الكتاب يسد فجوة من الغياب والنسيان في تاريخنا

«أبوظبي للسياحة والثقافة» تكشف عن «شعراء أم النار»

غلاف كتاب أم النار.

بالتزامن مع معرض أبوظبي الدولي للكتاب، أصدرت دار الكتب في هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، كتاب «شعراء أم النار» للكاتب أحمد فرحات، وتقديم الشاعر عبدالعزيز الجاسم، وتعليق الكاتب عبدالله عبد الرحمن.

وفي تقديمه للكتاب يقول عبدالعزيز جاسم رئيس القسم الثقافي في صحيفة «الاتحاد» الإماراتية: «تعرضت منطقة الخليج العربي عموماً للإهمال والنسيان مدة طويلة، وبقيت تعاني نسياناً منظماً وتجاهلاً مزدوجاً غربياً وعربياً، ما أسفر عن أن المنطقة بدت كما لو أنها أُخرجت من التاريخ، ويأتي كتاب (شعراء أم النار) بمثابة بشرى سارة واكتشاف حقيقي، فهو يسلط الضوء على تجارب خمسة شعراء فينيقيين، تعود أصولهم إلى حضارة أم النار الظبيانية، في عصر التمدد الثقافي لحضارة فينيقيا الزاهرة، التي تعد الجزيرة العربية موطنها الأصلي، ليسد فجوة فاغرة من الغياب والنسيان المجهول في تاريخنا، وتبعث كثيراً من الأسئلة الغائبة والحائرة والمنسية، وتفتح من جديد مسامات سجل التزاوج الحضاري لبلادنا مع الحضارات الأخرى».

يتناول الكتاب الشعراء الهيلينستيين مركبي الهوية، الذين امتزجت دماؤهم وثقافاتهم الوجدانية والروحية بتراث حضارات الشرق، وذلك بفعل الهجرات من جنوب الجزيرة العربية إلى ساحلها في الشمال، لتنطلق منه في ما بعد إلى معظم جزر البحر المتوسط وسواحله المديدة.

يرى أحمد فرحات أنه طبقاً للمؤرخ اليوناني هيرودوت، فإن الفينيقيين شعب بحري جريء، قدِم من منطقة شبه جزيرة العرب (منطقة الخليج العربي اليوم) إلى الساحل الشرقي للبحر المتوسط، وذلك في منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. ويشير إلى أن هذا الكلام تؤيده الآثار الموجودة حتى اليوم في الإمارات، لاسيما في جزيرة أم النار القريبة من مدينة أبوظبي، وفي سلطنة عُمان التي تحمل بعض أسماء المدن فيها اليوم أسماء مدن على الساحل السوري واللبناني، مثل: صور، وصيدا، وأرواد، وطرطوس.

يتوقف فرحات عند الشعراء الإغريق من المرحلة الهيلينستية، الذين بثوا في أشعارهم حنيناً غائراً وعميقاً إلى أرض أجدادهم الفينيقيين، الذين كما أكد هيرودوت وغيره من المؤرخين والدارسين وفدوا من أنحاء الجزيرة العربية، لاسيما الساحل الشرقي للخليج العربي، الذي كان يضم جزيرة أم النار المعروفة بوصفها محطة تجارية لـ«ماجان»، بحسب ما تذكر النصوص السومر ـ أكادية.

وأم النار اكتشفتها عام 1959 بعثة آثار دنماركية، قالت في تقريرها إن هذه الجزيرة «تمثل منجماً لحضارة عريقة، سكنها أناس مهرة، اشتغلوا في الصيد وصهر النحاس، وزاولوا التجارة امتداداً الى وادي الرافدين، ثم امتدت لاحقاً هجراتهم وقوافل أجيالهم التجارية الى سواحل البحر المتوسط»، وكشفت آثار أم النار عن مقبرة تضم 50 مدفناً بنيت بحجارة خاصة فوق سطح الأرض، بعضها دائري، وفي قلب المدافن عثرت البعثة الدنماركية على مجوهرات وعقود ودبابيس ذهبية ونحاسية، ما يدل على غنى وتقدم حياة قوم أم النار.

من الشعراء الذين يتوقف عندهم فرحات الشاعر الفينيقي ـ اليوناني ـ العربي «ملياغروس» أو «ملياغر»، كما يعبر الفرنسيون، وهو شاعر فينيقي ـ عربي أيضاً، ولد سنة 140ق.م في مدينة غادارا التي ذكرتها الأناجيل بأرض الجدريين، نسبة إلى مدينة أخرى هي جيراسا أو جرش حالياً، وتسمى غادارا بأم قيس، وهي تشكل صلة وصل بين الأردن وفلسطين وسورية.

يفخر الشاعر ملياغر الذي يعد رائد المدرسة السورية في الشعر الهلينستي بأصول آبائه وأجداده الذين جاءوا من جنوب شبه الجزيرة، وتحديدا من جزيرة أم النار التي تقع على بعد 20 كيلومتراً من مدينة أبوظبي، ويلقي ملياغر التحية الشعرية «وما أوثقها وأدمغها من تحية» على وطن أجداده وأهله الأصلي في أم النار «أرض الورد الرملي النادر»، و«الحنين الأقوى من أي قلب».

يقول ملياغر في قصيدة عن أم النار «أجدادي العظام جاءوا من هناك من أم النار من أرض الورد الرملي النادر، والأيائل التي تتحكم بالريح من شرفات عيونها، ومن مشتبك قرونها التي تهدئ زمجرة الزوابع. من هناك جاءوا من أرض النحاس الأحمر، من حرير أول مغزل لربات الجمال الثلاث”.

تويتر