«لماذا نكتب؟» يلخص دروب حكايا المبدعين

سؤال فاتح للشهية.. و20 إجابة

صورة

من قبل مشهد «الخلاص»، والجلوس أمام شاشة الكمبيوتر، والنقر على لوحة المفاتيح بإصابع متحفّزة، تسعى لدفع نصّ ما - طال حمله - من العدم إلى الوجود، يروي 20 مبدعاً، في معرض الإجابة عن سؤال وجودي بالنسبة إليهم؛ حكايتهم مع مشوار الكتابة، رحلة المثابرة وعبور البدايات الحافلة بالعثرات وبؤس التجارب الأولى وهلعها، إلى قائمة «النيوزويك تايمز» للأكثر مبيعاً، والجوائز، وربما أكثر من ذلك.

«لماذا نكتب؟».. سؤال فاتح لشهية الأقلام، يذكّر بأول الحلم، لذا تكون الإجابة بوحاً صادقاً، وشهادة غير مفتعلة من القلب، كما هي حال الـ20 كاتباً الذين سعوا لتلخيص مسيرتهم، منطلقين من ذلك السؤال المركّب من كلمتين فحسب.


في مقدمة الطبعة العربية من «لماذا نكتب؟»، توضح الروائية الكويتية بثينة العيسى أن وضع تجارب ثرية عن العملية الإبداعية أمام الكاتب العربي، كان الحادي الأول لترجمة ذلك الإصدار، بأمل المساعدة على «الارتحال داخل غابة الكتابة ببهجة أكثر، وألمٍ أقل، لأننا نؤمن بأن النزعة التعبيرية الخلاقة، متمثلة في الكتابة الإبداعية خصوصاً، وأشكال الفن الأخرى عموماً، هي أحد أكثر وجوهنا الإنسانية جمالاً وجدارة بالاحتفاء».

البداية مع صاحبة «بيت الأرواح» إليزابيل الليندي، التي تعترف بأنها حينما تدنو من لحظة الإبداع، لا تعلم إلى أين تقودها: «أنا فقط أعرف بأنني أريد ــ بشكل رقيق وخفي ــ أن أوقع تأثيراً على قلب القارئ وعقله». إيزابيل كذلك انتقائية في ما يخص الكلمات التي تخلق الشعور أو تصف الحالة، لذا كانت نماذجها الإنسانية: «في كل كتبي هناك نساء قويات يتغلبن على عوائق عظيمة لكي يكتبن أقدارهن».

السابع من يناير، يوم خاص لدى إيزابيل؛ «جحيم» كما تصفه؛ فهو يوم ما قبل المخاض، إذ تبدأ الكتابة في الثامن من يناير، وترتحل إلى عالم آخر، إثارة ووسوسة وتوتر، وعمل يومي لنحو 14 ساعة، بحثاً عن سحر خاص. أتعس اللحظات في حياة إيزابيل، وكذلك أسعدها، حاضرة في الإجابة عن: «لماذا نكتب»، فالأسوأ كان تاريخ وفاة ابنتها باولا في السادس من ديسمبر عام 1992، وفي السابع من يناير قالت لها أمها: «غداً هو الثامن من يناير، إذا لم تكتبي ستموتين»، بالفعل بدأت إيزابيل، وخطت صفحات «باولا»: «الكتابة دائماً ما تعطي شكلاً من النظام لفوضى الحياة. إنها تنظّم الحياة والذاكرة. وحتى يومي هذا، فإن ردود القراء تساعدني كي أحس بابنتي حية».

في المقابل؛ تشير مبدعة «ابنة الحظ» إلى أن أفضل اللحظات بالنسبة إليها، لم تكن التي تلقت فيها الهدايا أو الجوائز، أو حملها لعلم بلادها في أولمبيات الشتاء في إيطاليا، ولا حتى في لحطة جمعتها بصوفيا لورين وسوزان ساراندون: «أفضل وقت بالنسبة لي كان في 1981 عندما كنت أكتب روايتي الأولى، لقد كان ذلك وقتاً رائعاً. عدم الاكتراث بأي شيء بخلاف القصة، أن أحمل نسختي الوحيدة من الكتاب إلى كل مكان، ضاغطة إياها على صدري، مثل طفل حديث الولادة». وتختتم إيزابيل كلمتها بنصائح: «الأمر جدير بأن تعمل كي تجد الكلمة الدقيقة التي ستخلق شعوراً أو تصف حالة، عندما تشعر بأن القصة قد بدأت بالتقاط إيقاع، الشخوص تتشكل، ويمكنك أن تراهم، عندها تعرف أن الكتاب موجود في مكان ما، وكل ما عليك فعله هو أن تجده، وأن تحضره ــ كلمة بعد كلمة ــ إلى هذا العالم.. عندما تروي قصة في المطبخ لصديق، فهي مليئة بالأخطاء والتكرار، من الجيد أن تتجنب هذا في الأدب».

عطب بطيء

الكاتبة الأميركية جينيفر إيغان، التي فازت بجائزة البولتيزر تجيب عن: «لماذا نكتب؟» ببوح: «حين لا أكتب يجتاحني شعور بفقد شيء ما. إذا طالت بي الحال تزداد الأمور سوءاً، وأصاب باكتئاب.. عطب بطيء يشرع في التكوّن». وتحكي عن تجربتها الأولى؛ وكيف كانت مريعة، وركيكة جداً: «بمجرد قراءتي للمسودة أصبت بالخبل، كنت أدور مصابة بأسوأ نوبة هلع عرفتها». لكن إيغان سيطرت على نفسها، وحوّلت الركاكة إلى أكثر من عمل حصد تقديراً مستحقاً، بينها جائزة البولتيزر. ومن نصائحها: «اقرأ كتباً من المستوى الذي ترغب في كتابته. القراءة هي قوت الكتابة.. التدريب مقاربة جيدة للكتابة».

أما الكندية - الأميركية سارا غروين، فتذكر أن حلم الكتابة بدأ مبكراً معها، بمجرد أن تعلّمت القراءة، وفي السابعة من عمرها صنعت كتباً مصورة صغيرة، وأرسلتها إلى ناشر، وجاءها الرد «بالرفض طبعاً». وتؤكد: «أؤمن بشدة بأنك إذا أردت أن تكتب فعليك أن تقرأ. كانت لوالدي مكتبة هائلة، وقد قمت وأنا طفلة بشق طريقي من خلالها، ألتقط كتاباً بمجرد إنهاء كتاب. قرأت كل شيء». التجربة الأولى بعد النضج لم تصادف نجاحاً، إذ لم يحقق كتاب سارا الأول مبيعات، ولكن التالي لقي بعض النجاح، وبعدها وصل «دروس ركوب الخيل» إلى قائمة «النيويورك تايمز» لأفضل الكتب مبيعاً. تفيض سارا في طقوسها الكتابية، والانعزال والبعد عن كل ما يشغلها حتى «لا تنكسر التعويذة السحرية». أما نصيحتها للكتّاب فهي: «التخطيط والحبك والبحث أشياء لا بأس بها، لكن لا تفكر في الكتابة فحسب بل اكتب، من الممكن أن تكون أصعب فقرة في يوم الكاتب هي فتح ملف الأمس، لكن هذه هي الكتابة: بناء كتاب اليوم أو الغد من خربشات الأمس، من الصعب الحصول على وقت للكتابة، خاصة عندما يكون لديك عمل أو أطفال أو كلاهما. قل للأشخاص الذين يحبونك إن وقت كتابتك مقدس، حتى لو كان ساعتين فقط، يوم السبت استخدم ذلك الوقت».

بحثاً عن الرضا

«الكتابة هي جزء جوهري من وجودي في هذا العالم، فالأكل والنوم والكتابة أمور تسير جنباً إلى جنب. إنني لا أفكر لماذا أكتب أكثر مما أفكر لماذا أتنفس. غياب الكتابة أمر سيئ، تماماً كما هو عدم التنفس». بهذه الكلمات تبدأ غيش جين (أميركية من أصول صينية) محاولتها للإجابة عن: «لماذا نكتب؟»، وتنصح غيش بعد سرد حكايتها بألا تكون الكتابة بحثاً عن الرضا الداخلي: «تعتبر الكتابة شيئاً سخيفاً حين تفعلها لكسب المال. إذا كتبت فاكتب للسبب الذي لطالما كتب الكتاب لأجله، ليس المال، بل للحصول على الرضا الآخر، الأعمق.. يهتم القراء بما يجري في أنحاء العالم، لأنه ذو صلة شديدة بما يحدث هنا، لذلك أصبح مهماً أن تكتب بنظرة عالمية». وتبدأ الأميركية ماري كار التي دخل كتابها «نادي الكذبة» قائمة «النيويورك تايمز»، وظل فيها عاماً كاملاً، شهادتها قائلة: «أكتب لأحلم، لأتصل بالآخرين، لأوثق، لأوضح، لأزور الميت. لدي نوع من الحاجة الفطرية لترك بصمة في العالم، إضافة إلى أنني أحتاج النقود».

فيما تعلن المبدعة الأميركية تيري ماكميلان أنها لم تختر الكتابة، بل كانت قدراً، مضيفة: «أكتب لأتخلص من جلدي الميت.. الكتابة تشعرني كما لو كنت في حالة حب، أستغرق تماماً في شخوصي التي أكتب عنها حتى أصبحهم». وتروي المسيرة منذ كتابها الأول، وصولاً إلى الشهرة وطلب المذيعة الشهيرة أوبرا لقاءها، بعد أن وصلت كتبها إلى قائمة الأكثر مبيعاً.

أسماء

يضم الكتاب 20 إجابة من 20 مبدعاً، هم بالترتيب: إيزابيل الليندي، ديفيد بالداتشي، جينيفر إيغان، جيمس فري، سو غرافتون، سارا غروين، كاثرين هاريسون، غيش جين، سباستيان جنغر، ماري كار، مايكل لويس، آرمستيد موبين، تيري ماكميلان، ريك مودي، والتر موزلي، سوزان أورلين، آن باتشيت، جودي بيكولت، جين سمايلي، وميغ واليتزر.
 

تويتر