المَرسم دافئ ومُلهم في الشتاء

عبدالرحيم سالم: المرسم الرئة التي أتنفس منها

صورة

لم يتعرف الفنان الإماراتي عبدالرحيم سالم إلى الشكل الحقيقي للمرسم في بداياته الفنية، حين كان يرسم على سطح البيت أو في «الحوش»، فلم يكن سهلاً وقتذاك تخصيص غرفة له للرسم، ولكن بعد أن قدّم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، مراسم للفنانين، حصل على أول مرسم كامل وحقيقي، وذلك في بيت الشامسي. واستمر سالم في ذلك المرسم حتى نهاية العام الماضي، حيث انتقل إلى مرسمه الحديث الذي هو بالقرب من المنزل في دبي، ليتمكن من العمل والتواجد فيه بالأوقات التي تناسبه.

ليست للبيع

توجد في المرسم لوحات عديدة لا يفضل عبدالرحيم سالم بيعها، ومنها لوحة حديثة تعود الى سلسلة الأعمال المستمدة من عالم مهيرة. وشدد سالم على أن اللوحة العزيزة على الفنان تشعره بأنه خسر شيئاً عزيزاً عليه حين يبيعها، ولهذا يحتفظ بأعمال كثيرة لنفسه، لافتاً الى أنه من الممكن حين يصل الفنان الى حالة من التشبع من العمل، وانتقاله الى تجربة فنية أخرى أن تقل لديه هذه الرغبة في الاحتفاظ بالعمل.

أول عمل

 

بيعت أول مجموعة من أعمال عبدالرحيم سالم لشركة «أدنوك»، وكان ذلك في الثمانينات، وفي تلك المرحلة كانت فكرة «البورتريه» مازالت هي المسيطرة على أعماله، إلى جانب الأشكال المحلية، ومنها المرأة والأسواق والمشاهد الحياتية. وكانت تلك المرحلة عبارة عن مرحلة تأكيد الذات والمستوى، حيث تم الاعتماد على الرسم الواقعي، وقد تلت تلك المرحلة، الأعمال التي سيطرت عليها «مهيرة» الشخصية التي رسمها سالم بغية رصد الواقع المرير الذي تعرضت له المرأة بسبب السحر الذي آذاها على المستوى النفسي، ثم أتت مرحلة البحث الذاتي والقراءات والتعمق في أبعاد الشخصية واللون والعمل.


- لا أتعاقد مع الصالات الفنية، لأنني أرفض الاحتكار الفني والقيود، وأقدّم أعمالي من خلال أي صالة تدعوني.

- مزاجيٌ جداً، فإذا كان مزاجي غير مناسب من المحتمل أن أدمّر مشروعات الأعمال بدلاً من إكمالها.

2016

شهد في نهاياته افتتاح المرسم الحالي للفنان.

15

سنة عمر ضيوفي الذين أدعوهم للتعلّم في مرسمي.

يرى سالم أن المرسم هو الرئة التي يتنفس منها، فهو المكان الحميم الذي يشعر بداخله الفنان أن هناك ألفة تُبنى مع المكان، منوهاً بأنه مزاجي جداً في العمل الفني، لهذا يهتم كثيراً باللحظة والوقت الذي يختار أن يمضيه في المرسم، فلا يمكنه الذهاب الى المرسم في الفترات التي لا يشعر فيها بالعشق للرسم، إذ من الممكن أن يدمر الأعمال بدلاً من إكمالها، مشدداً على أنه لا يستطيع أن ينتج أعمالاً وفق الطلب، فهو شديد الالتصاق بالحالة الوجدانية في العمل الفني.

يقضي سالم أوقاتاً أطول في المرسم خلال فصل الشتاء، فهو ينتج الكثير من أعماله في هذا الطقس، ولفت الى أن المرسم يمنحه الشعور بالدفء من خلال الألوان وكذلك دفء الإحساس بالمكان، لذا فالإنتاج يصبح مريحاً مع الجو الشتوي، خلافاً لفصل الصيف الذي لا يحمل امتيازات الشتاء.

تحدّث عبدالرحيم سالم إلى «الإمارات اليوم»، وهو يستكمل العمل على احدى لوحاته في المرسم، مشيراً الى أنه حين يبدأ بالعمل يضع نفسه في تحدٍّ مع العمل، فأحياناً لا يستطيع ترك اللوحة الا بعد ان يشعر بأنه تشبّع منها، وفي الحين الآخر قد يترك العمل ويعود له بمزاج آخر، لكنه في الحالتين غالباً ما يستمع الى مجموعة من الأقراص الموجودة في المرسم، ومنها الأناشيد الدينية الحديثة التي تمنحه الصفاء، وكذلك يستمع الى الموسيقى اللاتينية التي يراها مليئة بالحركة والحياة وتنسجم مع اللون الذي يقدمه، خصوصاً أن أعماله تحمل اسم «الأسلوب المستقبلي».

يوجد في المرسم الكثير من الأعمال، ولكن سالم يرى أن العمل العزيز على الفنان يعتمد على النضج والتجربة، فهناك مراحل يكون فيها الفنان قد حقق النضج الفني، وأحياناً يكون في مرحلة التجريب، وهي الفترة الوسطى التي يكتشف من خلالها الفنان الإمكانات الخاصة به. وشدد على أنه مر بثلاث مراحل، فكانت المرحلة الأولى متميزة بالرسم الواقعي وتجسيد الأشكال، وهي مرحلة اكتشاف الذات، بينما المرحلة الثانية هي مرحلة التأثر بالفنانين، في حين أن المرحلة الثالثة تمثل فهم التعاطي مع العمل، وقد اختار «مهيرة» الشخصية الموجودة في لوحاته لتكون مفتاح الأعمال، فهي التي تمنحه الرغبة في العمل.

يوجد في المرسم مجموعة من المنحوتات أيضاً، وأكد سالم أنها تعود لفترات بعيدة، فهو لا يقدم نفسه نحاتاً رغم أن تخصصه الجامعي كان النحت، وهذا يعود الى تعلقه باللوحة، كونها أكثر توصيلاً لأفكاره والحس الخاص به، فالنحت بالنسبة له صامت، في حين أن اللوحة تحتمل الكثير من الأشكال، فهو يشعر باللون والحياة التي فيه. ويحتفظ بمجموعة من الأعمال في المرسم، ومن بينها بعض الأعمال التي تعود لأيام الدراسة في مصر، ومنها العمل الذي يحمل عنوان «انفجار»، وهو مصنوع من الجبس الذي منحه إيحاء البرونز، وهو عبارة عن وجه يحتوي الكثير من الفراغات التي تعبر عن الألم والظلم، الى جانب الجناح الممتد الذي يمثل حمامة السلام. وتجدر الإشارة الى أنه لا يقدم أعماله من خلال عقد مع صالة فنية، فهو يرفض الاحتكار من قبل الصالات، ويقدم أعماله من خلال أي صالة تدعوه للمشاركة، لأنه يكره التقيد، فالفن هو الأساس بالنسبة إليه.

اعتاد الفنان الإماراتي استقبال الكثير من الأصدقاء في مرسمه في الشارقة، بينما اليوم كون مرسمه حديث العهد، فلا تكثر فيه الزيارات، لكنه دعا الشباب من عمر 15 سنة وما فوق ممّن يملكون الرغبة بتعلم الرسم لزيارة مرسمه في أي وقت والرسم والتجريب، منوهاً بأن لديه ابنتين ترسمان جيداً، وقد ترك لهما حرية الرسم دون تدخل، لأنه يفضل تأمين الأدوات لمن يملكون الموهبة وتركهم يبدعون.

 

تويتر