محمد بن راشد مقدماً الكتاب: إطلالة على المستقبل والقفزات المعرفية

«الثورة الصناعية الرابعة».. هذه المرة مختلفة

صورة

بواقعية تضع عيناً على الجانب المنير والآخر المظلم، تتأمل الفرص ولا تنسى المخاطر، تعرض أصحاب المليارات الذين انطلقوا من اللاشيء وبدّلوا وجه العالم، ولا تغفل في الآن ذاته عمن يتساءلون: هل وظيفتي في خطر خلال فترات التحول هذه، أو التي يصفها البورفيسور كلاوس شواب بالأيام المثيرة التي لا تكتفي فيها التكنولوجيا بتغيير ما حوالي البشر فحسب، بل «تغيّر أيضاً المعنى الحقيقي للإنسان»، يقطع كلاوس، رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، بأن «الثورة الصناعية»، هذه المرة مختلفة عن سابقاتها، مغايرة لأي تجربة عاشتها البشرية من قبل، سريعة وعميقة وشديدة الاتساع، تضرب في كل القطاعات تقريباً، على عكس الثورات الصناعية الماضية، فثمة بحر رقمي عالي الأمواج، وطباعة ثلاثية الأبعاد، وذكاء اصطناعي، وروبوتات ذكية، وحرس حدود آليون، باستطاعتهم قنص من يحاول تجاوز التخوم، وسيارات ذاتية القيادة، وكمبيوترات شديدة البراعة، باستطاعتها أن تكتب القصص وتنافس خيال رواد الروايات.


في كتابه «الثورة الصناعية الرابعة»، الذي كتب مقدمته صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، وأعرب سموه عن سعادته بأن يطلع عليه القارئ العربي ليطلّ على المستقبل والقفزات المعرفية التي تنتظر البشرية، يرنو كلاوس شواب إلى البعيد الذي يتشكل الآن، يدعو الجميع، أفراداً وحكومات وصنّاع قرار، إلى الاستعداد للتغيرات النوعية، وتكييف الثورة التكنولوجية الشاملة لإسعاد البشر، وليس الاكتفاء بمجرد التعايش معها، أو بالأحرى تحدياتها.

رحلة إلى حدود المعرفة البشرية

قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي: «لقد كنا ومازلنا كبشرية مغرمين بالمستقبل، واستكشاف حدوده، والتعرف إلى متغيراته، يدفعنا فضولنا وشغفنا بالمعرفة لاستكشاف المساحات الغامضة في المستقبل المنظور، وأثر ذلك على أسلوب حياتنا وطريقتنا في أداء أعمالنا». وأضاف سموه في مقدمة كتاب «الثورة الصناعية الرابعة» أن «موجات التطورات التكنولوجية المتسارعة تعد بتغيير جوهري تلمسه البشرية كافة، بدءاً من مستقبل الصناعات وإنترنت الأشياء، مروراً بالقدرة على استرجاع وترميم الأنسجة التالفة باستخدام الخلايا الجذعية، وانتهاء بالنظر في الفجوات التكنولوجية بين الأجيال وأثرها في التعليم واكتساب المعرفة. وفي إطار قصصي ملهم تمكن الصديق كلاوس شواب من أن ينقلنا في رحلة إلى حدود المعرفة البشرية حول مستقبلها، ليقدم رؤية فريدة تستشرف المستقبل بشكل يتناسب مع تطلعات صناع القرار، والنخبة من رؤساء الشركات، والقيادات الحكومية، والمهتمين بالتغيرات المتسارعة في عالمنا».

وتابع صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد: «عندما اطلعت على هذا الكتاب وجدته يتجاوز سلاسة الأسلوب، ليستعرض الأسئلة المهمة التي تواجه البشرية اليوم، في مجالات الهندسة الجينية والمعلوماتية، والذكاء الصناعي، والحوسبة والبيانات الضخمة، إضافة إلى استقراء الشخصيات والشركات الناشئة التي صنعت بصمتها الفريدة على عالمنا. ويسعدني أن يتمكن القارئ العربي عبر هذا الكتاب من الإطلالة على القفزات المعرفية التي تنتظر البشرية في العقود القادمة، على أمل أن يتمكن من مسايرة التوجهات العالمية، واتخاذ القرارات الطموحة التي ترتقي به وبمنطقتنا العربية فكرياً واقتصادياً وحضارياً».

عن المؤلف

كلاوس شواب هو رئيس ومؤسس المنتدى الاقتصادي العالمي، المنظمة الدولية التي تعنى بالتعاون بين القطاعين العام والخاص. ويعمل المنتدى على إشراك أبرز قادة العالم، وقطاع الأعمال، وكذلك قادة المجتمع، في صياغة جدول الأعمال على المستوى العالمي والإقليمي والصناعي. وأسس المنتدى عام 1971 كمنظمة غير ربحية، ومقرها مدينة جنيف في سويسرا، ومنظمة مستقلة، محايدة ولا ترتبط بأي مصالح خاصة. وعرف منتدى الاقتصاد العالمي من خلال مؤتمره السنوي الذي يعقد في دافوس بسويسرا.


288

صفحة يقع فيها كتاب «الثورة الصناعية الرابعة» لكلاوس شواب، الذي صدرت نسخته العربية عن «ميديا كوست».

 

ويشدد المؤلف على التعاون والمسؤوليات العظيمة الملقاة على أكتاف الكل: «يتعين علينا الحرص الشديد على أن تكون الأنظمة التي نقوم ببنائها مصممة لإغناء وتحرير الإنسان، بدلاً من جعلنا كسالى أو ربما أسوأ من ذلك. وإذا أردنا أن نكون ضمن هؤلاء الذين يحددون وجهة هذه التغيرات، فنحن بحاجة إلى منظور منهجي وشامل للتحول التكنولوجي الحاصل والابتكارات الجذرية المطلوبة».

من البخاري إلى الرقمي

من أعماق التاريخ ينطلق كلاوس شواب، منذ الثورة الزراعية، التي أعقبتها ثورات صناعية (الأولى من 1760 – 1840، مدفوعة باختراع المحرك البخاري، والثورة الثانية انطلقت في نهاية القرن الـ19، واستمرت حتى أوائل القرن الـ20 مدعومة بالكهرباء، وفي الستينات من القرن نفسه ظهرت الثورة الثالثة عبر الكمبيوترات المركزية ثم الشخصية والإنترنت في ما بعد). أما الثورة الرابعة – حسب كلاوس شواب – فبدأت «مطلع هذا القرن، معتمدة على الثورة الرقمية، وتتميز بأنها أكثر شمولية، وتعتمد على الإنترنت المتحرك، وتطور أجهزة الاستشعار لتصبح أكثر قوة وأقل سعراً، هذا دون أن ننسى الذكاء الاصطناعي، والتحول الآلي». علاوة على التقنيات الرقمية، والأنظمة الذكية التي تميز هذه الثورة وتسرّع من وتيرتها بخلاف ما سبقها: «ويكفي للدلالة على سرعة الثورة الصناعية الرابعة، أن مغزل النسيج (السمة المميزة للثورة الصناعية الأولى) استغرق تقريباً 120 عاماً لينتشر خارج قارة أوروبا. على النقيض من ذلك، فقد تغلغلت الإنترنت في جميع أنحاء العالم في أقل من عقد من الزمان».

بعد أن يعدّد صاحب الكتاب المنجزات، وما قدمته الثورة الصناعية الجديدة، بل وما تعِدُ بإنجازه قريباً، يحلل تأثيراتها ونقاط التحول، يجول في مسارب الجانب المعتم أو التحديات التي ستواجه كثيرين، إذ تغيّر التقنيات الجديدة طبيعة العمل، وتهدد البعض بالبطالة، عاجلاً أم آجلاً، وهنا يتساءل شواب: «ما الذي يجب علينا فعله لتعزيز المزيد من النتائج الإيجابية، ومساعدة من يعانون أثناء التغيير؟»، ويبدو الرجل متفائلاً، رغم المتشائمين بأن التكنولوجيا «قد تكون مثيرة للاضطراب»، مؤكداً أنه «سيكون هناك دائماً عمل للجميع»، لكن ذلك مشروط ربما بالمهارات اللازمة للكتيف، وتوقع توجهات التوظيف المستقبلية، إذ ستظهر الكثير من المناصب والمهن الجديدة، و«ستمثل الموهبة عامل الإنتاج الحاسم أكثر من رأس المال».

مجمع الحكمة

تأثيرات مخيفة يناقشها بتأنٍ كلاوس شواب، ويرى ألا مناص من مواجهة الأسئلة، والكشف عن الحقائق التي تكون مفزعة للبعض، والجانب المظلم لتلك الثورة التكنولوجية التي لن تعبأ مثلاً بسائق تاكسي عجوز في شوارع عاصمة بلدة نامية، يجد ذاته في منافسة أمام تطبيقات ذكية تتيح للشخص أن يطلب سيارة حديثة بلمسة لشاشة هاتفه، إذ إن الثورة الصناعية، غيّرت طبيعة العمل، اخترعت «السحابة البشرية»، والاقتصاد حسب الطلب، ليأتي العمال المستقلون الذين يؤدون مهام محددة، بعيداً عن التزامات التوظيف وحقوق العمال وغيرها من الاشتراطات، كما الحال في شركة «أوبر» لتأجير السيارات، أو حتى العمل بموقع أو تطبيق ما. ويرى كلاوس شواب أن «الخيار ملكنا، حيث يعتمد كلياً على السياسات والقرارات المؤسساتية التي نصنعها، ومع ذلك فعلى المرء أن يكون على علم بأن أي تراخ تنظيمي يمكن أن يحدث، وبالتالي يجب إعادة تأكيد قوة صناع السياسات في العملية، وتنقية القوة التكيفية للنظام المعقد».

لا يبدو المستقبل واضحاً، رغم محاولات الطمأنة، فثمة مشهد مركب في سنوات التحول، والفترة الحرجة التي تتطلب البحث عن مهارات وأساليب جديدة، فالبحر الرقمي الذي يجتاح العالم يحتاج إلى سباحين مهرة. ويخلص كلاوس شواب إلى «الطريق إلى الأمام» للعبور على مرحلة الاضطراب، فـ«التحديات التي تمثلها هي من صنع أيدينا، ومن ثم بوسعنا التصدي لها. وتفعيل التغيرات والسياسات اللازمة للتكيف والازدهار في بيئتنا الجديدة الناشئة. ويمكننا معالجة هذه التحديات فقط إذا استنفرنا مجمع الحكمة في عقولنا، وقلوبنا ونفوسنا»، ويدعو المؤلف إلى الاستعداد بأفضل شكل ممكن و«ألا نكون مشلولين بالخوف»، فالفرص جذابة، والتحديات مهولة، ولا يدعي بشكل قاطع معرفته بمستقبل هذه الثورة كاملاً، فهي – حسب رؤيته – في بداياتها، و«الشك ظرف غير مريح، لكن اليقين أمر سخيف»، على حد تعبير الفيلسوف الفرنسي الراحل فولتير.

تويتر