عبدالتواب يوسف سدّ فراغاً في المكتبة.. ومضى

6 عقود مع «الأدب المنسي»

أثرى الكاتب عبدالتواب يوسف، الذي غاب، أخيراً، المكتبة بالكثير من الإبداعات، ليسدّ نقصاً، ويملأ - مع روّاد قلائل - فراغاً في ركن أدب الأطفال بالمكتبة العربية، إذ ألّف المئات من الكتب والقصص التي تخاطب تلك الفئة، وتحاول تقديم المغاير لها، على مدى أكثر من ستة عقود، إذ رأت أولى قصصه النور في عام 1950.

استنفرت يوسف كلمات للراحل أنيس منصور، حرّضته على التخصص في أدب الأطفال، رغم أنه كان يخطّ يومياً حكاية يسمعها الملايين عبر الإذاعة، إلا أن أنيس منصور كان يرى أن الكتب أبقى، وكانت كلماته كافية لدفع عبدالتواب يوسف كي يتخصص في ذلك الجانب المنسي - إلى حد كبير - عربياً.

اشتغل يوسف (1928 - 2015) على ذاته، طالع كل ما كتب بالعربية، وامتدت عينه إلى الثقافات الأخرى. روى في أحد اللقاءات، أنه التقى مرة ضابطاً دنماركياً ضمن قوات الطوارئ التي جاءت إلى مصر بعد حرب عام 1956، وسأله ذلك الضابط عمن يعرف من الدنمارك: ملكاً أم وزيراً، وفوجئ بأن يوسف يقول له إنه يكفي الدنمارك هانز أندرسون، كاتب الأطفال الذي منحه يوسف اهتماماً كبيراً، واستفاد من تجربته في ذلك الميدان، إذ كان يطالب دوماً بمعرفة ما يكتبه الآخرون حولنا في العالم، لذا ترجم كثيراً من الكتب، وقرأ طويلاً لآخرين، ورأى نفسه «قارئاً أكثر منه كاتباً»، وعاش بين جنبات مكتبة متخصصة بالأطفال، ضاقت بها جنبات بيته، فخصص لها شقة خاصة.

احترم يوسف عقول الصغار وخيالهم، أحب عوالمهم، وسعى إلى سبر أعماقها، وصرّح بأنه تجنب النصائح لأن الأطفال يكرهونها. ورأى أن أزمة الأقلام العربية التي تخاطب الصغار، أنها لا ترقى إلى عقولهم المتطلعة، وأن أصحاب تلك الأقلام «تحوّلوا من السبورة إلى الكتابة»، أي إنهم تربويون معظمهم مهموم بالتعليم ليس أكثر؛ ولذلك يتجنب الأطفال ما يخطه أمثال هؤلاء.

أرقام كبيرة في سيرة الراحل عبدالتواب يوسف: كتب وقصص تتجاوز الـ1000، و30 ألف حلقة إذاعية موجهة للصغار، روت الكثير منها «أبلة فضيلة» في برنامجها الصباحي الذي تربت عليه أجيال مصرية. ومن الأرقام الكبيرة كذلك في مسيرة ذلك المبدع الراحل أن كتاب «حياة محمد صلى الله عليه وسلم» طبع منه سبعة ملايين نسخة، أما كتاب خيال الحقل، فطبع منه أربعة ملايين نسخة، وذلك حسب السيرة الذانية في إحدى الطبعات الأخيرة لكتابه «كان أبي معلماً» الذي يختصر «قصة نضال وطن ومعلم خلال النصف الأول من القرن العشرين»، ويهديه المؤلف «إلى كل من حمل شرف لقب معلم»، بعد تتبع جانب من حياة الأب التي يراها الابن «ملحمة»؛ لذا خصص لها ذلك الكتاب الذي بالفعل ينشغل بتأريخ جزء من تاريخ الوطن كذلك، فالأب الذي ولد في نهاية القرن الـ19، يرد على أحد المفتشين الزائرين لقريته عندما سأله عن اسمه: «يوسف أحمد يوسف إسماعيل، أودّ أن أذكر اسم جدي.. كان رجلاً عظيماً.. كان مع الشيخ القاياتي والشيخ العدوي في جيش عرابي. وحاكمه الإنجليز معهما، ونفوه بعيداً، حتى إننا لا نعرف له قبراً».

يركز عبدالتواب يوسف في سيرة الوالد على محطات التاريخ العام والخاص، يتحدث عن تلك الشخصية والتحامها بهموم وطنها، وكذلك محبتها للمجال الذي عملت به، فالوالد ينغمس في يوميات ثورة 1919، ويجمع التوقيعات من أهل قريته في محافظة بني سويف للزعيم سعد زغلول ورفاقه، ويدفع ثمن مواقفه فصلاً من العمل، إلا أنه أعيد إليه بعد أن هدأت الأمور. وتظل الأحداث السياسية حاضرة وملتهبة، ويرث الابن عبدالتواب يوسف بعض سمات أبيه: «تابع الشيخ يوسف أحداث عام 1946، وكان يرى في تحركات الابن شبابه، وإن كان قد فزع كثيراً لحادث كوبري عباس. وزار ابنه في القاهرة ليطمئن عليه، وكان قد اعتقل في قسم الشرطة بالجيزة لمدة أربعة أيام. وقد وصلت الأحداث إلى ذروتها في 21 فبراير 1946، ففي هذا اليوم صبغت أرض مصر بدماء عشرات من الشهداء، وخاف أن يكون ابنه بينهم، لكنه رفع بصره إلى السماء شكراً وامتناناً حين عاد إليه وحيده في اليوم التالي، وعلى قصبة أنفه جرح كبير، تحوّل إلى ندبة ظاهرة مميزة.. ولقد أضحى هذا التاريخ يوماً للطلبة العالمي، يحتفل به كل طلبة الدنيا تحية تقدير لنضال شباب هذا البلد».

حظي يوسف بالكثير من الجوائز، من بينها: جائزة اليونسكو (1975)، وجائزة منظمة الثقافة العربية (1990)، وجائزة الملك فيصل العالمية في الآداب (1991)، وجائزة المجلس العالمي لكتب الأطفال (1998)، وجائزة معرض بولونيا (2000)، وجائزة كانو من البحرين (2013).

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.

تويتر