي الذي تقطن فيه.

وتقول الكحلوت بضحكة ساخرة: «المحيطون بي لم يتقبلوا عملي في تمثيل المقاطع الكوميدية، معتبرين ذلك منافياً لثقافة غزة، وخروجاً على عادات وتقاليد المجتمع المحافظ، لكنني اعتبرت كل ذلك دافعاً للاستمرار في مشواري الذي بدأته، وحافزاً لتحقيق طموحي بمجال التمثيل والوصول إلى العالمية».

وتتابع الشابة: «في البداية تركت التمثيل لعام كامل، نتيجة الإساءات الكثيرة التي تعرّضت لها، إلا أن والديّ أقنعاني بالاستمرار وعدم الإصغاء لما يثار حولي من انتقادات، وبالفعل عدت مجدداً، قبل أشهر عدة، إلى عالم التمثيل الكوميدي، لأظهر في أعمال جديدة تجسّد الحياة اليومية التي نعيشها في غزة».

طموح السفر

تبين الكحلوت أن هدفها من التمثيل الكوميدي الإسهام في معالجة القضايا الاجتماعية السلبية في غزة، ومنها: الطلاق، واضطهاد المرأة وحرمانها من الميراث، بالإضافة إلى الزواج المبكر، مشيرة إلى أنها اختارت الكوميديا لمعالجة تلك القضايا، لتنقل الصورة بكل وضوح للمشاهدين بقالب بسيط وفكاهي.

وتسعى الكحلوت، من خلال مشاركتها في البرامج الكوميدية، التي تعرض على المواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي، لتغيير النظرة السلبية إلى عمل الفتاة، وتأكيد دورها المهم في مشاركة الرجل وبناء المجتمع.

وتتمنى الكحلوت أن يسمح للمرأة الفلسطينية بممارسة حياتها من دون قيود أو إساءة، كونها تمارس حريتها وتحقق ما تحلم به، بالإضافة إلى ذلك فهي تطمح إلى الظهور على فضائيات عربية ودولية لتقديم البرامج والمسلسلات الكوميدية، هي وعدد من الفتيات بغزة. وتقول الكوميدية الغزية «منذ صغري كنت أحلم بدراسة الإخراج وفنون التمثيل، ولانعدام وجود كليات متخصصة في هذا المجال لم أتمكن من تحقيق حلمي، فدرست القانون بجامعة فلسطين في غزة، ورغم ذلك لم أتخلّ عن تحقيق حلمي بدراسة الإخراج والتمثيل، فأنا مازلت أطمح إلى السفر خارج القطاع لدراسة التخصص الذي أعشقه وأبدع فيه».

وتضيف أن البيئة المحيطة بها، والثقافة السائدة في غزة، محدودتان للغاية «فأنا أؤدي أدواراً عدة مع فرقة (بس يا زلمة)، لكن ليس بوسعي أن أقول إنني ممثلة بالفعل إن لم يكن بمقدوري أن أفعل ذلك خارج غزة، على الأقل سأكون حصلت على شهادتي التي أحلم بها منذ الصغر في التمثيل الكوميدي».

تويتر