«معك» عن رحلة عمر بين فرنسا ومصر

طه وسوزان.. ودرس في الحب والتسامح

صورة

في 28 أكتوبر؛ قبل 43 عاماً، أصبحت يدها خاوية من يده، صمت الصوت الذي كان يقول لها: أنت ضيائي، لم يعد مطلوباً من عينها أن تبصر لاثنين: طه وسوزان، بعد رحلة عمر بدأت في سنة 1915 بفرنسا، واختتمت في «رامتان» على ضفاف النيل بمصر في مثل هذه الأيام عام 1973.

28 أكتوبر 1973، اختتمت مسيرة طه وسوزان، بعد نحو 58 عاماً من اللقاء الأول في مونبلييه بفرنسا.

تورد سوزان في «معك» الذي ترجمه من الفرنسية بدر الدين عرودكي، لقاءها الأول مع أسرة طه، والنفوس الطيبة التي احتفت بها، وكأن البيئة كانت خالية تماماً من فيروس التعصب، وكراهية الآخر.

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/10/554848.jpg

حكاية طه حسين وزوجته سوزان، لم تنل ما تستحقه من كتاب المحبة وقصص العشاق، إذ انصرف كثيرون إلى فصول حياة الفتى الضرير الذي قلب الموازين، والمتمرد المتشكك الذي أثار الجدل مبكراً، ولم يكتفِ بدكتوراه الجامعة المصرية، فذهب إلى عاصمة النور والسوربون العريقة، ليعود مكللاً بلقب جديد، ليدخل في معارك فكرية وسياسية، مطالباً بأن يكون التعليم متاحاً للجميع، كما الماء والهواء، وكذلك ترسيخ قيم الحرية والتفكير والتنوير.

يأتي كتاب «معك» لسوزان طه حسين، ليتدارك ما نسيه كثيرون في حياة مبدع «الأيام»، وكأن حياته كانت مقتصرة على المعارك الفكرية، برفقة القلم الذي خط «على هامش السيرة»، و«دعاء الكروان»، و«مستقبل الثقافة» وعشرات العناوين التي تملأ رفوفاً في المكتبة العربية.

تبدأ الحكاية بعدما ابتعث طه حسين لفرنسا لنيل شهادة الدكتوراه في ظروف عالمية عصيبة، والشرارة الأولى كانت مع القراءة، والشابة التي ستساعد من لا يبصر، والذي تعلق بها وتجاسر على نطق «أحبك» بعد فترة، وحينما فاتحت الفتاة أسرتها في الأمر، وصفها البعض بالجنون، فالشاب أعمى، وقبل ذلك مسلم، لكن تم الزواج في التاسع من أغسطس 1917، ليلتحم الكائنان، ويصيران واحداً، تصاحب سوزان طه في كل خطواته، دوماً على يساره تمسك بذراعه، وترافقه وتهون عليه، لاسيما بعد العودة إلى مصر، وخوض معارك بلا حصر.

وتورد سوزان في كتابها «معك» الذي ترجمه من الفرنسية بدر الدين عرودكي، لقاءها الأول مع أسرة طه، والنفوس الطيبة السمحة التي احتفت بها، وكأن البيئة كانت خالية تماماً من فيروس التعصب، وكراهية الآخر، إذ تحكي الزوجة الزيارة الأولى لها لأهل طه، والحرارة التي استقبلت بها من أولئك القابعين في مكان قصيّ بصعيد مصر، وتحكي الشابة الفرنسية: «بعد تبادل التحيات التقليدية مع الزائرين والمجاملين والفضوليين، قال عمي لابنه: سأخرج مع زوجتك؛ فلا تنشغل بنا، تناول ذراعي، وقمنا معاً بجولة في البلدة. لن يبدو مألوفاً لشباب اليوم أن يتنزه شيخ وقور معمم مع امرأة شابة سافرة، أجنبية ومسيحية، تعتمر القبعة! لكنه كان كذلك في تلك الحقبة. ولم أنسَ هذه اللفتة على الإطلاق عندما يتحدثون عن التعصب الإسلامي.. أما حماتي فقد انصرفت بكليتها لتأمين راحتي وراحة طفلتي الصغيرة». ولن يقف الأمر عند ذلك الحد، بل سيفاجأ قارئ الكتاب بتفاصيل أخرى في الكتاب عن ودّ تلك الأم المسلمة المتدينة ورحابة صدرها، وكذلك الأسرة التي عاملت تلك الزوجة «الغريبة» وكأنها من بنات البلد، فالهدية التي نالتها سوزان من أهل طه كانت «آلة خياطة سنجر؛ وكان ذلك في الريف البعيد أجمل هدية يمكن أن تقدم للعروس.. كما تلقيت أيضاً سجادتين عجميتين، أخذتا ولا شك من بين سجاد البيت».

تحكي سوزان عن الفراق الأول وبعدها عن طه رغماً عنها لثلاثة أشهر بعد إنجاب الطفل الثاني (مؤنس طه حسين، أما الأول فأمينة)، «كنا خلال هذه الأشهر الثلاثة نتبادل الرسائل كل يوم. كانت رسائله تحكي لوعة الغياب، وتنطق بشجاعته وحبه وهيامه ببلده، وتصور مشاريعه وأحلامه والأحداث التي كان يقص علي تفاصيلها مع شيء من السخرية أو المرح». ويأخذ طه حسين إجازة من العمل ويذهب إلى الإسكندرية خلال تلك الفترة، فيقول البعض إنه «جاء يتنفس مباشرة الهواء القادم من فرنسا». بعد الرحيل وسوزان قد تخطت الـ80 من العمر، تعود إلى تلك الرسائل القديمة: «أمن الممكن يا طه أنني كنت محبوبة على هذا النحو وأنني كنت المقصودة بهذا السيل من الحنان والعاطفة؟ لست في المعادي على الإطلاق وليس عمري ثمانين عاماً. وعندما أغلق لفة الرسائل التي ربما تناولتها غداً من جديد أشعر أنني نشوى، خارج الزمن الحاضر، وخارج العالم».

 

للإطلاع على الموضوع كاملاً، يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر