معرض الخطاط صباح الأربيلي في «أيام غاليري» بدبي

«99 اسماً» ترخي بظلالها الروحانية على الحروف والألوان

صورة

يقدم الخطاط البريطاني العراقي الأصل صباح الأربيلي الحروف بتركيبة تكوينية تعيد تأمل الحرف، إذ تأخذ المتلقي من الخط والقراءة إلى مكان آخر في معرضه الأخير الذي افتتح أخيراً في أيام غاليري بعنوان «99 اسماً»، ويقدم فيه أسماء الله الحسنى في معرض يدخل المتلقي في حالة تأملية وروحانية.

يتميز أسلوب الخطاط بالأشكال التجريدية التي يمكن أن تنبثق من الكلمات، فتوجد حالة جديدة تأخذ وسائط العصر مجتمعة وتتجلى بأعمال متحررة من قيود اللون. الحرف في أعمال الأربيلي متحرر من قواعد الكتابات الكلاسيكية وكذلك من المواد المحدودة، ويحمل الكثير من التنوع بين لوحات مطبوعة وأخرى تشكيلية.

سيرة فنية

ولد صباح الأربيلي في العراق عام 1977، وتخرج في كلية الفنون في ويلز. يقيم حالياً بين بريطانيا وقطر.

قدم مجموعة من المعارض بين الشرق الأوسط وأوروبا وشمال أميركا وأستراليا في عدد من صالات العرض والبينالي، وكذلك معارض الفن، إلى جانب المؤسسات الثقافية.

اقتنيت أعمال الفنان في مجموعات خاصة وعامة، منها في المجموعة الوطنية للنحت في قطر، والمتحف الإسلامي الأسترالي، وكذلك في سويسرا. أما معارضه الأخيرة فكانت بين عمان وقطر.


أسلوب فني

يتميز الفنان صباح الأربيلي بأسلوبه الفني الخاص في تعاطيه مع الخط بشكل تجريدي، ومن خلال وسائط فنية متنوعة، سواء لونية أو نحتية أو حتى تركيبية.

استخدم الحرف بطريقة استعارية، وسعى من خلال أسلوبه إلى استكشاف المفاهيم الفنية، إذ يستعمل الخط كأداة بصرية تشكل النصوص وتقود الى التساؤلات.

اتبع في السابق النهج التقليدي، وبعد إتقانه للكثير من التقنيات أدرج ممارسته التجريبية في عمله ووصل من خلالها إلى الشكل التجريدي المعاصر. وتعد الهجرة إلى بريطانيا من الأمور التي أثرت في ممارسته الفنية، فباتت موضوعاته عميقة وغنية بأمور الحياة والسياسة.

يتضمن المعرض الذي يستمر حتى 10 الجاري، 100 لوحة تحمل أسماء الله الحسنى، إلى جانب عمل يحمل لفظ الجلالة، يقدمها الفنان من خلال سلسلة لونية كبيرة، إذ يختار خلفيات لونية قوية حيناً في اللوحات التي يستعين فيها بكتابات ذات إيقاع هادئ، أو على العكس من ذلك يقدم قوة الحرف على قوة اللون في خلفية اللوحة.

كما يعتمد الفنان أحياناً على أسلوب يشبه التركيب النحتي، إذ يختار الفنان أشكالاً غير عادية تحتل مساحة بسيطة من اللوحة، أو على العكس من ذلك يجعلها تقضي على الفراغ في اللوحات التي كانت كلها بالحجم ذاته في المعرض (60 في 60 سنتيمتراً).

بالإضافة إلى ذلك، ينزع الفنان إلى الزخرفة التي لا تحضر من خلال تزيين اللوحة، بل من خلال الكلمات التي يشكلها كما لو أنها زخارف أو ورود، ما يدل على قوة الحرف لدى الفنان، إذ يجعل الزخرفة الخاصة باللوحة نابعة منه.

 

تكوينات

يتحدى الأربيلي من خلال هذا الأسلوب المتلقي في اكتشاف النص، فهو يضعه أمام الكثير من التكوينات اللونية والفضاءات اللامتناهية، في محاولة للتواصل عبر لغة جديدة ربما تكون أكثر إقناعاً. هذا الغموض الذي تتسم به الأعمال يترك لدى المشاهد الكثير من الأسئلة العميقة حول الشكل والمعنى والأسلوب، وكذلك يضعه في مقارنة مع الأساليب الخطية الأخرى.

يقدم الفنان اللوحات بأساليب متعددة، فيطرح من خلال المعرض تحدياً جديداً مع الشكل، فالحرف يرخي بظلاله على الألوان، كاللوحات التي اعتمد فيها على التظليل والتدريج اللوني، مقدماً من خلال التمازج اللوني بين الرمادي والأبيض والأصفر مثلاً قدسية الأسماء، ومعانيها ضمن ديناميكية الخطوط التجريدية والفضاء اللامتناهي.

يوجد الفنان العراقي من خلال أعماله حالة تأملية تنبع من الروحانية التي تحملها معاني أسماء الله الحسنى، ولكنه يعتمد على المعنى الذي يحمله كل اسم ليقدمه بشكل يوحي به، ويبدو ذلك جلياً في «الرحمن الرحيم»، إذ يجعله يطفو بأحرف رمادية فاتحة وبيضاء من الخلفية السوداء، دلالة على الرحمة التي تعد أساس الدين الإسلامي.

كما يتجلى إيصال المعنى بالأسلوب نفسه في «السميع العليم»، إذ يبرز الحروف بشكل كأنه تطويق للون، ما يدلل من خلاله الفنان على دراية الخالق بالبشر والكون. هذا التوازن بين الشكل والمعنى هو أساس العمل في منهج الأربيلي، ويتضح في اختياره الشكل واللون في كل اسم، ما يعني تقلص العفوية الفنية في مثل هذه الأعمال، لتسيطر مكانها دراسة جيدة للمعنى المتكامل مع الشكل.

ملامح تفاؤل

اللافت في المعرض هو الاستخدام الواسع للألوان؛ ففي اللوحات الكثير من الخلفيات اللونية الفاتحة التي تمنح العمل ملامح التفاؤل والحياة والإشراق، فيحضر الزهري الفاتح في لوحات كثيرة، وكذلك الأصفر الذي يستخدم بقوة لونية توازيه حرفياً مع الأسود، في حين تكون المساحات البيضاء أقل من غيرها في المعرض.

ولا يغيب الأزرق، ولكن ما يدهش المتلقي هو الغنى والتنوع في الاستخدامات اللونية، وربما ينتج وبشكل أساسي من روحانية الموضوع، ولهذا تتسم الألوان بالهدوء، وتطوق المتلقي بحالة وجدانية عميقة.

تتميز مسيرة الأربيلي بالوسائط المتعددة، إذ يختار الفنان مجموعة من الأقمشة ويطبع عليها، كما أنه يستخدم الورق والكمبيوتر، وهذا يبرز الانفتاح على كل الأساليب الجديدة، كما يستخدم السيراميك حين يشكل الحروف كمنحوتات، ما يجعله متميزاً في إخضاع الفن التقليدي إلى التكنولوجيا الحديثة، لكنه يحرص على تقديم كل هذه الوسائط دون إيجاد حالة قطيعة في ما بينها أو عزلة، فيجيد ترجمة الأسلوب نفسه في أكثر من تقنية، وربما هذا ما يفسر التركيب النحتي الذي تأخذه اللوحة لديه، فتتداخل لتبدو كأنها جاهزة كي تتجسد عبر السيراميك أو أي مادة ثلاثية الأبعاد.

يمكن اختصار هذا المنحى في الخط العربي بما يسمى بحداثية اللوحة الخطية التي تكسر قواعد الخطوط الثابتة التي تضع الإبداع في خانات محددة، فهنا لا مكان لأشكال النصوص الكلاسيكية، على ألا ينفي هذا المنحى صلة الفنان القوية بقواعد الخط وأصوله التي تعد أساس فن الخط؛ مهما تطور وتغير في الشكل.

تويتر