أعماله تحتفي بجماليات الطبيعة في «إن فوغ» بدبي

حمد الحناوي.. ألم الوجوه الوحيدة

صورة

يختزل الفنان السوري حمد الحناوي، الطبيعة بألوانه الخاصة، فهي تارة حافلة بالألوان وتارة خالية من الزهو، وليس فيها إلا الأبيض والأسود. يقدم الفنان السوري في معرضه الأخير، الذي افتتح في غاليري «إن فوغ» بدبي، الطبيعة والبورتريه، ما يجعلنا نقف أمام أسلوبين مختلفين، فنجد أعماله التي يقدم فيها الطبيعة ملوّنة بالفرح والحياة، بينما يضعنا أمام مسافة من الحزن والأسى في اللوحات التي يقدم فيها الوجوه، حيث تسيطر المعاناة على الملامح البشرية.

تأثر بالأزمة

http://media.emaratalyoum.com/images/polopoly-inline-images/2016/07/516767.jpg

أشار الفنان السوري حمد الحناوي، إلى أن «تقديمه للبورتريه، الذي يزخر بالألم، يأتي من كونه بدأ يتبلور بهذا الشكل في الفترة من 2011 إلى 2013، إذ تأثر بالأحداث السورية، والكم الكبير من الألم والعنف ظهر في أعماله». ولفت إلى أننا «حين نلقي نظرة على أعماله الموجودة في المعرض، سنجد الأسلاك الشائكة وما يشبه الدماء، وهي تبرز الألم». وأكد أن «الفنان بعد فترة من الأم يحاول تجديد نفسه وترميم مشاعره، ولهذا أصبحت أعماله اليوم مختلفة قليلاً عن التي قدمت في أول الأزمة، وباتت تميل إلى الهدوء أكثر، وهذا يعني الابتعاد عن العنصر المباشر، وأن الزمن ترك أثره». وختم أنه «حين يخف وطأ الحدث، تبقى الرواسب وتتخمر الأفكار»، معتبراً أن «الفن من الضروري أن يتبنى وجهة نظر أخلاقية وإنسانية بالدرجة الأولى، وليست سياسية، فالسياسة كفيلة بتخريب الفن».

يقدم الفنان مجموعة من البورتريهات التي يطغى عليها الألم، فهنا المعاناة حاضرة، سواء بالألوان أو حتى الملامح، فلا يخيّم سوى الحزن والضياع والألم. الوجوه التي تبرز من خلف الأسلاك الحديدية، أو حتى التي تبدو في حالة انعزال ووحشة، كلها تبرز الألم، وحياة تشبه الموت البطيء، فالملامح يخيّم عليها التعب، وحتى إنها تتلاشى في بعض اللوحات، وتختفي. الألوان القاتمة تسيطر على الوجوه، ومنها الأسود أو حتى الأحمر الحزين، فيما تحضر بعض الألوان القوية لتبرز قوة المشاعر التي تفيض منها الوجوه ليس أكثر.

تزخر أعمال الحناوي بمشاهد كثيرة من الطبيعة، ولكنها الطبيعة التي يختزلها بأسلوب أقرب إلى التجريدي، حيث يقدم التفاصيل الصغيرة بألوانه الزاهية، ليجعلها محور اللوحة وأساس العمل. الصخور، والسماء، أو حتى الأشجار، كلها تفاصيل بسيطة لا تقدم ضمن العمل جزءاً، وإنما يتعمد الفنان التركيز عليها لإظهار جمالها، بحيث يتعامل معها بنوع من الحنين، فتبدو أنها مشاهد يستعيد من خلالها ذكرياته في بلده وبين أحضان الطبيعة. مشهد المغيب، أو حتى البساتين، أو الوديان، كلها تحضر في اللوحات، وإنما بأسلوب مختلف ومبتكر يقوم على جعل اللوحات زاخرة بألوان فيها كثير من الحياة، ليحيل بعد ذلك هذه الحياة إلى مكان ضبابي، حيث الطبيعة بلا ألوان، وإنما بالأبيض والأسود، فلا نعرف إن كان تصويرها يحاكي حالة ضبابية يعيشها الفنان في التعاطي مع الذاكرة، نظراً لما يلم ببلده، أم أنها مجرد نزعة لونية خالصة.

وقال حمد الحناوي، لـ«لإمارات اليوم»، إن «المعرض يدور حول الطبيعة بكل أشكالها، فالطبيعة تعني لي الكثير، ولا يمكنني التخلص منها، ونحن نتعلم كثيراً من الطبيعة، ففيها الصدق والتوازن والإبداع، ومجمل المتناقضات التي تعلمنا كيفية تقبل الآخر». ولفت إلى أنه «يسعى إلى إعادة صياغة الطبيعة بشكل مختلف، لذا يسعى إلى تقديمها بالأبيض والأسود، أو تقديم الصحراء بالألوان»، مشيراً إلى أنه «يحب التناقض والألوان، وأن الطبيعة قدمت منذ مئات السنين، ولكن الفنون تشعبت وتوسعت، وكل فنان هو مدرسة بحد ذاته، وهناك كثير من الأعمال التي تشبه بعضها بعضاً، ولكن الميزة الرئيسة في أعماله هي الحرية بالعمل، وهذا ما لم يكن متاحاً في الطبيعة التي قدمت بالشكل الكلاسيكي، فالحرية تجعل الفنان يخرج عن المألوف في جمع المتناقضات والألوان بين الحارة والباردة».

أما التفاصيل التي تعدّ أساسية في عمل الحناوي، فهي مهمة جداً بالنسبة إليه، فالحجر الصغير، قد يكون أساس لوحة، والتفصيل بتناوله بطريقة مختلفة وبمنحه الاهتمام يمكنه أن يكون محور اللوحة. وأشار الى أن «التحديات التي تواجهه في رسم الطبيعة، تكمن في كونه يعكس نفسيته»، منوّها بأنه من الصعب التخلي عن جماليات الطبيعة في التلوين، كما أنه لا يمكنه تجاوز سوريته، فهي تخرج بهذا الشكل. وشدد على أن تقديم الطبيعة بالأبيض والأسود، يتطلب وجود مهارة وتحايل على الطبيعة من قبل الفنان. وأشار إلى أنه «أخذ من بلده كثيراً من المشاهد التي تكتنزها الذاكرة، فشكل الطبيعة والشجرة والجبل والصخور والوادي، حتى البيوت البسيطة، فهي كلها مازالت تحضر في الذاكرة». وأضاف: «يقال إن كل ما نقوم به في حياتنا هو حصيلة السنوات الخمس الأولى في الطفولة، وعقل الطفل يتشكل بالسنوات الأولى، وأنا أؤمن بذلك، فالانطباعات والأحاسيس والأخلاقيات البسيطة المرتبطة بالصح والخطأ لا يمكن التخلص منها، فهي تطغى على كل شيء». وشدد على أنه كفنان مع اللوحة البسيطة، فهي المفتاح للتعرف إلى العمل الجيد، كما أنها مؤشر الصدق، منوّها بأنه على الفنان التحلي بالمسؤولية تجاه ما يقدمه للمتلقي، فهو مسؤول عن التثقيف، ويفترض أن يتمتع بحس المسؤولية نتيجة الثقافة الشخصية، كما يفترض أن يكون لديه حد أدنى من الثقافة.

تويتر