باتت مهددة بالاختفاء

«الخراريف».. تراث صنعه حنان الجدَّات

صورة

«أقرأ عن وطني»

مساحة من المعرفة تخصصها «الإمارات اليوم» لتعريف القرّاء من مختلف الأعمار بدولة الإمارات، من خلال طرح موضوعات ترتبط بالهوية الوطنية، وتاريخ الدولة وثقافتها، وتراثها ولهجتها وإنجازاتها، وكل ما يرتبط بهوية ومكونات الدولة، والشخصية الإماراتية، وهو ما يصبّ في تحقيق أهداف نشر المعرفة والثقافة التي يستند إليها «عام القراءة».
 



بشوق ولهفة كان الأطفال قديماً ينتظرون حلول المساء ليندفعوا إلى أحضان الجدات، بعد أن قضوا النهار في اللهو واللعب، مطالبين بنصيبهم اليومي من «الخراريف» التي كانت تتفنن الجدات في روايتها وإضفاء عناصر التشويق عليها. وما أن تبدأ الجدة الحديث بعبارتها الشهيرة «كان يا مكان في قديم الزمان» حتى ينصت الجميع وقد علت وجوههم علامات الفضول واللهفة.

خراريف وخرافات

الخراريف مفردها خروفة، وأصلها خرافة، وجاء في معجم «لسان العرب»: «خرافة أو حديثة خرافة، وخرافة رجل من بني عذرة أو من جهينة، وقد اختطفه الجن ثم رجع إلى قومه وأخذ يحدثهم بأحاديث يعجب منها الناس، فكذبوه، فجرى على ألسن الناس حديث خرافة».

والخراريف ومفردها «خروفة» وأصلها في اللغة كلمة خرافة، أو الحكايات الشعبية، هي قصص خيالية، كانت الجدات يروينها في الماضي للأطفال. وكانت غالباً ما تدور عن شخصيات أسطورية وفي عوالم يمتزج فيها الواقع مع الخيال.

ولم يقتصر دور «الخراريف» قديماً على تسلية الأطفال أو حثهم على النوم المبكر فقط، ولكنها كانت وسيلة للتعليم والتثقيف في زمن لم تكن فيه مدارس أو وسائل حديثة للترفيه وكسب المعرفة مثل الراديو والتلفزيون، فكثيراً ما كانت الحكايات الشعبية تدور حول بطل يتسم بالشجاعة والنخوة والكرم ويسعى بكل جهده لإغاثة الملهوف ونصرة القبيلة ورفع الظلم عن المظلوم، وهي كلها قيم وصفات مهمة في الشخصية العربية كان الآباء يتوارثونها عن الأجداد ويحرصون على نقلها إلى الأبناء. كما كانت تقدم للأطفال معلومات عن العالم والناس والعادات والتقاليد التي تختلف من منطقة لأخرى، والتعرف إلى السلوك الإنساني في المواقف المختلفة، وكيف يمكن ان يكون الإنسان واسع الحيلة ويتصف بالحكمة والشجاعة في الوقت نفسه. وكثيراً ما كانت الراوية، وتتمثل في الجدة في أغلب الأحوال، تتوقف فجأة في وسط الحكاية لتسأل الأطفال عن كيف يمكن يتصرف البطل في الموقف الذي يتعرض له، لتنمي لديهم القدرة على اتخاذ القرار وتتأكد من جدية متابعتهم لما ترويه، كذلك كانت تحرص على أن تتوقف عند نقطة معينة تتسم فيها الأحداث بالإثارة، لتخبرهم أن عليهم الانصراف للنوم على ان تكمل لهم الحكاية في اليوم التالي، وهو ما يدفع الأطفال إلى التفكير في كيفية سير الأحداث في الجزء المتبقي من الحكاية ووضع سيناريوهات لها.

وتعد «الخراريف» جزءاً مهماً من التراث المعنوي والثقافة الشعبية للشعوب، كما تمثل مصدر إلهام لكثير من الأعمال الأدبية والفنية في المجتمع الإماراتي حالياً، سواء في الأدب المكتوب أو الأعمال الفنية التشكيلية أو الدراما وحتى الأفلام السينمائية، بالإضافة إلى أنها موضوع مهم لكثير من الدراسات والبحوث التي تهتم بالتاريخ الشفاهي والأدب الشعبي. وفي مجتمعنا الإماراتي عدد من الروايات المشهورة التي تروى أحياناً بأشكال مختلفة، مثل حكاية بنت السماك وأبوزيد الهلالي، وعليا الهلالية، وحكايات سحرية، فقد كانت الخراريف تتناول موضوعات مختلفة تدور في عوالم الإنسان والطير والحيوان، ويكتسب فيها أبطال الحكاية صفات وقدرات تفوق صفاتهم وقدراتهم في الواقع. وهناك كثير من الخراريف التي تدور حول شخصيات أنثوية منها: أم الدويس، أم الصبيان، حمارة القايلة، أم الهيلان، أم كربة وليفة، النعاقة. أما الخراريف التي تدور حول شخصيات ذكورية منها: بابا درياه، روعان، فتوح عفريت القرم، بعير بلا رأس، بعير بو خريطة، جني الرقاص.

كذلك كان للبيئة الجغرافية تأثيرها في الحكايات الشعبية التي تروى فيها ومضمون هذه الحكايات، فاتسمت حكايات البدو من أهل الصحراء بارتباطها بالبيئة الصحراوية ومناخها وشكل الحياة فيها، وكانت تدور حول موضوعات مثل الكرم، والفروسية والغزو وغيرها. أما حكايات أهل القرى فكانت تتناول أحوال الناس البسطاء ومعاناتهم من اجل الحصول على قوتهم والتطلُّع إلى الغنى عن طريق «عفريت من الجن»، أو العثور على «كنز مرصود»، وقصص السحر والشعوذة، وكذلك الكرم والمروءة. بينما تدور حكايات أهل المدن حول التجّار ومغامراتهم ومغامرات أبنائهم، وقصص الجواري والخدم، وقصص الغرام التي تحدث بين أبناء الطبقات الغنية والفقيرة، وما يصاحب ذلك من مشكلات تفرضها الفروق الاجتماعية.

في الوقت الحالي؛ تعاني «الخراريف» خطر الاندثار في ظل سيطرة الأجهزة الحديثة على اهتمامات الأطفال والنشء، بما تقدمه لهم من مواد مغرية مثل الألعاب التفاعلية ومواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب الفضائيات وما تعرضه من المسلسلات والأغاني المصورة والمواد الكرتونية والأفلام، وغيرها من مواد تمتلك مقومات جذب تفوق ما تمتلكه الحكايات الشعبية. كما ان هناك أيضاً عوامل اجتماعية لها دورها في تراجع «الخراريف» أهمها التوسع في نمط «الأسرة النووية» التي تقتصر فقط على الأب والأم والأبناء، وتراجع نمط «الأسرة الممتدة»، حيث ينشأ الأطفال في منزل العائلة الكبير الذي يقيم فيه أيضاً الجد والجدة والأعمام وأبناء الأعمام، وهو ما أثر في الترابط الأسري والعلاقات الاجتماعية في محيط العائلة.

تويتر