الأديب الإماراتي أكد أن الكتاب بوابته لعشق الكلمة والفنون

محمد المر: القراءة نافذة النفس إلى العالم والآخرين

صورة

صاحب رواية عشق طويلة مع الكتاب، تستهل مشهدها الأول بفتى دون العاشرة (يسمى محمد المر)، يصطحبه والده ويتركه في المكتبة الأهلية (لصاحبيها عبدالواحد وعبدالله الرستماني) في دبي، ليتعرّف الابن إلى السير الشعبية وبطولات عنترة وقصص ألف ليلة وليلة، ويتعلّق بالحرف والورق والحكاية، وتتكوّم لديه إصدارات وسلاسل وملخصات أدب عالمي، ما يدفع الأب إلى استدعاء نجّار ليصمم مكتبة تكلفت - حينها - 50 درهماً، تستوعب ما اقتناه الابن.

وتتوالى فصول العشق المبكر للكتب، ففي المرحلة الثانوية، كان «الصبي» يعمل في العطلة الصيفية، وينفق راتبه الهزيل - كما وصفه - في شراء الكتب، ما أثار دهشة رفاقه؛ وتستمر المسيرة بعد سفر «الشاب» للدراسة في أميركا، إذ كان الكتاب رفيق الغربة، خصوصاً بعدما اتسعت العوالم، وحينما طاف «حول العالم في 22 يوماً» كانت أبرز المحطات هي المكتبات والمتاحف ودور الأوبرا، وربما لم يمر يوم من تلك اليوميات دون زيارة مكتبة، ومطالعة إصدار لم تخلُ منه حقيبة ذلك «السندباد الثقافي».. مبدع «قرة العين»، و«الفرصة الأخيرة»، وغيرهما من المجموعات القصصية.


بدايات الشغف بالكتاب، كما يرويها الأديب محمد المر، لـ«الإمارات اليوم»، كانت كلمة السر فيها الأب الحريص على توجيه ابنه نحو عوالم المعرفة والثقافة، ولا تغيب ملامح زياراته إلى المكتبة الأهلية التي أسسها كل من عبدالواحد وعبدالله الرستماني اللذين صارا رجلي أعمال شهيرين. ويتذكر القاصّ الإماراتي المشاهد الأولى بكل تفاصيلها، وهو ما بين الثامنة والتاسعة من العمر: الزمان والمكان، ومرافقة الوالد، واسم الموظف المسؤول عن تلك المكتبة، وجلسته أمامها: «كان والدي - رحمة الله عليه ـ يعرف موظف المكتبة الأهلية، كان عراقياً يسمى حسن، وغالباً ما يضع كرسيين أمام المكتبة، ويأتي والدي ليجلس بجواره، ويتركني في داخل المكتبة التي كانت رغم صغرها مزدحمة بالمؤلفات والكتب والمجلات، وأظل أقرأ حتى المغرب، بعدها يصطحبني الوالد للصلاة في مسجد (بن حارب) القريب من المكتبة، والعودة بعد ذلك إلى البيت». ذلك المشهد كان شبه يومي؛ كما يؤكد محمد المر، مشيراً إلى أنه طالع خلال تلك المرحلة المبكرة مجلات شهيرة، من بينها «السندباد»، بالإضافة إلى «المصور»، و«آخر ساعة»، وغيرها من المجلات التي حرص «القارئ الناشئ» على تصفحها.

الأسرة والمدرسة والإعلام

حول مبادرة «عام 2016.. عام القراءة»، قال المبدع محمد المر، إنه طرح في خلوة المائة التي عقدت أخيراً في دبي، ضرورة التركير على الأسرة، والمكتبة المدرسية، وكذلك الإعلام، والبنية التحتية التي تشمل المكتبات العامة والجامعية، وكذلك الطبع والنشر، معتبراً أن كل فئة من هذه الفئات إذا وضعت لها الخطط والميزانيات المناسبة، فستحقق نتائجها على المدى البعيد، «لا أقول ننتظر نتائج السنة المقبلة، فالجهات المختصة إذا اهتمت بهذه النواحي ووضعت استراتيجيات لدعمها؛ فالنتائج ستكون مضمونة».


إعارة.. لا تسترد

خالف الكاتب محمد المر، نصائح المجربين، في إعارة الكتب إلى الأصدقاء، ورغم أن الأمر كلّفه الكثير من المؤلفات إلا أنه يرى أنه «بإمكانك أن تشتري كتاباً.. ولكن ليس بإمكانك أن تشتري صديقاً». يشار إلى أن من إبداعات محمد المر القصصية مجموعات: «حب من نوع آخر»، «الفرصة الأخيرة»، «صداقة»، «شيء من الحنان»، «المفاجأة»، «ياسمين»، «نصيب»، «حبوبة»، «مكان في القلب».


عِشرة عمر

رفقة حقيقية، وعشرة عمر، ومسيرة طويلة.. تبدو حكاية الأديب محمد المر مع القراءة، إذ يجد متصفح مقالاته والعديد من مؤلفاته، حضور الكتاب الطاغي، فهو رفيق إقامة وسفر، موجود دائماً في حل المبدع وترحاله.

وخلال تصفح كاتب هذه السطور لـ«حول العالم في 22 يوماً»، كانت اليد - كعادة سيئة - تعتزم طي بعض الصفحات في القراءة الأولى، لاسيما ما يشير منها إلى الكتب التي صاحبت محمد المر في سفراته حول العالم، لكن بدا الأمر محاولة صعبة، إذ كان يتطلب ذلك طي صفحات الكتاب جميعها، إذ لا توجد صفحة واحدة تخلو من ذلك الحضور البهي للكتب: في حقيبة السفر، وعلى مقاعد الطائرة، وأسرّة الفنادق، وفي زيارات المكتبات والمتاحف والمؤتمرات الأدبية، وفي جيب السترة؛ في لحظة تأزم فيها حلم عبور بحر المانش، والتفاصيل الشائقة يمكن الرجوع إليها في الكتاب الذي يبوح فيه المر بجانب كبير من شخصية الإنسان قبل المثقف.

روائع

ومن جديد؛ يستعيد المر «كلمة السر»، الأب الذي اشترى الكثير من الكتب لابنه: «كان والدي يحب شراء ما ينفعنا، واخترت بعض الكتب التي تصدرها دار المعارف في ذلك الوقت، وكانت المكتبة الأهلية في دبي وكيلاً لها». اقتنى حينها كتباً من سلسلة «المكتبة الخضراء»، وإصدارات تناسب الناشئة، من بينها قصص عالمية مبسطة، وكلاسيكيات من الشرق والغرب بأسلوب ميسر، بالإضافة إلى مؤلفات كامل كيلاني، وإصدارات من سلسلة «شبابنا».

فتحت تلك الكتب عين محمد المر على عوالم سحرية وأسماء مؤلفات عالمية شهيرة: «الإلياذة» و«الأوديسا» و«ربنسون كروزو»، وقصص هانز أندرسون والأخوان غريم ولويس كارول، وغيرهم.

بعد ذلك أتت مرحلة الروايات البوليسية وأعمال أجاتا كريستي، وشرلوك هولمز، وأرسين لوبين، ثم مرحلة الروايات التاريخية، ونتاج ألكسندر دوما الأب والابن. ويوضح: «قرأت تقريباً كل نتاج دار الروائع اللبنانية، من بينها سلسلة (الطغاة في التاريخ) و(الجميلات في التاريخ)، والكثير من أدب الفروسية الفرنسي بشكل خاص، وكذلك روايات تاريخية.. وللأسف انتهى دور تلك الدار وأغلقت».

وعن مكتبته الخاصة الأولى يقول محمد المر: «حينما رأى الوالد ـ رحمة الله عليه - الكتب الكثيرة التي صارت لدي، أتى بنجار هندي، ليصمم في حجرتي مكتبة متواضعة، تكلفت حينها نحو 50 درهماً.. بعد ذلك قرأت في الأدب العربي والمترجم، طالعت أعمال يوسف السباعي ويوسف إدريس وإحسان عبدالقدوس وتشيكوف وتولستوي، وأعمالاً مترجمة من الأدب الفرنسي لزولا وفيكتور هوغو وسواهما، وترجمات كثيرة كان بعضها جيداً وبعضها متواضعاً في سلسلة (روايات الهلال)، وحينما سافرت إلى الولايات المتحدة لأكمل تعليمي الجامعي وتمكّنت من اللغة الإنجليزية، قرأت في كل المجالات، وانفتحت لي عوالم رحبة.. فتلك كانت البدايات».

بوابة سحرية

يعترف الأديب الإماراتي بأن القراءة كانت البوابة السحرية لعشق الفنون، موضحاً: «أول لوحة تشكيلية رأيتها كانت في مجلة الهلال، لفنان هولندي من القرن السابع عشر اسمه (هوبيما)، اللوحة بقيت في ذهني حتى طالعت النسخة الأصلية منها في متحف (ناشيونال غاليري) في لندن، حيث كانت مجلة الهلال تحرص في كل عدد على تعريف قرائها بلوحة من الفن العالمي، فمحبة الفن جاءت من القراءة ومطالعة الكتاب، وأول مرة رأيت فيها لوحات فان جوخ وجوجان وفناني الانطباعية والسريالية، كانت في كتاب مترجم أصدرته دار المعارف، وكذلك الحال مع باخ وموزارت وغيرهما من الموسيقيين، إذ عرفتني على هؤلاء الكتب والمجلات الأدبية المصرية التي فتحت لنا الآفاق».

للمبدع الإماراتي رأي خاص في سمات المكتبة المتميزة، من بينها احتواؤها على إصدارات نوعية، وكذلك نوادر ونفائس ونسخ محدودة، وليس ازدحامها بمؤلفات متاحة للجميع، لذا يصرّح: «في هذا الوقت لا أشتري كتباً كثيرة، إذ أسعى إلى تخصيص أقسام لاهتمامات معينة؛ فهنالك قسم لكتب عن أبي الطيب المتنبي، ومعظم ما خطّ عنه، وكذلك ركن للأمثال الكلاسيكية والشعبية العربية، كما أركّز حالياً على أوائل المطبوعات، لأنها مهمة جداً، وكذلك النوادر؛ وفي معرض الشارقة الأخير اقتنيت مجموعة من أقدم الكتب المترجمة في اللغات اللاتينية والإنجليزية والفرنسية للأمثال العربية، وأيضاً حصّلت أول طبعة لكليلة ودمنة، صادرة عن مطبعة بولاق التي أنشاها محمد علي، فهذا كتاب نادر».

ويتابع: «أجمع الكتب التي عليها تواقيع المؤلفين، فلدي كتب بتوقيع عميد الأدب العربي طه حسين الذي كان كفيفاً، وكان يملي على غيره، ويوقّع إهداءات كتبه بختم خاص، ولدي أيضاً إهداءات للعقاد، وديوان شعر لصالح جودت كان مهدى إلى (موسيقار الأجيال) محمد عبدالوهاب وزوجته نهلة القدسي، وكتب الشاعر في الإهداء: (إلى محمد ونهلة.. قبلة على اليد وقبلة على الخد)، وهذا إهداء ظريف وأنيق، بالإضافة إلى إهداءات كثيرين من الأدباء المصريين».

تويتر