معرض الكتاب الأشهر في العالم.. ينطلق اليوم

«فرانكفورت 67».. تناقضات الثقافة تحت سقف الكتاب

صورة

في المدينة الشغوفة بالكتب والحياة والمعارض، تنطلق اليوم فعاليات الدورة الـ67 من معرض فرانكفورت الدولي للكتاب، الحدث الأبرز عالمياً لدى المهمومين بصناعة النشر وحوافظ المعرفة وثمار المطابع في جهات العالم المختلفة.

الشارقة.. حضور نوعي
تشارك هيئة الشارقة للكتاب، كما أعلنت في بيان سابق، في معرض فرانكفورت للكتاب، وتنظم خلاله برنامجاً حافلاً بالاجتماعات واللقاءات مع عدد من كبار الناشرين من مختلف دول العالم، إضافة إلى جلسات تعارف مصغرة لناشرين من الشارقة ودولة الإمارات، ونظرائهم من البلدان الأخرى المشاركين في المعرض، إلى جانب توزيع استمارات التقدم لمنحة الترجمة، واستقطاب ناشرين جدد من لغات مختلفة، لأن يكونوا جزءاً من هذا المشروع الهادف إلى تعزيز الحوار بين الثقافات، وتعريف الشعوب بإبداعات بعضها بعضاً، بما يرسي الاستقرار والسلام.

فرانكفورت، التي احتضنت منذ قرون عقلاً عظيماً اهتدى إلى نور أحرف الطباعة السحرية، الألماني غوتنبرغ الذي غيّر وجه البشرية، ورغم أنه ابن مدينة أخرى (ماينز)، إلا أنه لم يجد أفضل من فرانكفورت المهمومة بالكتاب والمزدهرة بأسواق العلم منذ زمن، كيما يطلق فيها ابتكاره، لذا اعتبرته المدينة أحد أبنائها، ونصبت له تمثالاً في أبرز ساحاتها (غوته)، حسب ما يروي بيتر وايد هاوس، صاحب كتاب تاريخ معرض فرانكفورت للكتاب.

ينطلق معرض فرانكفورت 2015 في أجواء قريبة من موسم 1989، وقواسم مشتركة: دعوة المعرض للروائي سلمان رشدي، واعتراض إيران وانسحابها ومطالبتها الآخرين بمقاطعة سوق الكتاب الأبرز عالمياً، إذ مازالت الفتوى الخمينية بإهدار دم كاتب «أطفال منتصف الليل» قائمة، رغم اعتذار الكاتب الذي يعيش متوارياً منذ صدور الفتوى التي أسهمت في رواج كتبه، وبيعت منها ملايين النسخ، وترجمت إلى لغات كثيرة، بل وأهدت سلمان رشدي العديد من الجوائز العالمية، إلا أن إيران توقفت عند محطة «آيات شيطانية»، ورفعت «مكافأة» من يقصف قلم سلمان رشدي ورأسه، رغم أن الرئيس السابق محمد خاتمي أعلن أنه ضد تلك الفتوى التي تعود إلى الواجهة مجدداً في معرض فرانكفورت 2015، الذي أعلن عن تمسكه بحرية التعبير، ومعارضته للرقابة بكل صورها.
في المقابل، وبعيداً عن أحاديث المؤامرة والاستهداف، يستضيف معرض فرانكفورت في دورة هذا العام التي تستمر فعالياتها حتى 18 الجاري دولة إندونيسيا (أكبر دولة إسلامية) ضيف شرف، لعلها «تصلح ما أفسدته الفتاوى والمزايدون ومهدرو الدماء»، وتبرز وجه الإسلام السمح، وكذلك آدابها وثقافتها المنوعة وتراثها، والتي ستكون محط أنظار رواد المعرض من دول العالم المختلفة، إذ يشارك فيه هذا العام أكثر من 7500 عارض، إضافة إلى مثقفين ومشاهير ومهتمين بصناعة النشر والكتاب.

يعد معرض فرانكفورت للكتاب الوجهة الأولى والأهم عالمياً، تحديداً للمختصين والخبراء وكثيرين من المثقفين، إذ يحمل المعرض تاريخاً طويلاً، يعود به بعض الباحثين إلى العصور الوسطى، من قبل غوتنبرغ، مخترع الطباعة، حسب صاحب كتاب «تاريخ معرض فرانكفورت للكتاب»، إذ يشير إلى أن غوتنبرغ نفسه ربما حضر سوق الكتاب في المدينة الشهيرة، والذي كان يقام على ضفة نهر الماين، ويقصده البعض لشراء الكتب، واقتناء نسخ ومخطوطات كانت حاضرة بين يدي الباعة في تلك الفترات الموغلة في القدم «وأول سجل مكتوب مدون يؤكد وجود سوق كبيرة نسبياً في فرانكفورت تعود إلى عام 1074، عندما ذكرت المدينة على وجه الخصوص في وثيقة أعفى فيها الإمبراطور هنري الرابع رجال الأعمال من دفع الضرائب في مراكز الجمارك الإمبراطورية». وكذلك كان لزوار المعرض من خارج المدينة «حماية ملكية»، كما أعلن الإمبراطور فريدريك الثاني: «نقدم لكل شخص يسافر لحضور المعرض في فرانكفورت حمايتنا الشخصية وحماية إمبراطوريتنا، ونأمر بألا يعترض سبيل المسافر أو يعوق سبيله بأي طريقة كانت من المعرض في فرانكفورت وإليه، ومن يتجرأ على فعل ذلك سيحل عليه غضب جلالتنا. لقد أعلنا هذا المرسوم لكي نؤكد هذا الأمر وصادقنا عليه بختمنا الإمبراطوري».

لا يوجد تاريخ قاطع، أو تحديد مؤكد لليوم الذي انطلقت فيه الشرارة الأولى لسوق الكتاب الأقدم في العالم، ومعظمها أحاديث تقريبية وتصورات مستندة إلى روايات، لكن تاريخه المعاصر يبدأ بشكل يقيني من عام 1949، بعد خروج ألمانيا منكسرة من الحرب العالمية الثانية، يسيطر الحلفاء على أجزاء منها، ويملون عليها شروط المنتصر، لكن «انبعثت روح جديدة من الحطام كطائر الفينيق، على الرغم من أن الزمن لم يكن مواتياً أيضاً، فقد كان اقتصاد ألمانيا منهاراً، وبدت التجارة العالمية حلماً بعيد المنال، أما الناحية الثقافية والحالة المعنوية للأمة كلها فكانت مرهونة بما يستجد في قابل الأيام»، كما روى بيتر وايد هاوس في كتابه الذي صدرت ترجمته العربية عن مشروع كلمة للترجمة في عام 2011.
وسط المدينة المهدمة المحتل جانب منها، ودعت فرانكفورت ذكريات الحقبة النازية، لتستعيد سوق كتابها المزدهر، وتطلق معرضها الأول في يوم السبت 17 سبتمبر عام 1949 في كنيسة القديس بول، بمشاركة 200 عارض ألماني قدموا نحو 8400 عنوان لما يقارب 14 ألف زائر، بمشاركة خجولة لكل من فرنسا وسويسرا، لكن الدورة الثانية اجتذبت 100 عارض أجنبي، إضافة إلى 360 تاجراً وناشراً ألمانياً «وكانت الإشارات الأولى تبشر بأن معرض فرانكفورت للكتاب سيقدر له مستقبل دولي». وبالفعل نما المعرض، وصار المقصد الأول لصناع الكتاب، والمهتمين من جميع أنحاء العالم.

تويتر